مصر تبحث عن مكاسب لها في اتفاقية عنتيبي.. فريق قانوني لتعديل بنودها ووساطة أوغندية-تنزانية بين القاهرة وأديس أبابا

عربي بوست
تم النشر: 2024/10/25 الساعة 18:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/10/25 الساعة 18:52 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاج السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد/عربي بوست

كشف مسؤول حكومي مصري لـ"عربي بوست" أن القاهرة تبحث عن حل بخصوص اتفاقية عنتيبي، وذلك لضمان عدم اتساع الهوة بينها وبين دول أعضاء حوض النيل، وعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها في قضية "سد النهضة" الإثيوبي.

وتعود اتفاقية عنتيبي إلى عام 2010، حيث اجتمعت 6 دول من حوض نهر النيل، وهي إثيوبيا، أوغندا، رواندا، تنزانيا، كينيا، وبوروندي، في مدينة عنتيبي الأوغندية بهدف تنظيم استخدام مياه النيل وتوزيعها بين الدول الأعضاء.

وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 دخلت ما تسمى بالاتفاقية الإطارية للتعاون في حوض النيل (CFA) المعروفة باسم اتفاقية "عنتيبي" – التي أبرمتها دول عدة على رأسها إثيوبيا – حيز التنفيذ بعد 14 عاماً من توقيعها.

وبعد دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، بشكل ترفضه السودان ومصر، تحاول هذه الأخيرة بالاستعانة بوساطات، الضغط لتعديل بعض من بنود الاتفاقية قبل التوقيع عليها بشكل نهائي.

وكشف مصدر مصري أن أوغندا تدخل كوسيط بين مصر والسودان والدول الموقعة على الاتفاقية وفي مقدمتها إثيوبيا، وأن وفداً رسمياً وصل القاهرة برئاسة موهوزي كاينيروغابا نجل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني للتعرف على مخاوف القاهرة وبحث إمكانية الاستجابة لها.

وأضاف المصدر نفسه أن المبعوث الأوغندي قدم وعوداً بإمكانية تقديم ردود مقابلة للقاهرة قبل نهاية 2024، كما أن دولة تنزانيا أيضاً دخلت على خط الوساطة الحالية استجابة لطلب مصري سابق.

وقال المصدر نفسه، أن هناك مشاورات بشأن إمكانية الضغط على إثيوبيا نحو ضمان النص على أن لا تكون الاتفاقية الحديثة بديلة أو لاغية لاتفاقيات المياه التاريخية.

وأشار المصدر إلى أن أوغندا أبلغت القاهرة بأن إرجاء اجتماع الدول المصدقة على الاتفاقية والذي كان من المتوقع أن تستضيفها العاصمة كمبالا، جاء كبادرة حسن نوايا من دول حوض النيل تجاه مصر والسودان.

 وأبلغت أوغندا القاهرة أن عدم تحديد موعد انعقاد المؤتمر يرجع للتأكيد على أن الهدف هو الوصول إلى توافق جميع الدول الأعضاء لأنه سيكون من المستحيل تطبيق بنود الاتفاقية في ظل معارضة باقي الدول التي لديها مصلحة مشتركة مع باقي الدول.

لافتاً إلى أن التقارب السياسي بين مصر وإريتريا فتح جبهة مفاوضات جديدة من جانب الدولة التي تشارك كمراقب في الاتفاقية ولا تصنف من دول المنابع الحقيقية، غير أنه استبعد أن تُحدث فرقاً لتوتر العلاقة مع إثيوبيا.

وحسب المتحدث فإن القاهرة ترى أن خسارة باقي الدول الأعضاء الموقعة على الاتفاقية يخدم أديس أبابا وهي الغريم الأكبر لها في القارة السمراء، ما يجعل البحث عن المكاسب مقدماً على الصدام بالوقت الحالي.

وبعد توقيع الاتفاقية، صادقت حكومتا إثيوبيا ورواندا عليها عام 2013، ثم تبعتها مصادقة تنزانيا عام 2015، وأوغندا في عام 2019، وبوروندي عام 2023، بينما لم تصادق كينيا حتى الآن.

وفي يوم 14 أغسطس/ آب 2024، وفي خطوة غير متوقعة، صادقت دولة جنوب السودان على الاتفاقية بعد تمرير برلمانها لها، وبحسب بنود الاتفاقية فإنها تدخل حيز النفاذ بعد 60 يوماً من تصديق ثلثي دول حوض النيل البالغة 11 دولة على الاتفاقية.

ما هي مطالب القاهرة؟

وكشف مصدر حكومي مصري لـ"عربي بوست" أن مطالب القاهرة لتعديل اتفاقية عنتيبي تتمثل في تعديل البند الخاص بمنح الحق لدول المنبع بأن تُقيم مشروعاتها المائية على أراضيها دون التشاور أو الإخطار المسبق للدول الأخرى.

