اختتمت في العاصمة البوسنية سراييفو أعمال مؤتمر "العهد الديمقراطي العربي – خارطة طريق للديمقراطية العربية"، والذي عقد على مدار يومي 19 و20 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بتنظيم من المجلس العربي. وشارك في المؤتمر قرابة 130 شخصية سياسية وحقوقية وأكاديمية من 16 دولة عربية.
وأعلن المؤتمر عما وصفه بـ"عهد ديمقراطي عربي"، يمثل خارطة طريق ترشد مساعي الشعوب العربية نحو أنظمة ديمقراطية حقيقية ومستدامة، تحقق العدالة الاجتماعية، وتعزز الاستقلال والسيادة، وتتصدى للتحديات السياسية والاقتصادية الراهنة.
وعبر المشاركون في المؤتمر عن تضامنهم الكامل مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب استئصال إجرامية في ظل تواطؤ الأنظمة وعجز الشعوب، مقدمين تعازيهم لعشرات ألوف الشهداء والمصابين.
وأكد المشاركون في ختام المؤتمر على ضرورة أن تستنهض القوى الشعبية العربية كل طاقاتها وإمكانياتها لوقف العدوان ومحاسبة العدوّ، عبر تعزيز صمود أهل غزة، وتكثيف الضغط الشعبي على الحكومات العربية لقطع العلاقات العلنية والسرية مع العدو الإسرائيلي.
كما دعوا إلى القيام بعمل قانوني مكثف ومنظم من أجل عدم السماح بإفلات القادة الإسرائيليين من العقاب، والضغط من أجل فرض عقوبات موجّهة ضد هذا النظام الإبادي بما يشمل العقوبات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية والمالية.
من ناحية أخرى، وجه المشاركون رسالة تضامن ومحبة للشعب السوداني الشقيق الذي يواجه حرباً إجرامية بشعة على أيدي ميليشيات مجرمة مدعومة من قوى خارجية معادية، على حد تعبيرهم. ودعا المشاركون لإطلاق مبادرات بغرض الضغط من أجل وقف الحرب فوراً وإحلال السلام والمسارعة بإعادة بناء ما هدمته الحرب.
كما وجه المشاركون في المؤتمر كل عبارات التضامن لسجناء الرأي في مصر وتونس والعراق وسوريا واليمن وفي كل قطر عربي، الذين يتم التنكيل بهم بسبب نشاطهم السياسي أو آرائهم، ومنهم برلمانيون وسياسيون وصحفيون وكتاب وناشطو مجتمع مدني، ويطالبون بالإفراج الفوري عنهم.
كما طالبوا بوقف أحكام الإعدام ضد المعارضين السياسيين ووقف مصادرة أو تجميد ممتلكاتهم وسحب جنسياتهم أو الامتناع عن تجديد وثائق سفرهم، ووضعهم على قوائم إرهاب مزيفة، داعين إلى رفع القيود عن العمل السياسي والمنافسة الانتخابية الحرة، لتمكين الشعوب من التعبير عن إرادتها واختيار حكامها بكامل حريتها.
وعبر المشاركون عن استنكارهم الشديد لمنع السلطات المصرية للوفد المصري الذي كان مقرراً مشاركته في أعمال المؤتمر من السفر، دون سند من القانون أو المنطق. ويؤكدون الدعم الكامل للنضال السلمي للديمقراطيين في مصر ولكل حراك ديمقراطي يستهدف إخراج مصر من هذا الحكم الاستبدادي ويعيد لمصر حريتها وديمقراطيتها.
خارطة طريق للديمقراطية العربية
بحسب القائمين على المؤتمر هذا العام، فهو يأتي في سياق التحديات الراهنة التي تعصف بالعالم العربي، كفرصة فريدة لتبادل الرؤى وتنسيق الجهود بين ثلة من خيرة المفكرين والسياسيين والناشطين العرب المدافعين عن الديمقراطية.
ويهدف هذا المؤتمر إلى صياغة ميثاق ديمقراطي عربي شامل، يكون بمثابة خارطة طريق تُرشد مساعي الشعوب العربية نحو أنظمة ديمقراطية حقيقية ومستدامة، تُحقق العدالة الاجتماعية، وتُعزز الحريات، وتواجه التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة.
وتأتي أهمية المؤتمر هذا العام في سياق سياسي عالمي وإقليمي مضطرب، حيث يشهد العالم العربي تراجعًا مقلقًا في الثقة بالديمقراطية، بحسب رؤية القائمين على المؤتمر، وتزايدًا في الاستبداد والشعبوية، بالإضافة إلى التداعيات الخطيرة لحرب الإبادة المتواصلة على غزة، والتي تزامن انطلاقها مع انعقاد مؤتمرنا الأخير في سراييفو يومي (7-8) أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وتتمدد اليوم مهددة بالتحول إلى حرب إقليمية شعواء.
