بعد الفقد الذي تعرض له حزب الله اللبناني، باغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وقيادات من الصف القيادي، تثار التساؤلات حول مصير المنظمة اللبنانية وقدراتها، لاسيما في ظل الحرب المتواصلة على لبنان.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 2024، اغتال الاحتلال الإسرائيلي الأمين العام للحزب والقائد العسكري علي كركي، وضابطًا إيرانيًا رفيع المستوى، وبعد يوم واحد اغتال الاحتلال خليفة نصر الله المحتمل رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين، ومعه 23 قياديًا وكادراً في حزب الله.
سبق ذلك، عمليات اغتيال طالت شخصيات من الهيئة العسكرية العليا في حزب الله، أبرزها: فؤاد شكر، وإبراهيم قبيسي، وإبراهيم عقيل، وأحمد وهبي، محمد نعمة.
وكان من بين الشخصيات التي اغتالها الاحتلال الإسرائيلي وسام الطويل، عبر زرع عبوة ناسفة بالقرب من منزله في الجنوب اللبناني، والذي كان يعتبر المسؤول عن عملية مجدو.
وفي كلمة له في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، إن الحزب ما زال قويًا رغم الضربات القاسية التي أصابته، واستعاد عافيته الميدانية وقدراته.
ولا تقتصر هيكلية حزب الله على العمل العسكري، وقد تمكن طوال سنوات ماضية منذ تأسيسه من التغلغل سياسيًا واجتماعيًا كمكون هام في الساحة اللبنانية، وكلاعب رئيسي في البيئة الشيعية حيث يمثل حزب الله وحليفه السياسي حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري ما يسمى بالثنائي الشيعي ما نسبته 90% من شيعة لبنان.
أولاً: الأمين العام
ويشكّل رأس الهيكل ويتمتع بصلاحيات تنظيمية واسعة جداً، والذي يشرف على النمو العسكري والسياسي للحزب، وكان أول أمين عام هو الشيخ صبحي الطفيلي، تلاه عباس الموسوي الذي قتل في فبراير/شباط 1992، لينتخب بعده حسن نصر الله.
وعقب اغتيال نصر الله، قال قاسم إن الحزب سيختار أميناً عاماً له في أقرب فرصة، ووفق النظام الداخلي، فإنه يُجرى اختيار الأمين العام الجديد بعد انتخابه من "مجلس الشورى".
ثانياً: مجلس الشورى
وهو أعلى جهة قيادية في حزب الله، ويتم انتخابه خلال مؤتمر مركزي لكوادر وقيادات الحزب.
ومجلس الشورى، يعتبر مركز صناعة القرار في حزب الله، ويشكل قيادة الحزب العليا، ومن خلاله يتم انتخاب الأمين العام للمنظمة اللبنانية.
كما يتولى مجلس الشورى، رسم الرؤية والسياسات الشاملة، والإشراف على الاستراتيجيات العامة لعمل الحزب، واتخاذ القرارات السياسية.
ويضم سبعة أعضاء، وهم الأمين العام، ونائب الأمين العام، وقادة المجالس الرئيسية الخمسة للحزب (المجلس التنفيذي، والقضائي، البرلماني، السياسي، والجهادي)، إلى جانب المساعد السياسي للأمين العام.
ورئيس المجلس التنفيذي كان هاشم صفي الدين، الذي أعلن الاحتلال الإسرائيلي اغتياله.
أما رئيس المجلس القضائي فهو محمد يزبك، ورئيس المجلس السياسي أمين السيد، ورئيس المجلس البرلماني محمد رعد.
ثالثاً: المجلس التنفيذي:
وهو المجلس الذي ترأسه هاشم صفي الدين، ويدير العمليات اليومية للمنظمة ويشرف على جميع الشؤون التعليمية والاجتماعية والمالية والإعلامية والخارجية للحزب.
ويعد المجلس التنفيذي عصب الحزب، وله دور بارز بين مجالس الحزب، كما أن المسؤول العسكري والمسؤول الأمني والمسؤول التنظيمي ومسؤول التفتيش، بالإضافة إلى رؤساء التقسيمات الفرعية الإقليمية الأربعة لحزب الله (جنوب بيروت، البقاع، جنوب لبنان شمال الليطاني، جنوب لبنان جنوب الليطاني)هم أعضاء فيه.
كما ينبثق عن المجلس التنفيذي للحزب، (الوحدة الإعلامية ومنها قناة المنار)، (والوحدة الاجتماعية ومنها مؤسسات الشهيد والقرض الحسن)، و(وحدة جهاد البناء)، ووحدة التعبئة العامة، وكشاف الإمام المهدي الذي يُقدر عدد عناصره ما بين 50 إلى 70 ألف، والوحدة التعليمية (مدارس المهدي)، والوحدة المالية، والهيئة الصحية الإسلامية.
رابعاً: المجلس السياسي
ويعتبر مجلس استشاري للأمين العام لحزب الله ومجلس الشورى، ويترأسه إبراهيم أمين السيد، ويضم ما بين 11 إلى 18 عضوًا، جميعهم يحملون ملفات إدارة العلاقات مع الأحزاب الإسلامية والوطنية والمسيحية والمنظمات الفلسطينية، كذلك العلاقات العربية والدولية.