وأضاف المصدر نفسه أن القاهرة ترى أن هذا البند يمنح الدول الموقعة على الاتفاقية الحق المطلق في إقامة مشروعات المياه، وهو بند لا يوجد في أي من اتفاقيات الأنهار الدولية المعتمدة لدى الأمم المتحدة.

وأوضح المصدر الحكومي أن القاهرة تقترح الإخطار المسبق قبل تنفيذ أي مشروع، ومنح الفرصة لدول المنبع أن تقوم بدراساتها جيداً على أن تُرسلها لدول المصب على أن توضح مدى تأثير المشروع عليها، ثم الانتظار فترة تصل إلى ستة أشهر في حال لم يكن هناك اعتراض فإنه يمكن البدء في بناء المشروع.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى القاهرة حسب المصدر ذاته إلى تعديل نقطة أخرى ترتبط في اتفاقية عنتيبي تتجلى في عدم الإضرار بدول المصب، لكن هذه الصيغة ذاتها تلاعبت بها إثيوبيا في مشروع سد النهضة.

وحسب المتحدث فإنه من وجهة نظرها فإن ذلك لا يشكل ضرراً لدولتي المصب وليس هناك معايير واضحة يمكن على أساسها تحديد ما هو الضرر، وبالتالي فإن هناك مقترحًا يتضمن اللجوء إلى هيئات استشارية دولية مستقلة لتقديم رؤيتها حول ما إذا كان المشروع سوف يسبب ضرراً حقيقيًا من عدمه.

وشدد المصدر على أن القاهرة تهدف إلى إضافة نص يتضمن الحديث عن أن اتفاقية عنتيبي لا تلغي الاتفاقيات التاريخية لتقسيم المياه والموقعة عليها أعوام 1929 و1959، وأن مبادئ الاتفاقية الحالية تلغي ما سبق من اتفاقيات ومن ثم إلغاء كل الحصص التاريخية.

مشيراً إلى أن مصر لا تعارض مسألة إعادة النظر في حصص المياه في حال وفرت مشروعات السدود الجديدة كميات إضافية، لكن دون أن يشكل ذلك خصمًا من الحصص التاريخية.

وتدلل مصر بذلك على أن المياه التي حجزها السد العالي في أسوان عند تدشينه وساهم في توفيرها جرى تقسيمها بين مصر والسودان، لافتةً إلى أن القاهرة لديها رؤية حول كيفية الاستفادة من المياه التي توفرها أي من المشروعات الجديدة.

اللجوء إلى محكمة العدل الدولية

من جهة أخرى، قال المصدر الحكومي لـ"عربي بوست" إن 95 في المائة من بنود اتفاقية عنتيبي يتوافق عليها، وأن الخلافات بسيطة ومن السهل تجاوزها، خاصة أن مطالب القاهرة لا تؤثر سلبًا على دول المنبع التي لا تعاني شحًا في المياه.

وقال إن وزارة الري المصرية عرضت إمكانية المشاركة في بناء السدود المستقبلية لتعزيز التعاون بين دول حوض النيل، وهناك قناعة بأن البيئة الديموغرافية لدول المنبع لا تجعل هناك حاجة كبيرة لاستخدام المياه في الزراعة.

وترى مصر، حسب المصدر نفسه، أن ما حصلت عليه إثيوبيا من مكاسب في سد النهضة يجعلها في غنى عن أي مشروعات أخرى في الوقت الحالي وتدرك القاهرة أن الأزمة بالأساس سياسية.

ولفت إلى أن ما يسهل إمكانية الوصول إلى تفاهمات بشأن اتفاقية عنتيبي هو أنه في حال عدم التوافق فإن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل بين الدول سيكون الحل الأسلم لدولتي المصب، دون التشاور مع باقي الدول.

وقال إن القانون الدولي هو من سيحسم الخلاف الراهن في حال استمر على هذا الوضع، وهي وضعية مختلفة بالنسبة لسد النهضة إذ نص إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) في العام 2015 على أنه في حال فشل وفود التفاوض في الاتفاق يتم رفع الأمر إلى رؤساء الدول وهو ما استغلته إثيوبيا للتهرب من الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم.

وتمسك وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بالتأكيد على أن "قضية المياه وجودية بالنسبة لمصر، ولن تقبل تحت أي ظرف أي مساس بأمنها المائي وبحصتها المائية أو إحداث أي ضرر".

وأكد المتحدث في مؤتمر صحافي أن "القاهرة تتخذ كل الإجراءات الكفيلة التي يكفلها القانون الدولي للدفاع عن مصالحها المائية، خصوصًا إذا حدث أي ضرر".

وبالتوازي، أعلنت الحكومة المصرية في بيان صحافي، الأسبوع الماضي أيضًا، أن مجلس الوزراء وافق على اعتماد مقترح بشأن قيام الدولة المصرية بتأسيس آلية تخصص لتمويل دراسة وتنفيذ المشروعات التنموية والبنية الأساسية بدول حوض النيل.

