فتح خبر توقيف السلطات الإيطالية آمر جهاز الشرطة القضائية الليبية الباب على تحركات المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بمتابعة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وأوضحت مصادر ليبية لـ"عربي بوست" أن المحكمة الجنائية الدولية قامت بإنشاء مكتب إقليمي في تونس من أجل الاستماع إلى شهادات المواطنين الليبيين الذين أُضروا من عمليات التعذيب التي ارتكبها أسامة نجيم آمر جهاز الشرطة القضائية الليبية وقادة فصائل مسلحة أخرى في ليبيا.
وقالت المصادر إن توقيف أسامة نجيم في إيطاليا كونه مطلوباً لدى الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن ثم الإفراج عنه بسبب "خلل" في الإجراءات القانونية، تسبب في حالة من "القلق والخوف" لدى الكثيرين من المحسوبين على الميليشيات المسلحة في الغرب الليبي، خشية إدراجهم على قوائم الضبط والإحضار للجنائية الدولية بسبب ما قاموا به من انتهاكات بحق الليبيين في السنوات الماضية.
جدل واسع
قالت مصادر ليبية قريبة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة إن اعتقال أسامة نجيم في إيطاليا تسبب في "إرباك وحرج كبيرين" لحكومة الدبيبة، وقد كان التفكير لدى الحكومة للتحرك على مسارين: الأول يتعلق بالتواصل مع الحكومة الإيطالية والتفاهم معها حول مصير أسامة نجيم وإقناعها حتى ولو "من خلال صفقة" للتدخل للإفراج عنه.
أما المسار الثاني فهو "التزام الصمت وعدم التصعيد الإعلامي"، خاصة وأن أسامة نجيم محسوب على حكومة الغرب، وهو ما يفاقم الوضع ويضع الحكومة في حرج شديد. ولذلك التزمت الحكومة الصمت وذهبت إلى تبني المسارين بالتوازي.
قالت المصادر إن اعتقال نجيم في البداية دفع حكومة الوحدة، وكذلك المجلس الرئاسي إلى التواصل مع كافة الفصائل المسلحة في الغرب والتي تتمتع بعلاقات "ولاء" في الغرب للسلطات الليبية للبحث في سيناريو "ما إذا كانت الجنائية الدولية تتجهز لإصدار قائمة تستهدف شخصيات أخرى محسوبة على الغرب ومتهمة بانتهاكات جسيمة بحق المواطنين الليبيين سواء في السجون أو في خلال القتال الذي شهدته البلاد في السنوات الماضية".
قالت المصادر إن الدبيبة يعلم جيداً أن هناك العشرات من الشخصيات العسكرية والمسلحة في الغرب متورطة في الاقتتال الداخلي، فضلاً عن التورط في انتهاكات تخص حقوق الإنسان، لكن لم يصل للحكومة حتى الآن أي تفاصيل تخص الشخصيات التي جمعت الجنائية الدولية أي بيانات حولها في الغرب الليبي.
أشارت المصادر إلى أن توقيف نجيم في أحد الفنادق وبرفقته شخصان في مدينة تورينو، بناءً على مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية، كان أمراً مفاجئاً للحكومة، إذ أن أسامة نجيم سافر إلى إيطاليا أكثر من خمس مرات في السنتين الماضيتين ولم يحدث له أي شيء.
الإفراج الغريب!
في سياق متصل، قالت مصادر ليبية مطلعة إن قرار الإفراج عن أسامة نجيم بعد ذلك من خلال محكمة الاستئناف في روما، التي بررت القرار بوجود مشكلات تقنية في الإجراءات القانونية المتعلقة بتنفيذ الاعتقال، كان قراراً "مبشراً" لحكومة الدبيبة، خاصة وأنها بذلت جهود "غير معلنة" للإفراج عنه، على حد وصفها.