خامساً: المجلس النيابي:
ويتشكل من النواب والوزراء السابقين والحاليين لحزب الله، وهو يتابع عمل "كتلة الوفاء للمقاومة"، ورئيس المجلس هو محمد رعد.
وبدأ حزب الله الدخول في معترك الانتخابات البرلمانية في لبنان منذ عام 1992.
ويهتم المجلس النيابي بدراسة المشاريع والمقترحات القانونية المعروضة في المجلس البرلماني.
كما أن المجلس النيابي يتابع العديد من المؤسسات والجمعيات والهيئات الهامة، مثل هيئة دعم المقاومة الإسلامية، وتجمع العلماء المسلمين، والهيئات النسائية وأنشطة المساجد.
سادساً: المجلس القضائي:
ويعد أصغر مجالس حزب الله، ورئيسه رجل الدين محمد يزبك، ويتولى المجلس الفصل في النزاعات بين أفراد التنظيم، والبت في مخالفات الأعضاء للقرارات الحزبية والتنظيمية، ويستند إلى المذهب الشيعي الجعفري.
سابعاً: المجلس الجهادي:
ويشكّل الذراع العسكري لحزب الله وثقله، وتأسس عام 1995، ويشرف عليه مباشرة الأمين العام، وعضوية رئيس المجلس التنفيذي، والمسؤول العسكري، والمسؤول الأمني، وممثل عن الولي الفقيه.
ويتولى المجلس مسؤولية إدارة أعمال المقاومة، ويحدد الخطوط العريضة لوحداته العسكرية، بتوجيه مباشر من الأمين العام.
ومثله كمثل كافة المجالس الأخرى في الحزب، يخضع المجلس الجهادي لسيطرة مجلس الشورى، ويتلقى الأوامر والتوجيهات منه.
ويوضح نعيم قاسم أن "القيادة نفسها التي توجه العمل البرلماني والحكومي تقود أيضًا أعمال الجهاد ضد إسرائيل وأعداء الحزب الآخرين".
ويتشكل المجلس من "المقاومة الإسلامية في لبنان"، والجهاز الأمني الذي يعد أكثر سرية في المنظمة، ويوكل لها عمليات الحزب الأمنية الداخلية والخارجية.
أما "المقاومة الإسلامية في لبنان"، فينبثق عنها الوحدات العسكرية، والتي يُقدَّر عدد عناصرها نحو 100 ألف عسكري، بحسب ما صرّح به سابقاً نصر الله.
وجغرافياً، فإن لحزب الله خمس وحدات تنتشر في لبنان، وهي:
وحدة نصر: والتي تنتشر في القطاع الغربي حتى نهر الليطاني في الجنوب اللبناني على الحدود مع فلسطين المحتلة.
وحدة عزيز: وتنتشر في القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني وصولاً إلى منطقة البقاع الغربي.
وحدة بدر: وتنتشر في الجنوب اللبناني من شمال نهر الليطاني حتى مدينة صيدا.
وحدة حيدر: وتنتشر في مناطق البقاع الأوسط وبعلبك والهرمل.
وحدة في الضاحية الجنوبية، لم يتم الكشف عن اسمها.
أما على صعيد التخصصات العسكرية فللمنظمة اللبنانية 11 وحدة أبرزها:
قوة الرضوان والتي تمثل وحدة التدخل الخاصة، وتشمل مقاتلي النخبة، وأبرز مهامها تنفيذ عمليات التسلل خلف الحدود.
وكان الاحتلال الإسرائيلي ذكر أنه استهدف القيادة العليا لقوة الرضوان، خلال "تخطيطها التوغل في إسرائيل واقتحام الجليل عبر ست مناطق مختلفة".
ومن أبرز الوحدات أيضاً الوحدة الصاروخية والتي من مهامها الأساسية تطوير دقة الصواريخ.
أمّا عمليات الإطلاق، فتقع على عاتق وحدة المدفعية المسؤولة عن المدافع ذاتية الحركة والهاون والراجمات وتقديم الدعم الميداني لمجموعات المشاة.
كما تبرز وحدة سلاح الجو، والتي تضم الطائرات المسيرة الاستطلاعية والقتالية.
وحدة أفواج العباس: وكان نصر الله كشف عام 2019، عن وحدة اسمها "أفواج العباس"، وهي مجموعة نخبوية مشابهة لقوة الرضوان، ومختصة بالعمليات الهجومية.
الوحدة البحرية: وهي تمتلك صواريخ أرض بحر، وزوارق سريعة وغواصات صغيرة ومجموعات من الكوماندوز البحري.
وخلال حرب تموز/يوليو 2006، تمكن حزب الله من استهداف ثلاث قطع بحرية عسكرية إسرائيلية.
سرايا المقاومة اللبنانية
شكّل حزب الله "سرايا المقاومة اللبنانية" عام 1997، كقوة مساعدة لوحداته الرئيسية، وأعلن نصر الله في ذلك الوقت أن التشكيل مكون من السُّنة والدروز والمسيحيين والشيعة غير الإيديولوجيين الذين يتشاركون في محاربة الاحتلال الإسرائيلي.
