في صباح يوم الجمعة، 18 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت حركة حماس في بيان رسمي استشهاد رئيس مكتبها السياسي، يحيى السنوار، صاحب الـ 61 عاماً، خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة. ووصفته بقائد معركة طوفان الأقصى، وأكدت الحركة أن استشهاده لن يثنيها عن مواصلة الكفاح، بل سيزيدها إصراراً وتمسكاً بقضيتها من أجل فلسطين وشعبها.
وفي نفس اليوم، نشر معهد دراسة الحرب في أمريكا تحليلاً أشار فيه إلى أن قادة عسكريين أكفاء في قطاع غزة وقادة سياسيين بنفس القدر في الخارج سيحلون محل السنوار. وإذا تم الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي، فسيكون ذلك أشبه باستسلام إسرائيل في هذه الحرب، مما يمكن خلفاء السنوار الأكفاء من إعادة بناء المنظومة العسكرية لحماس على مدى العقد المقبل لتهديد إسرائيل مرة أخرى. وقد ذكر التقرير اسم "محمد السنوار".
وبالتوازي مع ذلك، تناولت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً يقول إن المقاومة لديها سنوار آخر، محمد السنوار، ووصفته الصحيفة بالقائد الجديد لحركة حماس في غزة، الذي يعيد بناء الحركة بتجنيد مقاتلين جدد في قطاع غزة، مما يدفع إسرائيل نحو حرب استنزاف.
فمن هو محمد السنوار؟
"الواقع في غزة يعلمنا أن كل شخص يمكن استبداله، وأن الخليفة ليس أقل قسوة أو خطورة على إسرائيل من سلفه"، هكذا عقبت صحيفة "جيروزاليم بوست" نقلاً عن مسؤول أمني سابق بعد استشهاد يحيى السنوار. وأشارت العديد من التقارير إلى أن شقيق السنوار هو المرشح الأكثر ترجيحاً لتولي الجناح العسكري للجماعة رسمياً وتوجيه إعادة بناء المقاومة.
المولد والنشأة
وُلد محمد السنوار في 16 سبتمبر/أيلول 1975 في مخيم للاجئين بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ليكون شاهداً منذ نعومة أظفاره على معاناة اللاجئين الفلسطينيين.
فقد جاءت عائلته إلى خان يونس بعد أن هجرت قسراً من بلدتها الأصلية "مجدل عسقلان" خلال نكبة عام 1948. نشأ محمد في بيئة تعكس واقع اللجوء والاحتلال، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس "أونروا".
التحاقه بالمقاومة
في عام 1989، كان محمد، الذي لم يتجاوز عمره 14 عاماً، شاهداً على اعتقال شقيقه الأكبر يحيى السنوار والحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
أصبح بعدها محمد جزءاً من الحراك المقاوم، حيث انضم إلى الحركة مبكراً. وقد تأثر محمد بشخصية يحيى كقائد في حركة حماس، وأظهر منذ بداياته صفات قيادية، وبرز كأحد الناشطين البارزين في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993).
تعرض محمد للاعتقال لأول مرة عام 1991 من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسُجن في سجن كتسيعوت لمدة 9 أشهر. كما لم تسلم حياته من الاعتقالات المتكررة من قِبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت ضغط إسرائيلي، حيث قضى ما مجموعه ثلاث سنوات في الحجز.
إثر اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ساهم محمد السنوار، مع آخرين نجحوا في الهرب من معتقلات رام الله، في إعادة بناء وتنظيم كتائب القسام، التي كانت قد تعرضت للتفكيك خلال السنوات السابقة بسبب حملات الاعتقال السياسي والملاحقة الأمنية من جانب أجهزة السلطة.
وفقاً لتقارير، أثبت محمد قدرته القيادية، مما جعله قريباً من القادة الميدانيين الرئيسيين مثل محمد ضيف وسعد العربيد. أصبح عنصراً أساسياً في تطوير القدرات العسكرية لحماس.