تقول المصادر الليبية إن علاقات ليبيا وإيطاليا قوية، وازدادت قوة من خلال التنسيق في السنوات القليلة الماضية حول ملف الهجرة غير الشرعية، ولذلك فإن ذهاب الطرفين، أي ليبيا وإيطاليا، إلى "خسائر" في ملف علاقاتهما وتنسيقهما بخصوص الهجرة غير الشرعية كان أمراً غير مطروح، ولذلك دخلت حكومة الدبيبة في تفاوض "عميق وفيه إغراءات وتلميح بخسائر" للطرف الإيطالي من أجل الإفراج عن أسامة نجيم.
يقول مصدر عسكري ليبي، والذي كان يعمل مستشاراً للجيش الليبي في الغرب حتى وقت قريب وله اطلاع كبير بدوائر صناعة القرار في الغرب الليبي، إن الدبيبة كلف أحد كبار مساعديه بتولي ملف أسامة نجيم والتفاوض مع الإيطاليين من أجل إخراج الرجل وبشكل سريع يضمن "حفظ ماء الوجه للجانب الإيطالي" وكذلك "إنقاذ الحكومة الليبية من الورطة".
لذلك – بحسب المصدر – جاء قرار الإفراج عن أسامة نجيم تحت "مزاعم" وجود خلل في الإجراءات الفنية أثناء القبض على المسؤول الليبي.
وما يعضد رواية التفاوض الليبي الإيطالي – وفق كلام المصدر الليبي – هو أن أسامة نجيم تم نقله من إيطاليا إلى طرابلس على متن طائرة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإيطالية (SISMI) مع تشفير خطة الطيران بشكل استثنائي.
التفاوض الليبي الإيطالي
كشف المصدر الليبي بعضاً من كواليس التفاوض الإيطالي الليبي حول أسامة نجيم، فيقول إن ليبيا أبرمت في الأشهر الماضية اتفاقاً مع إيطاليا يخص وقف الهجرة غير الشرعية، خاصة في ظل ما تعانيه البلاد من "سيولة في هذا الملف بشكل كبير".
وتسببت قضية أسامة نجيم في تعرض علاقة البلدين لأزمة، بسبب مخاوف الليبيين من أن تكون إيطاليا هي "الجسر" الذي يسلم قادة الفصائل العسكرية إلى الإنتربول الدولي ومن ثم للجنائية الدولية، ولذلك قالت الحكومة الليبية – وفق كلام المصدر – للإيطاليين إن أسامة نجيم وغيره من قادة الفصائل في الغرب "يساعدون في عملية ضبط ملف الهجرة ويحاولون إنهاءه بالتنسيق مع الحكومة الليبية، وأن اعتقاله سوف يضرب اتفاق الهجرة مع روما في مقتل، خاصة وأن باقي الفصائل سوف يمتنعون عن المشاركة في جهود الحكومة لمعالجة هذا الملف".
وقال المصدر الليبي إن الحكومة قالت بوضوح للإيطاليين إنها لا تضمن رد فعل الميليشيات المسلحة في الغرب الذين يتعاونون في ملف الهجرة غير الشرعية لأنهم باتوا على "يقين من أنهم ليسوا في أمان خارج ليبيا"، ولذلك فمن الصعوبة "تطويعهم مرة أخرى" لنجاح اتفاق وقف الهجرة إلى أوروبا عن طريق البحر.
فمن هو أسامة نجيم؟
كانت الشرطة الإيطالية أوقفت آمر جهاز الشرطة القضائية الليبي أسامة نجيم الذي يشغل مدير مركز احتجاز معيتيقة في طرابلس، ونجيم، المعروف أيضاً بـ"المصري"، أوقف في تورينو بموجب مذكرة توقيف صادرة من المحكمة الجنائية الدولية، وفق الإعلام الإيطالي. جاء توقيف المصري بعد "أعوام من شكاوى ضحايا وإفاداتهم".
