وعد بنصر مطلق وانتهى بانسحاب مهين.. 4 أهداف كبرى فشل نتنياهو في تحقيقها بغزة

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/16 الساعة 08:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/16 الساعة 08:45 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/ عربي بوست

توصل الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة، ولكن هذا الإنجاز لم يشكل سوى فشل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وضع أهدافاً رئيسية لتحقيق ما كان يصفه بـ"النصر المطلق"، وسرعان ما تحول من وعد "القضاء على حماس" إلى التفاوض معها.

فبعد شهور من تغنيه بالسعي لتحقيق أهداف الحرب التي وضعها، المتمثلة في القضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، والتأكد من أن غزة لن تشكل تهديداً لإسرائيل، صادق نتنياهو على صفقة تنهي الحرب مع الجانب الذي أراد القضاء عليه في قطاع غزة.

ونجمت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن استشهاد نحو 46 ألف شهيد فلسطيني، جلّهم من النساء والأطفال، وتدمير مئات الآلاف من المنازل في القطاع، وحرق وتدمير عشرات المستشفيات والعيادات الطبية.

ورغم أنه نجح في اغتيال شخصيات بارزة في حركة حماس وجناحها العسكري في عدوانه، فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه، فلم يتمكن من تدمير الحركة. ويقول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن تقديراتهم تشير إلى أن حماس تمكنت من تجنيد عددٍ من المسلحين الجدد يساوي تقريباً من فقدتهم.

ويعتقد الوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أن الصفقة هي "استسلام" و"كارثة على الأمن القومي لإسرائيل".

فيما اعتبر محللون إسرائيليون أن تل أبيب ستضطر إلى دفع "ثمن باهظ لا مفر منه" في الصفقة، مستذكرين تصريحات سابقة لنتنياهو بشأن أهداف الحرب، ورفض الانسحاب من محور فيلادلفيا، رغم أن الاتفاق ينص على الانسحاب الإسرائيلي منه.

ورأى المحلل الإسرائيلي زفي بارنيل، في مقال على صحيفة "هآرتس"، أن الاستراتيجية التي تزعم أن القوة والتدمير فقط هما القادران على إخضاع حركة حماس انهارت، معتبراً أن المفاوضات أدت إلى جعل إسرائيل وحماس وكأنهما طرفان متساويان.

وأشار إلى أن الموقف تجاه حماس، التي لم تنهار تماماً بعد، وحقيقة المفاوضات نفسها، حيث لا تزال الحركة قادرة على إملاء الشروط وتقديم المطالب، يخلق وضعاً متناقضاً حيث يتعين على الجانب القوي (إسرائيل) أن يتعامل مع خصمه (حماس) باعتباره يتمتع بنفس الوضعية.

وفي هذا التقرير، نتناول الأهداف التي فشل نتنياهو في تحقيقها، والخطط التي أرادت الحكومة الإسرائيلية تنفيذها مع بداية الحرب على غزة، ولم تستطع.

أولاً: فشل نتنياهو بالقضاء على حركة حماس

كان الهدف الأساسي لنتنياهو هو تدمير البنية التحتية لحماس، والقضاء على قدراتها العسكرية، بما في ذلك شبكات الأنفاق.

لكنه وفقاً لتصريحات إسرائيلية وتقارير أجنبية، فإن الحركة تمكنت من إعادة تأهيل نفسها في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال.

وذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن الصفقة تقودنا إلى استنتاج أن إسرائيل تتخلى فعلياً عن أحد أهداف الحرب، وتترك حماس كعامل حاكم في غزة، وتسمح لها بإعادة نفسها.

عناصر من كتائب القسام في غزة / الأناضول
عناصر من كتائب القسام في غزة / الأناضول

ويعترف العميد الإسرائيلي المتقاعد أمير أفيفي، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، بأن وتيرة إعادة بناء حماس لنفسها أسرع من وتيرة القضاء عليها من الجيش الإسرائيلي.

وقبل الحرب، كانت إسرائيل تزعم أن حماس لديها ما يصل إلى 30 ألف مقاتل منظمين في 24 كتيبة في هيكل يشبه إلى حد كبير الجيش النظامي، والآن تدعي أنها دمرت هذا الهيكل وقتلت نحو 17 ألف مقاتل.

فيما لم تعلن حركة حماس، التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة، عن عدد المقاتلين الذين خسرتهم، كما لا يزال عدد المجندين الجدد في صفوفها غير واضح، وفقاً للصحيفة الأمريكية.

