فتح الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا بثبات الأجرة السنوية للوحدات السكنية المسجلة وفقًا لقانون الإيجار القديم، الباب على مصراعيه أمام إمكانية حدوث صدامات مجتمعية بين المُلاك والمستأجرين.
ويهدف الحكم إلى إيجاد حل نهائي للمشكلات المترتبة على عدم زيادة قيمة الإيجار منذ أربعة عقود، ما يضع البرلمان، الذي سيكون عليه تحويل الحكم إلى تشريع قانوني، أمام رؤى متعارضة بين المالك والمستأجر.
وأصدرت المحكمة حكمها بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى والمواد الثانية من القانون 136 لسنة 1981، بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وبالتالي تغيير قيمة الأجرة الشهرية المقررة.
ينص القانون الذي صدر قبل 43 سنة، على ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخصة في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون وعدم زيادتها.
وذلك دون الوضع في الاعتبار الزيادات المستمرة في الأسعار والتضخم، ما أدى إلى خلل في التوازن في العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، لصالح المستأجر على حساب المالك.
وطالب المُشرع لإحداث التوازن بين المالك والمستأجر، وشددت على أن يكون التشريع ينصّ لصالح فرض المؤجر رؤيته استغلالاً لحاجة المستأجر إلى مسكن يأويه وأكدت في الوقت ذاته على أهمية أن لا يهدر قيمة الأرض والمباني بثبات أجرتها.
وحدّدت المحكمة موعد تنفيذ الحكم في اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب، مُبررة ذلك بمنح فرصة زمنية للمشرع لدراسة وتنفيذ تعديلات ملائمة تمنع أي فراغ تشريعي، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.
اهتزازات اجتماعية وملايين بلا مأوى
وقال نائب برلماني مصري، إن الحكم الأخير وضع البرلمان والحكومة أمام مسؤولية مجتمعية بعد أن اختارت الحكومات السابقة خلال السنوات الماضية الابتعاد عن الأزمات بين الملاك والمستأجرين وفقًا لقانون الإيجارات القديم.
وأضاف المتحدث، الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ "عربي بوست" أن هذا ترتب عليه مضاعفة عدد القضايا المرفوعة في المحاكم بشأن رغبة المستأجرين في البقاء في العقارات التي استأجروها وفي المقابل اتجاه الملاك لمطاردتهم بشكل مستمر لما يرون أن هناك من يستولي على حقوقهم.
وتوقع النائب البرلماني المصري في تصريحه أن هذا الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية في مصر ومن خلفه التشريع المتوقع صدوره سيؤدي إلى اهتزازات اجتماعية صعبة.
وأوضح أن مجلس النواب أصبح الآن عليه واجب لابد أن ينتهي منه في غضون ثمانية أشهر ولا مجال للتهرب أو التأجيل مثلما حدث مع العديد من مشروعات القوانين التي تقدم بها عدد من النواب من أجل مناقشتها بحثًا عن حلول للأزمات المترتبة على ثبات قيمة الإيجارات.
وأضاف أن الأمر لا يخضع هذه المرة لأهواء الحكومة لكن الوضع بحاجة إلى مشرط يضمن عدم الوصول لحالة الانفجار المجتمعي حال وجد ملايين المستأجرين أنهم أمام قانون يمهد لأن يصبحوا بلا مأوى.
وأشار إلى أن فشل البرلمان في وضع قانون يتماشى مع حيثيات الحكم الصادر من المحكمة الدستورية يُعنى أن جميع المُلاك المتضررين من ثبات القيمة الإيجارية سيكون عليهم اللجوء مباشرة إلى القضاء.
وقال إن المحكمة الدستورية من المفترض أنها سهلت مهمة البرلمان لأنها عملت على تجزئة المشكلة بعد أن تطرقت فقط إلى أمر ثبوت القيمة الإيجارية دون أن تتطرق إلى استدامة وجود المستأجرين، ووضعت في اعتبارها أن هؤلاء دفعوا مبالغ مالية توازي قيمة هذه الشقق وقت تأجيرها أو ما يُعرف بـ "المقدم" أو "الخلو".
مشكلة الملاك
وشدد المصدر ذاته على أنه لا يوجد إحصاءات رسمية بعدد الوحدات الخاضعة لقانون الإيجار القديم لكن في كلتا الحالتين لن يقلّ عن 2.5 مليون وحدة وأن هذا الرقم سُجل في العام 2017 حوالي 3 مليون.