إدارة الملف دبلوماسيًا

وللإحاطة بالموضوع أكثر، تواصل "عربي بوست" مع أحد خبراء المياه بوزارة الموارد المائية والري، الذي قال شريطة عدم ذكر اسمه، إن اتفاقية عنتيبي لن تمنح إثيوبيا أكثر مما حققته من مكاسب وراء تدشين سد النهضة وبالتالي فإن فرصة الوصول إلى تفاهمات ممكنة شريطة أن لا يكون هناك تدخلات سياسية.

وأضاف المتحدث أن المنطق يقول بأن مخاوف مصر والسودان مقبولة، والدولتان لا تستهدفان الإضرار بدول المنبع بل يفتحان أذرعهما للتعاون، كما أن دول حوض النيل لديها مصلحة الآن في الضغط على إثيوبيا لكي تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ.

وأشار إلى أن استمرار الخلافات يعرقل إمكانية الحصول على تمويلات وتسهيلات دولية لإنشاء مشاريع المياه، وفي مثل هذه الحالات يكون القرار بالتوافق أولاً حولها قبل اتخاذ قرار بشأنها.

وقال الخبير نفسه إن القاهرة قادرة على إدارة الملف دبلوماسيًا، وهو من سيحسم مسألة الوقوف أمام موقفها الرافض للاتفاق أم تجاوزه، وكذلك مدى قدرتها على جذب دول حوض النيل إلى جانبها وإقناع تلك الدول بحقوقها التاريخية.

مشيراً إلى أن مصر والسودان سيكون عليهما التسويق، لأن هناك 1000 مليار متر مكعب من المياه تصل إلى دول منابع النيل وبحيراتها دون أن يصل منها شيء لمصر والسودان.

وقال إن القاهرة تهدف أيضًا لتعديل أحد البنود التي لا توضح على وجه التحديد توصيف الأمن المائي لدول حوض النيل، مع التركيز فقط على حجم المياه التي تنزل في مجرى النهر والتي لا تتعدى 84 مليار متر مكعب سنوياً.

وذكر المصدر أن مصر والسودان سيكون عليهما التوضيح أمام الرأي العام العالمي لحاجتهم إلى زيادة حصصهم التاريخية من نهر النيل نتيجة معاناتهم شح المياه وتزايد معدلات الجفاف والزيادة السكانية التي أضرت بتوزيع المياه على الفرد الواحد في مصر وأدخلتها في فقر مائي، بعكس دول المنبع وخاصة إثيوبيا التي ليس لديها أي مشكلات بشأن تدفق المياه إليها.

ولفت إلى أن الإضرار بدول الشمال الإفريقي ليس في صالح باقي دول القارة، وأن إضعافها من خلال إدخالها في مشكلات اقتصادية يؤثر على قدرتها في تعزيز التعاون المشترك مع باقي دول القارة خاصة وأن مصر والسودان تحديداً يعدان بوابة نحو القارة الإفريقية.

وحسب المتحدث فإن هذا كان دافعًا نحو الضغط على أديس أبابا وإرغامها على تأجيل انعقاد أول اجتماع لدول حوض النيل بعد أن دخلت حيز التنفيذ، موضحًا أن القاهرة شكلت فريقًا قانونيًا تكمن مهمته في توضيح الأخطار البيئية على البحار نتيجة سد النهضة وأن التوجه الحالي سيكون على أكبر باتجاه القانون الدولي لبحث التعامل مع التلوث العابر للحدود وكذلك إمكانية إيجاد آليات أو صيغ تضمن التوافق بين كافة دول حوض النيل.

ويعد نهر النيل مصدر المياه شبه الوحيد لمصر التي تعاني عجزاً مائياً يصل إلى نحو 50% من حاجاتها، وفق الحكومة المصرية. ولمواجهة الشح المائي وضعت القاهرة خطة لإدارة الموارد المائية حتى عام 2037 باستثمارات تتجاوز 50 مليار دولار.

ومن المتوقع زيادتها إلى 100 مليار دولار، بهدف تحسين نوعية المياه وتنمية موارد مائية جديدة، وترشيد استخدام الموارد المتاحة حالياً، وتوفير البيئة الداعمة لقضايا المياه.

ومن جانبه، أكد الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، أن مصر ستُلبي أي دعوة لمراجعة الاتفاقية الخاصة بالتعاون بين دول حوض النيل والمعروفة إعلاميًا بـ اتفاقية "عنتيبي"، وأنها تدعم أية جهود للتعاون بين الدول.

وأضاف وزير الري المصري، في تصريحات صحفية له، أن موقف مصر مما يحدث حاليا عادلًا ويتفق تمامًا مع الاتفاقيات والأعراف الدولية المعنية بالأنهار العابرة للحدود، موضحًا أن هناك العديد من المنظمات الدولية المعنية بقضايا المياه تدعم الموقف المصري، ومن ثم لابد على دول الحوض مراجعة موقفها من الاتفاقية الإطارية "عنتيبي".

تحميل المزيد