موضوع “شائك” يؤرق فرنسا… لماذا فشل ماكرون في حسم ملف المهاجرين غير الشرعيين خلال زيارته للمغرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/10/31 الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/10/31 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش
العاهل المغربي والرئيس الفرنسي في الرباط/ الأناضول

أنهى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأربعاء 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024، زيارة الدولة إلى المغرب والتي استمرت ثلاثة أيام، بتوقيع عقود واتفاقيات استثمار بقيمة فاقت 10 مليارات دولار، ووقع ماكرون في المغرب إعلانًا مشتركًا لإرساء "شراكة وطيدة استثنائية" تؤكد على مبادئ المساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وجاءت هذه الزيارة لإتمام "المصالحة" التي بدأت قبل أشهر عقب إعلان ماكرون دعم المغرب في أزمة الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي عاد ليؤكد عليه في خطاب أمام البرلمان المغربي، لكن قضية إعادة المهاجرين المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في فرنسا تظل ملفًا "ملغومًا" رغم الوعود التي قدمتها الرباط.

10 مليارات دولار من الاستثمارات

في اليوم الأول من الزيارة التي بدأها ماكرون إلى المغرب يوم الإثنين 28 أكتوبر/تشرين الأول، تم التوقيع على اتفاقيات استثمار بقيمة 10مليارات يورو، خلال حفل ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الرباط. 

تشمل الاتفاقيات الموقعة عدة قطاعات استراتيجية، منها النقل السككي، حيث ستشارك شركتا "ألستوم" و"إيجيس" الفرنسيتان في توسعة الخط فائق السرعة بين طنجة ومراكش، وفق ما ذكرته وسائل إعلام رسمية مغربية الثلاثاء 29 أكتوبر/تشرين الأول.

وتعد هذه الاتفاقية مهمة جدًا لتطوير البنية التحتية للنقل في المغرب، خصوصًا مع توقعات زيادة حركة السفر مع تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، كما سيفاوض المغرب شركة ألستوم، لتزويده بـ 16 إلى 18 عربة قطار جديدة.

محادثات بين الملك محمد السادس وماكرون في المغرب/ الأناضول
محادثات بين الملك محمد السادس وماكرون في المغرب/ الأناضول

وفي مجال الطاقة، تم التوقيع على اتفاق في مجال الهيدروجين الأخضر بين شركة "توتال إنجي" الفرنسية والحكومة المغربية، "ما يعزز موقع المغرب في سوق الطاقات المتجددة، ويساهم في تحقيق الأهداف البيئية العالمية"، حسب ما ذكرته وكالة "فرانس برس".

وأعلنت الحكومة المغربية مؤخرًا عن تلقي 40 مشروعًا في هذا المجال ستخضع للانتقاء لاحقًا، وجلها في منطقة الصحراء الغربية، ما يعكس التزام المغرب بتطوير هذا القطاع الحيوي.

وفي قطاع الطيران، تم إبرام شراكة بين شركة "سافران" الفرنسية والمغرب لإنشاء وحدة لصيانة محركات الطائرات، ما يدعم جهود المغرب في تطوير صناعة أجزاء الطائرات، ويعزز من قدراته التنافسية في هذا المجال. 

كما تم توقيع اتفاقية في مجال النقل البحري بين شركة "سي إم أيه سي جي إم" الفرنسية و"مارسا ماروك" المغربية لاستغلال ميناء الناظور لمدة 25 عامًا، وسيتم تخصيص غلاف استثماري قدره 280 مليون دولار للمرحلة الأولى من المشروع.

إعلان "المساواة في السيادة"

خلال الحفل الذي ترأسه العاهل المغربي والرئيس الفرنسي تم التوقيع على إعلان مشترك لإرساء "شراكة وطيدة استثنائية"، تؤكد على مبادئ المساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية فرنسية.

وشدد نص الإعلان على مبادئ "العلاقة بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة، والشفافية، والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر".

وتأتي هذه الخطوة بعد فترة من التوتر شملت قضايا حساسة، مثل تقليص التأشيرات وملف الصحراء الغربية. وتزامنت مع ضغط المملكة المغربية على فرنسا لتحذو حذو واشنطن، التي أعلنت أواخر عام 2020 اعترافها بسيادة الرباط على الصحراء الغربية.

لكن الأولوية التي خص بها الرئيس الفرنسي الجزائر بعد إعادة انتخابه في 2022، بينما قطعت الأخيرة علاقاتها مع المغرب منذ عام 2020، قد زادت من توتر العلاقات بين الرباط وباريس.

وأسفرت هذه الخضات المتعددة إلى إرجاء زيارة ماكرون التي كانت مقررة أساسًا في مطلع 2020، بعد زيارة أولى في 2017 وثانية في 2018، قبل أن يعلن ماكرون في تموز/يوليو 2023 دعم فرنسا لحل قضية الصحراء الغربية "في إطار السيادة المغربية".