وأضاف المصدر نفسه أن هناك نصف مليون وحدة استلمها ملاكها لأسباب مختلفة، كما أن هناك ما يقرب من 2 مليون وحدة منهم وحدات مغلقة لا يسكنها أحد، وعلى أقل تقدير سيكون هناك خلافات بين أكثر من مليون ونصف مواطن في حال لم يكن القانون منصفاً للجميع.
يعتبر المصدر ذاته أن المشكلة الأكبر ستكون بين الملاك وبين عدد من الوزراء والمسؤولين المصريين السابقين، وأن المعلومات التي بحوزة جهات رسمية تشير إلى أن هؤلاء عرقلوا محاولات التوصل لإدخال تعديلات على القانون الذي صدر في صيغته الأولى منذ خمسينات القرن الماضي.
وهدفوا للحفاظ على عقاراتهم التي تُقدر بملايين الجنيهات وتصل إيجاراتها الشهرية لأكثر من 30 ألف جنيه، وأن المخاوف الحالية تنبع من إمكانية تأثير هؤلاء على سير عمل وضع القانون داخل البرلمان وسط توقعات بأن يكون القانون مراعياً لجميع الفئات التي لديها اعتراضات على تحرير قيمة الإيجار بشكل كامل.
وفي أكتوبر من العام الماضي، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإعداد قانون متكامل عن الإيجار القديم، مفسرًا سبب ذلك بأن المستأجر الأصلي للوحدات قد يكون توفي لأن القانون المنظم للعلاقة بين المستأجر والمؤجر صدر في 1962، والذي يستفيد من الوحدات في الوقت الحالي هم الورثة.
ويأتي الحكم الأخير في إطار دعوى قضائية مرفوعة أمام المحكمة الدستورية العليا منذ العام 2020 وتحمل رقم 24، وتقدم بها العديد من الملاك المتضررين من ثبات القيمة الإيجارية.
وكانت التعديلات التي أُدخلت على القانون في العام 1981 ونصت على أن تبقى القيمة الإيجارية 7% من قيمة المبنى كافية مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الخدمات لتظل القيمة الإيجارية هي الوحيدة الثابتة.
لماذا ستساعد الحكومة البرلمان؟
وقال مصدر مسؤول في التنمية المحلية، إن الحكم الدستوري فرض على الحكومة التدخل لإيجاد حلول لمشكلات الإيجار القديم، بالرغم من أنها أخفقت في مرات عديدة سابقة في أن تكون حكماً بين الملاك والمستأجرين بما يساعد على أن يحصل كل طرف على حقوقه.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" بأن الحكومة بحاجة لمزيد من الضرائب التي سيتم فرضها على هذه العقارات في حال بيعها أو تأجيرها بأسعارها الحالية كان دافعاً لها لأن تُساعد البرلمان في مهمته.
موضحا أن هناك 2 مليون وحدة سكنية شاغرة بقيمة تقديرية تريليون جنيه (20.3 مليار دولار) مغلقة بسبب القانون القديم وفي حال تطبيق القانون الجديد ستجني أموالا طائلة من فرض الضرائب بالقيمة الجديدة فضلا عن أن المستأجر الذي يترك منزله سيضطر لاستئجار وحدة سكنية من الحكومة في المدن الجديدة التي تشهد إقبالا ضعيفا من المواطنين، بمعنى أن الحكومة مستفيدة من كل الجهات.
وأشار إلى أن المستأجرين من المتوقع تضررهم بشكل كبير جراء الحكم الأخير، لأن الجزء الأكبر منهم من أصحاب المعاشات وليس لديهم دخول إضافية وتحميلهم قيمة إيجارات عقارات يسكنون بها منذ عشرين عاماً لا يتماشى مع أوضاعهم المادية بخاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه.
كما أن اتجاه الحكومة لتعويضهم بمساكن أخرى قد لا يكون مناسباً للكثير منهم لأن بدائل الحكومة في مدن جديدة على أطراف العاصمة القاهرة والمحافظات ويشكل الانتقال إليها عبئاً على هؤلاء في حال لم يستطيعوا تسديد القيمة الإيجارية الجديدة.
وكشف المصدر ذاته، وهو سبق أن شارك في العديد من النقاشات السابقة داخل مجلس النواب للتعامل مع المشكلة، عن أن البرلمان سوف يستعين بوزارة المالية ممثلة في مصلحة الضرائب العقارية التي يمكنها تحديد قيمة الوحدات السكنية الخاضعة لقانون الإيجارات القديم، وذلك لتحديد القيمة الإيجارية للشقق السكنية في الوقت الحالي، وعلى أساسها سيكون هناك سعر إيجاري قريب مما تحدده الهيئة الحكومية على أن يبدأ بسعر قليل يأخذ في التزايد سنوياً.