أسامة نجيم هو أحد أبرز قادة الميليشيات، ويدير سجن الردع الآن في ليبيا، وهو متهم بارتكاب جرائم ضد المدنيين، وانتهاكات لحقوق الإنسان، خاصة خلال فترة إدارته لسجن الردع في قاعدة معيتيقة. وأبرزت العديد من تقارير حقوق الإنسان المحلية والدولية اسم نجيم لتورطه في عمليات التعذيب والتنكيل بالمواطنين والناشطين الليبيين.
نجيم من سكان منطقة عرادة، وهو لم يحصل على تأهيل علمي يسمح له بتولي هذا المنصب، حيث كان يعمل قبل الثورة الليبية في 2011 كسائق سيارة ثم اندمج في الميليشيات إلى أن حصل على منصب قيادي في ميليشيات الردع.
ويتهم نجيم بالتورط في قضايا الاتجار بالمخدرات منذ عمله في ألمانيا قبل الثورة، وكان طرفاً في العديد من الاشتباكات والمعارك المتكررة بين الميليشيات في شوارع العاصمة طرابلس من وقت لآخر.
سجن الردع
في سياق متصل، حصل "عربي بوست" من مصدر ليبي على تفاصيل تخص سجن الردع الذي يقع تحت إشراف أسامة نجيم آمر الشرطة القضائية في حكومة الوحدة الليبية بقيادة عبدالحميد الدبيبة.
إذ إن سجن الردع، المعروف أيضاً باسم سجن معيتيقة، يقع في طرابلس، ليبيا، ويسيطر عليه جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب بقيادة عبدالرؤوف كاره.
السجن مشهور بـ"سمعته السيئة" بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاتجار بالبشر، ووفقاً للمصدر الليبي، يُشرف على عمليات التعذيب محمد الكيب، أحد القادة البارزين في ميليشيا الردع، والذي له تاريخ طويل في الانتهاكات والجرائم.
قوة الردع الخاصة التي تدير السجن تتكون من حوالي 1500 فرد، وكان السجن سابقاً يعمل تحت مظلة وزارة الداخلية الليبية، وفي 2021 تم تحويل تبعيته إلى المجلس الرئاسي الليبي بقرار من رئيس المجلس السابق فائز السراج.
تأسست قوة الردع الخاصة التي تدير سجن الردع بعد سقوط نظام القذافي، والسجن يشهد ظروفاً صعبة للغاية، حيث أشارت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن المعتقلين يتعرضون للتعذيب والانتهاكات دون رقابة فعالة من السلطات الليبية، ويُستخدم السجن أيضاً لاحتجاز العديد من الشخصيات السياسية والمعارضة للنظام السابق، أبرزهم عبدالله السنوسي رئيس جهاز المخابرات.
وُجهت لإدارة السجن العديد من الاتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. تشير هذه التقارير إلى ممارسة واسعة للاعتقالات التعسفية، التعذيب، الاغتصاب، القتل، والاختفاء القسري.
يُذكر أن هذه الانتهاكات ترتكب بشكل ممنهج ومنظم في مراكز الاحتجاز، حيث يتم احتجاز المعتقلين في ظروف قاسية وغير إنسانية، ويُحرمون من الأساسيات مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية، ما أشار تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا إلى تورط السلطات الليبية والجماعات المسلحة في استغلال المهاجرين واللاجئين بشكل منهجي، بما في ذلك ممارسة الاستعباد الجنسي والعمل القسري.
شهادة من داخل سجن الردع
في حين حصل "عربي بوست" على شهادة أحد المعتقلين السابقين في سجن الردع الليبي وقد تحفظ على ذكر اسمه خوفاً على سلامته، وقد تضمنت الشهادة الخاصة بالمسجون السابق: "الضحية من سكان ضواحي طرابلس، من مواليد 1980، يعمل في التجارة والاستيراد الدولي ويتعامل مع أحد التجار في طرابلس، في سنة 2018 وقع خلاف بينه وبين التاجر الذي يتعامل معه وهو مقرب من جهاز الردع. فقام بتلفيق تهمة له واستعمل وساطاته للانتقام منه".