ويذكر الجيش الإسرائيلي أن حماس جندت مئات الأشخاص خلال الأشهر القليلة الماضية، وأن عمليات التجنيد تجري في مختلف أنحاء القطاع، مع التركيز على الشمال، فيما يقول مسؤولون عرب إن إسرائيل أبلغتهم بأن عدد المجندين قد يصل إلى الآلاف.

وما زالت كتائب القسام تبث عبر قناتها في "تليغرام" بيانات ومقاطع فيديو تظهر مقاتليها وهم يطلقون العبوات الناسفة والقذائف المضادة للآليات على قوات الاحتلال المتواجدة في مناطق التوغل.

وتشير إحصائيات الجيش الإسرائيلي إلى مقتل نحو 50 جندياً وضابطاً منذ بدء العمليات في شمال قطاع غزة قبل نحو 100 يوم.

وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في القضاء على حماس تتناقض مع نجاحها في قتل العديد من قادتها، وهزيمة حزب الله في لبنان.

في 10 يناير/كانون الثاني 2025، قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل جاك لو إن الولايات المتحدة كانت تعتقد منذ فترة طويلة أن تحديد الهدف بتدمير حركة حماس كان خطأ، وقد دفعت تل أبيب إلى وضع خطة "اليوم التالي" للحرب.

ولم تنجح الخطط الإسرائيلية المتعلقة بتشكيل بدائل لإدارة قطاع غزة عبر العشائر أو جهات محلية بالقطاع، ويقر الاحتلال بأن حماس أفشلت أيضاً هذا التوجه الإسرائيلي.

وفقاً للصحيفة الأمريكية، فإن نتنياهو عارض دور السلطة الفلسطينية، كما أن أطرافاً عربية رفضت السيطرة على القطاع، في الوقت الذي لا تزال حركة حماس تشكل تهديداً عسكرياً هناك.

ويقول يوئيل جوزانسكي من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "لقد تلقت حماس ضربة قوية، لكنها لا تزال قائمة".

أما المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، فإنه يرى أن حركة حماس لم تهزم بعد، والاتفاق الحالي لن يضمن القضاء على حكم حماس على الرغم من الوعود التي قطعها نتنياهو ووزراء حكومته، وبالتالي التخلي عن هذا الهدف المعلن للحرب.

ويعتقد هارئيل أن حماس سوف تستغل إطلاق سراح أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين لتعزيز مكانتها في غزة والضفة الغربية.

ثانياً: فشل نتنياهو في استعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة

بعد عام وثلاثة أشهر، لم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من تحرير سوى عدد ضئيل جداً من الأسرى الإسرائيليين الذين احتجزتهم المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتالياً أبرز التواريخ المتعلقة بالأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة:

  • 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023: ذكرت معطيات إسرائيلية أن حركة حماس احتجزت 251 إسرائيلياً.
  • 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023: أطلقت حماس سراح إسرائيليين اثنين يحملان الجنسية الأمريكية لأسباب إنسانية.
  • 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023: أطلقت حماس سراح مسنتين من المحتجزين الإسرائيليين لأسباب إنسانية.
  • 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023: أعلن الاحتلال تمكنه من تحرير جندي إسرائيلي.
  • 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023: أبرمت هدنة إنسانية بين حماس والاحتلال، أسفرت عن الإفراج عن ما يقارب نصف الأسرى الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، واستمرت لسبعة أيام.
  • 8 ديسمبر/كانون الأول 2023: أعلنت حركة حماس تصديها لمحاولة إنقاذ أسير جندي إسرائيلي، ما أدى إلى مقتله، بالإضافة إلى مقتل وإصابة عدد من أفراد القوة الإسرائيلية.
  • 15 ديسمبر/كانون الأول 2023: قتلت قوات الاحتلال ثلاثة أسرى إسرائيليين في غزة بـ"الخطأ"، ما أثار انتقادات حادة داخل إسرائيل.
  • 12 فبراير/شباط 2024: أعلن الجيش الإسرائيلي استعادة محتجزين اثنين خلال عملية نفذتها قوات خاصة في رفح جنوبي القطاع.
  • 8 يونيو/حزيران 2024: استعادت قوات الاحتلال 4 محتجزين في عملية دموية في مخيم النصيرات وسط القطاع.
  • 27 أغسطس/آب 2024: قال الجيش إن قوات خاصة إسرائيلية استعادت محتجزاً إسرائيلياً من نفق في جنوب غزة في "عملية إنقاذ معقدة".
  • 31 أغسطس/آب 2024: اكتشف الاحتلال جثث 6 محتجزين مقتولين في نفق تابع لحماس بجنوب غزة، وأثار مقتلهم احتجاجات في إسرائيل.
  • 8 يناير/كانون الثاني 2025: أعلن الجيش الإسرائيلي أنه عثر في نفق بغزة على جثة جندي إسرائيلي تم أسره في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعثر على جثة ابنه بجانبه.