وشدد على أن هناك مقترحات أخرى بأن يكون هناك فترة انتقالية تشهد ارتفاعاً ضئيلاً في القيمة الإيجارية إلى أن يتم تحرير القيمة بشكل كامل، بما يجعل هناك فرصة أمام المستأجرين الحاليين للبحث عن أماكن أخرى في حال لم يستطيعوا دفع قيمة الإيجار.
متوقعاً حدوث تغييرات كبيرة في سوق العقارات لأن هناك ملايين الوحدات ستكون متاحة للسكن بل أنها ستدخل في سوق المباني الجديدة حال تركها مستأجريها، وأن التوقعات تشير لتوفير ما لا يقل عن مليون ونصف وحدة سكنية من بين 2 مليون وحدة مغلقة.
ماذا سيحدث حال لم يكن القانون مرضياً للملاك؟
وشمل الحكم، عدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لسنة 1981، بشأن تأجير الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجر والمستأجر، والذي ينص على تثبيت الأجرة السنوية للأماكن المرخص بإقامتها للأغراض السكنية.
وأكدت المحكمة أن ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتاً لا يزيله مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه يشكل عدواناً على قيمة العدل وإهدار لحق الملكية.
ويوجد نوعان أساسيان من الإيجارات في مصر، أولها الإيجار القديم وهو إيجار ممتد ثابت القيمة الإيجارية ولا يمكن فسخ العقد الإيجاري إلا في حالات قليلة للغاية، إلى جانب الإيجار الجديد وهو عقد محدد المدة يتم إدراج بنود نسب زيادة الإيجارات السنوية فيه، وهو الذي تسير عليه غالبية الوحدات السكنية المؤجرة حاليًا.
وقال محمد.س وهو عضو بائتلاف ملاك العقارات القديمة، أن مطالب المُلاك لا تشمل فقط زيادة القيمة الإيجارية كما نص حكم المحكمة الدستورية الذي يحظى بترحيب جميع المُلاك، لكنه يتطرق أيضاً لضرورة أن يكون هناك تعويض عن الخسائر الفادحة التي تعرضنا لها خلال أكثر من أربعة عقود.
وأوضح أن الملاك لن يقبلوا بقيمة إيجارية تقل عن الحد الأدنى من قيمة الإيجارات وفقًا للقانون الجديد، على أن تخضع هذه النسبة للزيادة، مشيراً إلى أنهم تعرضوا لظلم كبير لأن هناك العديد من الشقق لا يتجاوز إيجارها الشهري 10 جنيهات.
وقال إن قيمة هذه العقارات السوقية قد تصل إلى 5 ملايين جنيه ويتم تأجير نظيرتها التي تخضع لقانون الإيجار الجديد بأكثر من 50 ألف جنيه شهرياً، موضحاً أن غالبية العقود الإيجارية القديمة محررة في الفترة ما بين أعوام 1960 إلى 1978.
وذكر المصدر ذاته أن الصراع في حال لم يكن القانون مرضياً للملاك سيكون بين ملايين المواطنين وبعضهم البعض لأن كثير من البنايات الحالية أضحت مملوكة لورثة ملاكها الأصليين وهو ما يجعل هناك ما بين أربعة إلى ستة ورثة للشقة الواحدة وقد يزيد هذا الرقم.
وهناك أوضاع اقتصادية ضاغطة تدفع نحو التحرك بالسبل القضائية لانتزاع هذه الشقق، مشيراً إلى أن تأخر حسم القضاء في كثير من القضايا المرفوعة أمامه بشأن تسليم الشقق عقب وفاة الوريث الأول للمستأجر ساهم في حوادث عنف وبلطجة بالعديد من المحافظات.
وفي المقابل أكد سمير مصطفى موظف بالمعاش وأحد مستأجري البنايات السكنية، أنه يواجه مصيراً قد يُلقي به في الشارع لأنه لن يكون قادراً على تحمل القيمة الإيجارية لشقته التي يقنط فيها حالياً.
مشيراً إلى أنه دفع في نهايات السبعينات مبلغ وصل إلى خمسة آلاف جنيه كمقدم للعقد أي ما يوازي حالياً مليوني جنيه بحساب قيمة الجنيه وفقًا لغرام الذهب في ذلك الحين حيث كان يصل إلى 10 جنيهات في مقابل 4000 جنيه للغرام حالياً، وبالتالي فإنه سيكون بحاجة لتعويض يوازي ما دفعه في ذلك الحين في حال ترك منزله.
وذكر أن المستأجرين ليس لديهم مانع في زيادة القيمة الإيجارية لكن يجب الوضع في الاعتبار أن الملاك حصلوا على مقابل مادي ضخم يوازي قيمة الشقة في ذلك الحين.