تم اختطاف الضحية بتاريخ يوليو/تموز 2018 بعد استدراجه من قبل التاجر إلى موقع في طرابلس، وتمت عملية اختطافه من قبل عناصر تابعين لجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وكان التاجر قد نظم لقاء بينه وبين الضحية في موقع ما، بينما كان عناصر من جهاز الردع ينتظرونه هناك، وانتقلوا به إلى سجن قاعدة معيتيقة وتم احتجازه في زنزانة مع آخرين دون إحالته إلى النيابة أو التحقيق معه بشكل رسمي طوال مدة احتجازه التي تجاوزت الأربع سنوات إلى أن تم إخلاء سبيله في سنة 2022.
تعرض الضحية خلال فترة احتجازه قسراً دون عرضه على النيابة أو السماح له بالزيارات العائلية أو الوصول إلى محامي لأكثر من أربع سنوات لضروب المعاملة المهينة وإساءة المعاملة والتعذيب الجسدي والنفسي.
يقول الضحية إنه تعرض للتعذيب الجسدي في سنة 2018 من قبل أحد الضباط المسؤولين في جهاز الردع أثناء الاستجواب لمحاولة تلفيق تهمة له بشكل قانوني، وقام بإطلاق النار عليه بسلاح نوع مسدس، وتعرض الضحية لرصاصتين في الرجل، ثم في نفس الوقت قام عناصر الردع بضربه وتعذيبه بالآلات حادة وتم تعليقه بحبال من يديه في سقف مكتب التحقيق، وعصب عينيه بكيس أسود وضربه بماسورة حديدية على أصابع قدمه تسببت في كسرها، كما تعرض لضربة على القفص الصدري أدت لكسور في الضلوع.
وبقي فترة دون تلقي علاج، والتهبت رجله، ثم أحضروا له طبيباً أجرى له تنظيفاً في الجروح وقال له "أنت تحتاج عملية جراحية"، لكن مسؤولين في جهاز الردع رفضوا إجراء العملية، وأصبح غير قادر على المشي لفترة طويلة.
يصف الضحية أن الأوضاع الإنسانية في سجن الردع سيئة جداً من ناحية الدواء والطعام والشراب، كما أن السجن مكتظ بشكل يصعب وصفه، والسجناء ينامون بالدور في الزنزانات، حيث تقف مجموعة وتنام الأخرى لعدد ساعات معين بسبب أنهم لا يستطيعون النوم في نفس الوقت من شدة الاكتظاظ في الزنزانة.
كما أن الطعام شحيح جداً، والوجبة الواحدة يتم تقسيمها على 4 أو 5 أشخاص، وكل واحد يحصل على ملعقتين أو ثلاث من الأرز أو المكرونة فقط خلال الغداء أو العشاء.
ويتعامل جهاز الردع مع المحتجزين والسجناء بدون إجراءات قانونية، وأغلبهم لا يتم إحالتهم للنيابة العامة كونهم لا توجد عليهم قضية رسمية أو هناك أي محاضر أو شكاوى ضدهم، وإذا تم إحالتهم للنيابة ستُخلي سبيلهم، وهذا لا يناسب جهاز الردع.
ويقول: "قابلت أشخاصاً لديهم أمر إخلاء سبيل من النائب العام منذ سنتين أو ثلاث سنوات، لكن جهاز الردع يرفض إخلاء سبيلهم، ولا توجد أي قوة قانونية تستطيع فرض الأوامر على جهاز الردع كونه يتمتع بالقوة ويسيطر على وسط العاصمة والأماكن الحيوية ويشرف على تأمين مطار معيتيقة وبعض مباني الوزارات الهامة".
ويقول الضحية في النهاية: "تم إطلاق سراحي بعد تدهور حالتي الصحية وبعد تدخل ووساطات اجتماعية، ولا يوجد لدي أي دليل على أنني سجنت طيلة أربعة سنوات في سجن الردع، ولا يوجد أي شكوى ضدي أو قضية في النيابة. وأنا أعاني من آثار نفسية وصحية خطيرة أثرت على حياتي، وخسرت أعمالي بسبب ما حدث لي، والذي يصنف كانتهاك خطير للقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاك للقانون الليبي الذي يجرم التعذيب والاختفاء القسري والحجز بدون وجه حق".