بين ركام غزة وركام الديمقراطية
أوضح المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق ورئيس المجلس العربي، أن الركام الذي يعيش فيه سكان غزة ولبنان والسودان وسط آلة الحرب يرتبط بشكل وثيق بالركام الحسي الذي يعيشه العرب في ظل غياب الديمقراطية في غالبية الدول العربية خصوصاً تلك التي شهدت موجة التغيير في الربيع العربي.
الخلل الذي تسبب في هذا الركام الفيزيائي والحسي – من وجهة نظر المرزوقي – هو الجري وراء الأوهام والذي يقصد به السعي وراء الوحدة في ظل الديكتاتوريات القائمة وليس بسبب الأحلام المشروعة للعيش وسط ديمقراطية حقيقية.
وبالتالي، لا بد من محاولة تقديم مقترحات وأفكار واقعية بعيداً عن تلك الأوهام، ودون أن نفقد الأمل في التغيير حتى لو تعرضنا لفشل ثانٍ وثالث. من وجهة نظره أن العقل الجمعي العَرَبِي سيتمكن من الاستفادة التراكمية من الأخطاء للوصول إلى النجاح في النهاية.
انكشاف الوجه الحقيقي للديمقراطية الغربية
أما الناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، فذكرت أن الديمقراطية التي يبحثون عنها هي الديمقراطية التي تعطي لكل فكرة مكان ولكل اختلاف مساحة، الديمقراطية التي تعني حرية الفكر والإبداع دون الخوف من القمع والاضطهاد. الديمقراطية التي تعني حق تنظيم التجمعات والجمعيات والتي تعني سيادة القانون واستقلالية القضاء واستقلالية المؤسسات وحق الناس في ترشيح أنفسهم واختيار من يمثلهم.
وأوضحت أنه لا يهم اسم أو شكل النظام الذي يستطيع توفير هذه المبادئ، لكن المهم أن يوفرها ويمنحها لكل الشعب بلا تمييز، مؤكدة أن الديمقراطية متأصلة في المنطقة العربية منذ الملكة اليمنية بلقيس مروراً ببعض ممارسات القبائل العربية ونظم الدولة الإسلامية وغيرها، وبالتالي لا يعني ذلك أن نستورد النموذج الغربي بحذافيره لأنهم لم يُطبقوا المبادئ الديمقراطية بكل أسسها كما ينبغي.
وانتقدت كرمان أولئك الذين يقولون إن الديمقراطية فشلت في دولنا العربية مستشهدين فقط بنموذج الاختيار عبر الصندوق، لأنهم لم ينظروا لكافة المعايير والأسس التي يجب أن تشملها الديمقراطية، متسائلة في الوقت ذاته ما إذا كان القول بفشل الديمقراطية يعني اللجوء للديكتاتورية كبديل على سبيل المثال.
وترى كرمان أن التحدي الأقوى أمام الوصول للديمقراطية هو تحالف الاستبداد العالمي ضد هذا المشروع، والذي يجب مواجهته والوقوف في وجهه مهما كلف الأمر من وقت وتضحية. ووجهت انتقاداً حاداً للدول الغربية التي تدعي أنها تحمل شعلة الحرية والديمقراطية للعالم لكنها كانت أول من وقف ضد مشروع الديمقراطية في العالم العربي.
وأوضحت أن ما فعلته تلك الدول كشف مدى هشاشة الديمقراطية في الغرب وتآكلها وسط مؤسساتها بالفعل عبر تقييد حرية الرأي والتعبير في بعض المؤسسات مثل ما فعلوه مع حركة الطلاب المؤيدين لفلسطين، كمثال واحد وليس للحصر.
كما طالبت الناشطة اليمنية بضرورة استمرار المطالبة بإصلاح المؤسسات الدولية خصوصاً الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، حتى تكون بالفعل منبراً لكافة الشعوب حول العالم.
وأشارت كرمان إلى أن انتشار الجماعات المسلحة ذات التوجه الطائفي في بعض الدول العربية هو تحدٍ كبير أمام الديمقراطية العربية، موضحة أن استخدامهم للقضية الفلسطينية لا يعني أنهم يريدون بالفعل تحرير فلسطين ولكنهم يستغلون القضية لممارسة مزيد من الاستبداد في الدول التي يتواجدون بها، على حد قولها.
وحذرت كرمان من عدم أخذ قضية التغير المناخي بالاهتمام اللازم، بل لابد من اعتبارها أولوية لأن تبعاتها تسبب مشاكل أكبر من مجرد الديمقراطية.
من جهته، أوضح أيمن نور، الرئيس الأسبق لحزب غد الثورة المصري، أن الربيع العربي كما أنه لا ينتصر فإنه لم ينهزم أيضاً، بل إنه يقاوم حتى هذه اللحظة، على حد تعبيره.