وتشير المعطيات السابقة إلى أن الاحتلال لم ينجح إلا في حالات نادرة من استعادة أسرى أحياء ضمن عملياته العسكرية البرية، فيما قالت حركة حماس إن القصف العنيف على القطاع تسبب بمقتل العشرات من الأسرى المحتجزين.

صور الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم حركة حماس في 7 أكتوبر/ رويترز
صور الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم حركة حماس في 7 أكتوبر/ رويترز

ويقول المحلل العسكري هارئيل إن فشل الاتفاق في مايو/أيار 2024 أدى إلى مقتل ثمانية أسرى إسرائيليين على الأقل، كما قُتل 122 جندياً إسرائيلياً آخرين، ثلثهم في الهجوم على جباليا وبيت حانون الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأضاف أن ادعاء نتنياهو بأن الضغط العسكري وحده سوف يؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين أثبت أنه لا أساس له من الصحة.

ثالثاً: التمسك بمحوري فيلادلفيا ونتساريم

في تصريحات عدة، أكد نتنياهو تمسكه ببقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، زاعماً أن هذه المنطقة تشكل "أنبوب أكسجين" لحركة حماس تستخدمه لتهريب الأسلحة من مصر إلى القطاع.

كما شدد نتنياهو في عدة تصريحات على رفضه انسحاب الجيش الإسرائيلي من ممر نتساريم الذي يقسم شمال القطاع عن جنوبه.

وكان تمسك نتنياهو بمحور فيلادلفيا وممر نتساريم عقبة رئيسية في إمكانية التوصل إلى اتفاق خلال الأشهر الماضية.

وفي 20 أغسطس/آب 2024، شدد نتنياهو على أن إسرائيل "تحت أي ظرف لن تغادر ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا"، وزعم في تصريح آخر أنهما "أصول استراتيجية" لبلاده.

زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز
زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز

وكان الدافع لدى نتنياهو بالتشبث بمحوري فيلادلفيا ونتساريم أنه كان يعارض خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، واعتبر أن الانسحاب فتح الطريق أمام حركة حماس لتسليح نفسها.

ووفقاً للاتفاق، فإن الجيش الإسرائيلي سيبدأ تدريجياً الانسحاب من محور نتساريم وجزئياً من فيلادلفيا خلال المرحلة الأولى، على أن يتم استكمال عملية الانسحاب من فيلادلفيا خلال المرحلة الثانية.

رابعاً: الاستيطان في غزة وخطة الجنرالات

كان اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية يأمل في الحصول على حرية التصرف بالاستيطان في قطاع غزة، ولكن التوصل لوقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق السكنية في المرحلة الأولى وصولاً إلى انسحاب كامل من القطاع بدد أحلامهم.

كما حاول الجيش الإسرائيلي إفراغ شمال قطاع غزة من سكانه، وتطبيق ما يسمى "خطة الجنرالات"، لكن الاتفاق الذي بموجبه ستنسحب آليات الاحتلال، ويسمح بعودة غير مشروطة للنازحين إلى أماكن سكنهم، نسف تماماً إمكانية الاستمرار بالخطة.

مناطق شمال قطاع غزة/ عربي بوست
مناطق شمال قطاع غزة/ عربي بوست

وفي شمال قطاع غزة، حيث كان الترويج لفكرة إنشاء مستوطنات فيه، فشل الاحتلال الإسرائيلي في:

  • إجبار السكان على النزوح إلى جنوبه.
  • تنفيذ خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة.
  • إنشاء بؤر استيطانية.

وبحسب المحلل في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، فإن الذعر الذي سيطر على بن غفير وسموتريتش مؤخراً بسبب الصفقة لا يتعلق بقضايا أمنية فحسب، حيث يقلقهم أن المرحلة الأولى قد تؤدي إلى المرحلة الثانية ونهاية الحرب، وهو ما من شأنه أن يبدد استئناف الاستيطان اليهودي بغزة.

وعلى أية حال، بعد صفقة وقف إطلاق النار، لا تستطيع إسرائيل أن تزعم بأنها حققت نصراً كاملاً. صحيح أنها ستستعيد أسراها عبر الاتفاق، لكن ذلك سيمهد الطريق لحركة حماس لاستعادة أصولها مجدداً بالقطاع، كما يرى المراقبون.

تحميل المزيد