الجنائية الدولية تستهدف حفتر أيضاً
المستشار العسكري عادل عبدالكافي قال في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إن الجنائية الدولية تعمل على كل جرائم الانتهاكات في ليبيا سواء في الشرق أو الغرب، وأن قرار المحكمة الجنائية الذي صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2024 بخصوص 6 من قادة الميليشيا المسلحة في شرق ليبيا كان لتورطهم في انتهاكات كذلك في الشرق وفي الغرب.
كما أشار إلى أن المحكمة أصدرت مذكرات الاعتقال ضد كل من عبد الرحيم الكاني، مخلوف دومة، ناصر اللحسا، محمد صالحين، عبد الباري الشقاقي، وفتحي الزنكال، وقد كانت ميليشيا الكانيات مسؤولة عن قتل المئات من الليبيين.
ماذا صنعت جماعة "الكانيات" في الشعب الليبي؟
وفق تقرير نشرته منظمة العفو الدولية في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فرضت جماعة الكانيات سيطرتها الوحشية على ترهونة من خلال القضاء على أي منافسين ومنتقدين فعليين أو مفترضين، واستهدفت عائلاتهم الممتدة بأكملها.
كانت جماعة الكانيات تختطف وتقتل جميع الرجال في الأسرة بشكل غير مشروع. ثم، تحت تهديد السلاح، تأمر بقية أفراد أسرهم الممتدة بمغادرة ترهونة، في ممارسة مسيئة ترقى إلى مستوى التهجير القسري. بعد ذلك، تستولي الجماعة على جميع ممتلكاتهم وأصولهم. وقد نُفِّذت غالبية عمليات الاختطاف بين أبريل/نيسان 2019 ويونيو/حزيران 2020 حين كانت جماعة الكانيات تعمل تحت إمرة القوات المسلحة العربية الليبية.
ووفقًا للهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، حملت معظم الجثث الـ343 التي انتُشلت وفُحصت بعد هزيمة جماعة الكانيات إصابات ناجمة عن طلقات نارية، في الرأس والجزء العلوي من الجسم بشكل رئيسي؛ كما أن غالبية الجثث كانت مكبلة اليدين خلف الظهر و/أو مغطاة الرأس أو معصوبة العينين.
تشير الأدلة المتاحة لمنظمة العفو الدولية إلى أن جماعة الكانيات، إضافة إلى ارتكابها جرائم ضد الإنسانية، ارتكبت أيضًا أفعالًا تنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل جرائم حرب. وتشمل هذه الأفعال القتل، والاستيلاء على الممتلكات دون ضرورة عسكرية، والتهجير القسري.
ما زال مصير ومكان ما لا يقل عن 68 شخصًا مجهولًا حتى الآن بعدما اختطفتهم جماعة الكانيات، وفقًا لرابطة ضحايا ترهونة. وتفاقمت معاناة عائلات الضحايا نتيجة تقاعس السلطات الليبية عن تقديم تعويضات كافية. فقد حصلت 37 عائلة فقط على دعم مالي من هيئة حكومية مكلفة بدعم "الشهداء".
لجنة تحقيق
وقد سبق أن أرسلت المحكمة الجنائية الدولية في يوليو/تموز 2020، لجنة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات الجنرال خليفة حفتر، خلال 14 شهراً من عدوانها على العاصمة الليبية طرابلس. وشملت تلك الجرائم الإبادة الجماعية لعائلات في مدينة ترهونة (غرب)، وجرائم ضد الإنسانية، عبر اختطاف مدنيين وتعذيبهم والتنكيل بهم والتمثيل بجثثهم، وجرائم حرب تمثلت خاصة في قصف أحياء مدنية واستهداف طواقم طبية وقتل أسرى، وغيرها.