الأخبار المقربة من حزب الله، في تقرير سابق أن عناصر "سرايا المقاومة اللبنانية" يتألف عددهم من 50 ألف عنصر.
ماذا نعرف عن كشافة المهدي؟
تعد كشافة المهدي مخزونًا شبابيًا لحزب الله في لبنان، وهي حركة شبابية تأسست عام 1985.
ومنذ تأسيسها، ركزت جمعية كشافة المهدي نشاطها في مدن وقرى جنوب لبنان وبيروت وسهل البقاع حيث الحاضنة الشعبية لحزب الله.
وتنشط على وجه الخصوص في أكثر من 15 مدرسة وثانوية تابعة للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم-مدارس المهدي التي أسسها الحزب عام 1993، فضلاً عن المدارس والمعاهد الأخرى في تلك المناطق، الحكومية والخاصة منها.
وبينما ذكرت وسائل إعلام غربية أن عدد منتسبي كشافة المهدي يتراوح ما بين 50 إلى 70 ألف، فإن موقع "جنوبية" الإخباري اللبناني ذكر أن العدد لا يتجاوز 5 آلاف منتسب لشبان تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا.
وإلى جانب الجوالة والتخييم ومهارات الملاحة والقيادة وغيرها، تركز جمعية كشافة المهدي على التلقين الشرعي والتربوي، بما يتوافق مع الخط الديني الذي يتبناه حزب الله.
خلال العقد الماضي، ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية، وانخراط حزب الله والميليشيات الإيرانية في القتال إلى جانب النظام السوري، قامت كشافة المهدي بتأسيس فرعها السوري بمناطق النظام، ولعبت دوراً في تجنيد سوريين لصالح الحزب هناك.
كما ارتبط اسم كشافة المهدي بـ"كشافة الحسين" في العراق التابعة لـ"كتائب حزب الله" العراقية، المنضوية تحت مظلة "تجمع شباب الشريعة"، والتي تضم منظمات وجمعيات الخدمة الاجتماعية والثقافية والرياضية والكشفية التابعة لكتائب حزب الله العراقية، في استنساخ لتجربة حزب الله اللبناني.
هل أثرت الضربات الإسرائيلية على بنية حزب الله؟
يقول مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، في تصريحات صحفية في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إن "المقاومة بخير، ومخزونها الاستراتيجي بخير"، مشيراً إلى أن آلاف المقاتلين في ذروة الاستعداد وجاهزون للقتال".
فيما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، بالتزامن مع إطلاق حزب الله مرحلة جديدة من عملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي، أن المنظمة اللبنانية أظهرت قدرتها على إعادة تجميع صفوفها بسرعة تحت الضغط.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن محللين، أن وحدات حزب الله المسلحة تدربت على العمل بدرجة ما من الاستقلالية، الأمر الذي يسهل عليها مواصلة القتال حتى عندما يُقتل كبار القادة وتتعطل الاتصالات الداخلية.
وبحسب مصدر لـ"عربي بوست"، فإن بنية حزب الله لم تتأثر بعد اغتيال شخصيات بارزة، مشيرة إلى أن الاختراق الأمني لم يتجاوز الضاحية الجنوبية.
وأوضح أنه "لم يُسجل بعد اغتيال هاشم صفي الدين أي محاولة اغتيال سوى محاولة فاشلة واحدة لرئيس التنسيق والارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا".
وكان التخوف لدى البيئة الحاضنة للحزب والمتابعين لشؤونه هو وصول الاختراق لخطط الحزب الدفاعية في الجنوب اللبناني، وقدراته الهجومية الصاروخية، لكن الذي بدد هذا التخوف سببان رئيسيان الأول:
- قدرة الحزب على صد التوغل البري من قبل القوات الإسرائيلية التي تكبدت خسائر فادحة فاقت 100 جندي ولم تستطع التقدم أكثر من 3 كلم عند الحافة الأمامية للحدود وتحديداً قرى رامية وعيتا الشعب.
- استمرار تدفق إطلاق الصواريخ بشكل يومي من الحزب من أنواع غراد 40، وفادي 1 وفادي 2، وقادر 1.
ورغم وصول الجيش الإسرائيلي إلى أحد الأنفاق الصغيرة التابعة للحزب إلا أن السلوك العملياتي للحزب لا يزال يعمل بكفاءة في إشارة لاستعادة الضبط والتواصل بين القيادة المركزية والقيادة العملياتية في الجنوب.
المصدر ذاته، أشار إلى أن الحزب أعد مسبقاً سيناريوهات اغتيال متوقعة لشخصيات معينة، وقام بوضع بدائل لها إذا تغيبت عن المشهد.
ووفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن حزب الله وسّع هجماته بشكل أعمق داخل إسرائيل، بمتوسط بلغ حوالي 17 ميلاً في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، مقارنة بمتوسط بلغ 2.4 ميل على مدار ما يقرب من عام كامل.