نشأ محمد السنوار في ظل شخصيات تاريخية مثل يحيى عياش وصلاح شحادة، مما ساعده على اكتساب خبرة عميقة في مواجهة الاحتلال. ووفقاً لمسؤولين سابقين إسرائيليين، لا يوجد حدث رئيسي في بناء القدرات العسكرية لحماس خلال السنوات الـ 25 الماضية إلا وكان لمحمد دور محوري فيه.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست"، تدرج محمد في المناصب داخل كتائب القسام، حتى أصبح قائداً لـ"لواء خان يونس" عام 2005. وبرز كعضو بارز في "هيئة الأركان" العسكرية للحركة، وهو منصب استراتيجي يتطلب خبرة واسعة وقدرة على اتخاذ القرارات المصيرية.
فبحسب التقرير، كان محمد السنوار يمثل محمد ضيف على الأرض، ويتحدث مع المقاتلين وقادة الألوية وقادة الكتائب عندما لم يكن الضيف قادراً على الحضور أو لم يرغب في ذلك. من ناحية أخرى، كان مخلصاً بشدة للضيف، وكان الجميع يعلمون أن أي قرار يتخذه يحظى بدعم الضيف.
وأشارت التقارير أيضاً إلى أن محمد السنوار هو أحد مهندسي أنفاق غزة والمشرف على أكبر مشاريع بناء شبكة الأنفاق تحت الأرض.
نظراً لدوره المحوري، أصبح محمد السنوار على رأس قائمة الاستهداف الإسرائيلية. فقد خصصت إسرائيل مكافأة قدرها 300 ألف شيكل للقبض عليه حياً أو ميتاً، وهو ثاني أعلى مبلغ رُصد بعد المكافأة المخصصة لشقيقه يحيى السنوار، البالغة 400 ألف شيكل.
التجربة العسكرية
يعيش محمد السنوار حياة غير عادية، محاطة بكثير من السرية، حتى أن غالبية سكان قطاع غزة لا يكادون يعرفون ملامحه. لم تتوقف محاولات الاحتلال لاغتياله، إذ تعرض خلال العقدين الماضيين لست محاولات اغتيال، لكنه نجح في النجاة منها جميعاً.
فوفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست، يُعد محمد السنوار الشخصية الأكثر استهدافاً من قِبل إسرائيل في حركة حماس، أكثر من أي شخصية بارزة أخرى في الحركة اليوم.
يرى الاحتلال أن محمد السنوار لم يكن مشاركاً فقط في تطوير الجناح العسكري للمقاومة، بل لعب دوراً نشطاً وقيادياً في بعض العمليات.
إحدى أبرز محاولات الاغتيال كانت في 11 أبريل/نيسان 2003، عندما زرع عملاء الاحتلال جسماً ملغماً في جدار منزله بخان يونس، لكن يقظة كتائب القسام حالت دون نجاح المحاولة. وليس من قبيل المصادفة أن منزله دُمّر عدة مرات على مدى العقدين الماضيين. كانت العمليات للقضاء عليه هائلة ولكنها غير ناجحة، من بينها محاولة اغتيال في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2004. وكانت آخر هذه المحاولات خلال الحرب الرابعة على غزة، "معركة سيف القدس"، التي استمرت 11 يوماً في مايو/أيار 2021. وظل محمد السنوار مختفياً عن الأنظار لفترة طويلة، حتى أنه لم يظهر علناً لتشييع والده في يناير/كانون الثاني 2022.
رغم ذلك، ظهر السنوار في مناسبات محدودة جداً، مثل التسجيل النادر الذي بثته كتائب القسام عقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005. كما ظهر بوجه متخفٍ في إحدى حلقات برنامج "ما خفي أعظم" الذي بثته قناة الجزيرة في مايو/أيار 2022.
وفقاً لتقارير عبرية، لا يُعد محمد السنوار قائداً عسكرياً بارزاً فقط، بل يمتلك أيضاً قدرات تحليلية واستخباراتية استثنائية. يُقال إنه يفهم تكتيكات جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير، حتى أنه يمكنه التعرف على الطائرات الحربية من خلال أصواتها. كما يُنسب إليه قدرته على التوفيق بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، والعمل على قلب العملاء ضد الاحتلال. ووفقاً لمسؤول سابق في جيش الاحتلال، لا أحد في حماس يفهم أنماط العمليات السرية الإسرائيلية أفضل منه.