وحسب ما تم من رصد للجرائم التي ارتكبها خليفة حفتر فهي كالتالي:
- جرائم إبادة عائلات في ترهونة: حيث أبادت ميليشيا اللواء التاسع في ترهونة، التي تقودها عائلة الكاني، التابعة لميليشيات حفتر، عائلات في ترهونة بشكل كامل أو جزئي، ولم يسلم من جرائمهم حتى الأطفال الرضع ولا النساء الحوامل، على حد قول وزير العدل الليبي محمد لملوم، وهذا ما طال عائلات النعاجي وهرودة مثلاً.
- المقابر الجماعية: تعتبر من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، والتي فاق عددها 12 مقبرة، أغلبها في ترهونة. إذ بعد تحرير المدينة من العصابات المسلحة التابعة لعائلة الكاني في 5 يونيو/حزيران 2020، تم العثور على مقابر جماعية لأشخاص مقيدين يعتقد أن بعضهم دفنوا أحياء.
- مجازر: خلال فترة سيطرة ميليشيا الكانيات (اللواء التاسع) على ترهونة، ارتكبت عدة مجازر في حق المدنيين، طالت عائلات منافسة في المدينة، أو حتى عسكريين بالمدينة قتلوا لأسباب غير معروفة. ووجدت عشرات الجثث في مستشفى ترهونة العام. كما ارتكبت ميليشيات حفتر عدة مجازر في حق المهاجرين غير النظاميين في طرابلس، وتعرضت عدة أحياء شعبية بالعاصمة لقصف جوي أو مدفعي خلف عشرات القتلى المدنيين بينهم أطفال، على غرار أحياء الفرناج وأبوسليم وسوق الجمعة، ومجزرة مرزق في أقصى جنوب البلاد ومجزرة الكلية العسكرية في طرابلس.
- التعذيب: تحدثت عدة وسائل إعلام ليبية عن تعرض جنود ومدنيين وقعوا أسرى لدى ميليشيات حفتر لعمليات تعذيب. كما أن الجثث التي تم العثور عليها وُجد على بعضها آثار تعذيب، مما يؤكد أن التعذيب لم يكن فعلاً معزولاً.
- أفران بشرية: أظهرت قناة فبراير الليبية (خاصة) مقاطع فيديو لزنازين ضيقة للغاية، لا يمكن للمحتجز داخلها سوى الجلوس في وضع القرفصاء، مع أبواب حديدية محكمة الإغلاق، ويتم إشعال النيران فوق أسطحها لتعذيب السجناء بالحرارة، حتى أن بعضهم شبهها بأفران الهولوكوست النازية.
- حرق الجثث: وجدت السلطات الليبية في منطقة قصر بن غشير (25 كم جنوب طرابلس) جثث متفحمة داخل حاوية، بينها جثة لطفلة صغيرة في الـ12 من العمر، وقامت السلطات بتوثيق هذه الجريمة المروعة.
- قتل الأسرى: بالنسبة لجنود الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية الذين وقعوا أسرى خلال المعارك، تم تصفية العشرات منهم، خاصة بعد مقتل محسن الكاني، أحد القادة الميدانيين لميليشيا الكانيات، في سبتمبر/أيلول 2019، بحسب بعض التقارير الأممية والإعلامية.
- تلغيم الأحياء الجنوبية لطرابلس: تعتبر إحدى جرائم الحرب التي ارتكبتها ميليشيات حفتر والمرتزقة الأجانب، خاصة وأن لا فائدة عسكرية ترجى من الألغام بعد انسحابهم من المنطقة. لكن الألغام والعبوات الناسفة (الأسلحة المؤجلة) ما تزال إلى اليوم تحصد عشرات الضحايا بينهم مدنيون عادوا إلى بيوتهم التي أجبروا على النزوح منها بسبب الحرب.