الرئيس الفرنسي في البرلمان المغربي
الرئيس الفرنسي في البرلمان المغربي

إعادة المهاجرين "غير الشرعيين"

خشية إفساد فرحة المصالحة، كان الرئيس الفرنسي حذرًا في إشارته إلى موضوع الهجرة غير الشرعية خلال زيارته إلى المغرب الأسبوع الجاري. الملف الذي طالما شكل مصدر توتر وخلاف بين البلدين، لم يتم تجاهله كليًا، لكنه لم يحظَ، على الأقل علنًا، بنفس الزخم الذي أحاط بمواضيع أخرى، مثل الصحراء الغربية والتعاون الاقتصادي الثنائي.

خلال خطابه أمام البرلمان المغربي بالرباط، الثلاثاء 29 أكتوبر/تشرين الأول، قدّر إيمانويل ماكرون، أن "الشراكة الاستثنائية المعززة التي أبرمت مع العاهل المغربي يجب أن تتعلق بشكل خاص بـ"الهجرة غير الشرعية وضرورة التعاون الطبيعي والمرن في المسائل القنصلية".

هذا الأمر وفق مراقبين لا يعني بالضرورة طي صفحة الملف وتجميد الحديث بشأنه، خاصة في ظل حكومة فرنسية ذات نَفَسٍ يميني عُرف عن وزير داخليتها المعيَّن برونو ريتايو تشبثه بضرورة ترحيل المهاجرين المغاربيين غير الشرعيين والضغط على بلدانهم من أجل استقبالهم.

في هذا السياق، أكد ريتايو على أهمية تعزيز التعاون في قضايا الهجرة، وأعرب أثناء المؤتمر الصحفي الذي شارك فيه إلى جانب نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت عن رغبته في تحقيق نتائج ملموسة بشأن إعادة المهاجرين غير الشرعيين، مشددًا على أهمية الشراكات الثنائية. كما تحدث عن ضرورة معالجة قضايا مثل الاتجار بالبشر والمخدرات.

ويعد موضوع الهجرة تقليديًا نقطة خلاف كبيرة بين باريس والرباط، إذ يسعى وزير الداخلية الفرنسي الجديد، برونو ريتايو، إلى ربط سياسة التأشيرات بإصدار تصاريح المرور القنصلية، وهي وثائق أساسية لإعادة الأجانب إلى بلادهم.

في بداية أكتوبر، ضرب الوزير مثالا بالمغرب، موضحا أن 238,000 تأشيرة مُنحت للمغاربة في عام 2023، لكن فقط 1680 من المهاجرين غير النظاميين منهم تم ترحيلهم قسرا. واعتبر أن المغرب "بلد آمن" يمكن تسريع عمليات إعادة القبول فيه.

تأتي هذه الرغبة في سياق سياسي حساس بفرنسا، حيث أُثير الجدل مجددًا حول قضية ترحيل المهاجرين في وضعية غير قانونية، خاصة بعد توقيف مغربي يُشتبه في قتله لطالبة في سبتمبر 2024، وكان قد صدر بحقه أمر بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF). في مقابل الدعوة إلى سياسة حازمة بشأن الهجرة غير الشرعية، دعا ماكرون أمام البرلمان المغربي إلى "وضع أسس حركة طبيعية للأشخاص" لتعزيز التعاون في مجال البحث عن المشاريع وإنشاء الشركات، باعتبارها فرصًا متاحة لأصحاب المواهب.

وأضاف ماكرون أنه قد تم اتخاذ مبادرات مرحب بها مؤخرًا، خصوصًا للطلاب المغاربة الذين درسوا في فرنسا، والذين أصبحوا يحصلون تلقائيًا على تأشيرة متعددة الدخول، مشيرًا إلى رغبته في تنفيذ مشروع تجريبي مع المغرب في هذا الشأن دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

بدأ الخلاف حول ملف الهجرة غير النظامية بين باريس والرباط قبل أكثر من عامين، حين أعلنت السلطات الفرنسية في سبتمبر 2021، عن تقليص كبير في عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الجزائر والمغرب وتونس، متحججة بعدم تعاون هذه الدول في قبول المواطنين الصادر ضدهم قرار بالترحيل.

أدى ذلك إلى تصاعد التوترات، حيث عبر المسؤولون المغاربة عن استيائهم من القرار، معتبرين أن كثيرًا من هؤلاء لا يتوفرون على وثائق تثبت هويتهم وبعضهم يزعم أنه مغربي رغم أنه ليس كذلك. سنة 2022، وبعد مفاوضات مطولة، استأنفت فرنسا والمغرب العلاقات القنصلية الطبيعية، مما أدى إلى تخفيف بعض التوترات الناتجة عن النزاع حول التأشيرات.

حسب وزارة الخارجية الفرنسية، حصل المغاربة في عام 2023، على حوالي 238,000 تأشيرة من فرنسا، فيما كان عدد المرحلين منخفضًا بشكل ملحوظ، حيث تم تنفيذ حوالي 1,680 عملية ترحيل فقط.