يشير الاحتلال إلى السنوار بوصفه "العقل المدبر" لعمليات معقدة، مثل "عمليات الأنفاق المفخخة"، التي استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية بشكل فعال على مدار خمس سنوات. كما برز اسمه ضمن المخططين لعملية "الوهم المتبدد"، التي وقعت قرب معبر كرم أبو سالم شرق مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة في يونيو/حزيران 2006. وأسفرت العملية عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي احتُجز لسنوات قبل إطلاق سراحه في إطار صفقة تبادل أسرى، أطلقت عليها كتائب القسام اسم "وفاء الأحرار"، وجرت برعاية مصرية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011.
دفعت هذه الصفقة إسرائيل للإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً، بينهم شقيقه يحيى السنوار، الذي كان يقضي حكماً بالسجن 451 عاماً، لمسؤوليته عن تأسيس جهاز الأمن الخاص في حماس، الذي عُرف آنذاك باسم "مجد"، ويختص بملاحقة عملاء إسرائيل في غزة.
إعادة بناء المقاومة
بالرغم من العدوان المدمر على غزة المستمر منذ 15 شهراً، الذي حوّل القطاع إلى أنقاض حيث امتزج الألم بفقدان الآلاف من الأبرياء والمقاومين والقادة.
وفي ظل حصار خانق يضيق الخناق على غزة، حيث قُطعت كافة المعابر، ومنع وصول السلاح والذخيرة وأبسط مقومات الحياة، وجدت المقاومة الفلسطينية نفسها في مواجهة مركبة: قوة الاحتلال العسكرية وصراع يومي للبقاء وإعادة ترتيب صفوفها. كان هذا الوضع يبدو للكثيرين بداية النهاية، لكن ظلت جذوة المقاومة مشتعلة.
وفقاً لتقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أظهرت المقاومة الفلسطينية مرونة غير عادية استطاعت من خلالها تجاوز الضغوط الهائلة. وعلى الرغم من الحصار الذي هدف إلى خنق قدرات الحركة وتحييدها، عزت الصحيفة جزءاً كبيراً من هذا الصمود إلى جهود محمد السنوار، الذي لعب دوراً محورياً في إعادة بناء قدرات الحركة في غزة.
مع عدم إعلان الحركة زعيماً جديداً لها، كان محمد السنوار الزعيم "الشبح"، يعيد بناء قدرات حماس في غزة ويجند آلاف المقاتلين. ويرى خبراء إسرائيليون، مثل الجنرال المتقاعد أمير أفيفي، أن "وتيرة بناء حماس لنفسها أعلى من وتيرة قضاء الجيش الإسرائيلي عليها"، بحسب "وول ستريت جورنال".
ففي شمال غزة، ورغم الحصار الخانق والدمار الذي تشنه قوات الاحتلال بشكل خاص على شمال القطاع منذ 3 شهور، ما زال جيش الاحتلال يتكبد الخسائر. حيث أعلن الاحتلال الأسبوع الماضي عن مقتل 10 جنود في بيت حانون شمال القطاع، وأطلقت حماس ما يقرب من 20 صاروخاً على أهداف إسرائيلية خلال الأسبوعين الماضيين.
وفقاً لتقرير الصحيفة، أثبت محمد السنوار صلابته مثل شقيقه الأكبر، ويدفع باستمرار نحو التوازن بين المقاومة والمفاوضات. ووفقاً لتقارير، وجه السنوار رسائل للوسطاء تؤكد أن حماس في موقع قوي يسمح لها بفرض شروطها. وفي إحدى الرسائل التي اطلعت عليها الصحيفة، كتب السنوار: "إن لم يكن هناك اتفاق شامل ينهي معاناة الغزيين ويبرر الدماء والتضحيات التي بذلوها، فستواصل حماس القتال".
واليوم، يترقب العالم خلال الساعات القادمة نتيجة المفاوضات الجارية لإعلان صفقة لوقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية على مراحل من القطاع. ووفقاً لتحليل لصحيفة "هآرتس"، هناك قلق من أن محمد السنوار قد يستثمر الفرصة لممارسة المزيد من الضغوط وربما محاولة تحسين شروط الاتفاق لصالح المقاومة.