- قصف المستشفيات والطواقم الطبية: قتل وأصيب العديد من أفراد الطواقم الطبية من أطباء ومسعفين، وقُصِفت سيارات الإسعاف والمستشفيات الميدانية ولم تسلم حتى المستشفيات العامة، بما فيها تلك التي تعالج المصابين بفيروس كورونا، مما اعتبر استخفافاً بأرواح الناس وقلة وعي بخطورة هذا الوباء العالمي، الذي حصد لحد الآن حياة عشرات الليبيين.
- قطع الطرق والاختطاف: حيث عانى المسافرون الذين يستعملون الطريق بين طرابلس ومدينة مصراتة (200 كم) من حواجز أمنية مزيفة بالقرب من مدينة القره بوللي (50 كم شرق طرابلس)، تم خلالها قتل أفراد وعائلات لمجرد أنهم من مصراتة، واختطاف بعضهم وسلب ونهب آخرين. ولعبت ميليشيا الكانيات الدور الأبرز في هذه الجرائم نظراً لقربها من الطريق الساحلي الذي كان يستخدمه بكثافة المسافرون القادمون من الخارج عبر مطار مصراتة إلى مدن الغرب الليبي، خاصة عند توقف الرحلات بمطار معيتيقة في طرابلس بسبب تعرضه المتكرر للقصف.
تطورات ملف الجنائية
في سياق متصل، لجأت الجنائية الدولية إلى إنشاء مكتب إقليمي لها في تونس من أجل نقل عائلات الضحايا الليبيين إلى تونس للاستماع إلى شهاداتهم فيما يتعلق بالانتهاكات التي قامت بها الميليشيا في البلاد.
تواصل "عربي بوست" مع إحدى العائلات التي كانت ضحية لانتهاكات قادة الميليشيات المسلحة التابعة لخليفة حفتر في مدينة ترهونة التي شهدت وجود مقابر جماعية لعشرات الليبيين الذين قتلوا، حيث قالت عائلة كل من علي أحمد فرج منصور ومحمد أحمد فرج منصور، والذين قتلوا في عام 2020 على يد ميليشيا الكانيات التي وضعتها الجنائية الدولية على قوائم الضبط والإحضار في أكتوبر/تشرين الأول 2024، واتهمتها بارتكاب جرائم حرب في ليبيا.
في اتصال هاتفي مع الوالد "أحمد فرج منصور" قال لـ"عربي بوست" إن ابنيه قتلا على يد ميليشيا الكانيات في يوم الجمعة 31 ديسمبر/كانون الأول 2020 بعد اقتحام الميليشيا للمنزل واعتقال كل من فيه ثم الإفراج عن الأب واعتقال الابنين وبعد ذلك قاما بإعدامهما أمام الجميع في المدينة.
أوضح والد الضحيتين أنه تم الاستماع إلى شهادته من جانب المحكمة الليبية في ترهونة ومن بعض الحقوقيين الذين يعملون مع الجنائية الدولية، وبعد ذلك تم إرسال شهادته إلى مكتب الجنائية الدولية في تونس.
ناصر الهواري المحامي والناشط الحقوقي الليبي قال في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إن الجنائية الدولية تجمع شهادات المواطنين الليبيين منذ شهور، وقد تواصل مكتب الجنائية الدولية في تونس معه قبل أيام للاستماع إلى شهادته حول ما يملكه من تفاصيل حول انتهاكات تخص سجن قرنادة في شرق ليبيا.
قال كذلك إن الجنائية الدولية التقت مئات العائلات والضحايا في ليبيا وذلك من أجل جمع كل الشهادات التي تدين قادة الميليشيا سواء في الشرق أو الغرب، والذين قاموا بانتهاكات ضخمة بحق الليبيين في السنوات الماضية.
وأوضح إن الجنائية مستمرة في عملها في الملف الليبي، ويقوم مكتب الجنائية الدولية في تونس بالتواصل حتى مع الحكومة الليبية للاستماع إليها بخصوص الاتهامات الموجهة بحق بعض مسؤوليها من جانب المواطنين الليبيين.