ريتايو كان تعهد بجعل الملف محور اهتمامه منذ توليه المنصب الوزاري، ومن الرباط، حرص إلى جانب نظيره المغربي على أن يبدي رغبته في تحسين الوضع، فقال "فيما يتعلق بإعادة المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني، لدينا إطار وإجراءات. اتفقنا على تحسينها لتقليل المهل الزمنية ولتحقيق نتائج أفضل من حيث عدد الأشخاص المرحلين. وقد اتفقنا مع نظيري على متابعة هذه القضية بشكل مباشر على مستوانا".

تعقيدات إعادة المهاجرين غير الشرعيين

رغم وجود اتفاقيات بين فرنسا والمغرب تتعلق بإعادة المهاجرين غير الشرعيين، فإن تطبيقها طالما عانى من تأخيرات واصطدم بتعقيدات الواقع.

في هذا الصدد، ترى الكاتبة الصحفية مارين ليمير أن الهجرة غير الشرعية ليست مجرد مسألة أمنية، بل هي نتيجة لفشل السياسات الاقتصادية في المغرب، داعية إلى ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة.

خلافًا لذلك، ذهب الخبير الفرنسي في قضايا الهجرة جوزيف فاندير إلى اتهام فرنسا بتحمل جزء من المسؤولية في التعامل مع المهاجرين، مؤكدًا أن تحسين سياسات الاندماج يوفر فرصًا حقيقية للمهاجرين ويقلل من عدد المهاجرين غير الشرعيين.

من بين أوجه هذه التعقيدات ما قاله المحلل الاقتصادي فرانسوا دوفو حول التحويلات المالية التي يرسلها المغاربة من فرنسا إلى ذويهم، باعتبارها تلعب دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد المغربي. هذه العلاقة وفق رأيه تجعل من الضروري النظر إلى الهجرة كمشكلة معقدة.

الصحراء الغربية في خطاب ماكرون

موضوع الصحراء الغربية كان حاضرًا أيضًا في خطاب الرئيس الفرنسي في البرلمان المغربي، وجدد ماكرون رسميًا أن "حاضر ومستقبل" الصحراء الغربية "جزء من إطار السيادة المغربية"، وفق ما كان قد صرح به في وقت سابق.

وأكد ماكرون، ردًا على انتقادات الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو، أن هذا الموقف "ليس معاديًا لأحد، وأضاف الرئيس الفرنسي: "أقول ذلك هنا أيضًا وبكل قوة، سيدعم مشغلونا وشركاتنا تطوير هذه المناطق من خلال الاستثمارات والمبادرات المستدامة والتضامنية لصالح السكان المحليين".

وبعيدًا عن المنطقة المتنازع عليها، تحدث إيمانويل ماكرون عن الحاجة إلى تحقيق "استقرار يحترم الشعوب" في منطقة الساحل، داعيًا إلى "مشاريع تنمية للشباب".

وأعرب الرئيس الفرنسي عن أسفه قائلًا: "لقد تم اتهام فرنسا بارتكاب كل الشرور، بشكل غير عادل تمامًا، لأنها تجنبت على مدى عقد من الزمن انهيار العديد من الدول في مواجهة الإرهاب والخلافات الإقليمية". وأكد أنه يريد "بتواضع" "بناء استراتيجية شراكة جديدة" في منطقة الساحل.

إدانة ماكرون "طوفان الأقصى" يثير الجدل

من قلب العاصمة المغربية الرباط، جدد ماكرون إدانته لمعركة طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في ٧ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في حق الفلسطينيين، وانتهاك حقوقهم من طرف الاحتلال.

وبالمقابل دعم الرئيس الفرنسي الاحتلال في جرائمه التي يقترفها في حق المدنيين الفلسطينيين منذ أزيد من عام مخلفة أكثر من 144 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة أودت بحياة الكثيرين خاصة النساء والأطفال والمسنين.

وقال ماكرون: "في السابع من أكتوبر 2023، وقع هجوم وحشي فظيع نفذته حماس ضد إسرائيل وشعبها"، مضيفًا أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن شعبها ضد هذا التهديد"، وأوضح أن فرنسا فقدت "48 من أبنائها، ولا يزال اثنان من مواطنينا محتجزين كرهائن في غزة".

وتابع الرئيس الفرنسي أنه لا يمكن بأي حال تبرير الحصيلة الإنسانية الكارثية في غزة والمعاناة التي يعاني منها السكان المدنيون هناك، مطالبًا بوقف إطلاق النار في غزة. وأثارت تصريحات ماكرون انتقادات واسعة في المغرب.

إذ استنكر "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، خطاب ماكرون، من على منصة البرلمان المغربي وقال إن "موقفه موغل في محاباة الكيان الصهيوني الذي يشهد العالم أجمع حجم جرائم آلته الحربية الهمجية في ارتكاب مسلسل المجازر".

وجدد المرصد في بيان له، الثلاثاء 29 أكتوبر/تشرين الأول 2024، تأكيده أن "الشعب المغربي يحتقر خطاب فرنسا الرسمي ويجدد التحية لمواقف القوى الشعبية الفرنسية التي خرجت وتخرج في تظاهرات عارمة داعمة للحق الفلسطيني ومستنكرة للعدوان الصهيوني النازي".

تحميل المزيد