أثار التصعيد الإسرائيلي المتزايد والمناوشات مع حزب الله، ومحاولات جيش الاحتلال التقدم برياً في جنوب لبنان، تساؤلات حول دور الجيش اللبناني، وغيابه عما يجري، كونه الجيش الوطني للبلاد.
وفي تساؤل حول دور الجيش اللبناني، رد رئيس الوزراء المنتهية ولايته نجيب ميقاتي، أن حكومته ترغب في "إرسال الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني، وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 1701 (الذي أنهى حرب 2006)، بمجرد فرض وقف إطلاق النار.
وتاريخياً، بقي الجيش اللبناني والذي يسمى بـ"القوات المسلحة اللبنانية" بعيداً عن الصراعات مع الاحتلال الإسرائيلي.
تصنيف الجيش اللبناني وهيكليته
وفقاً لموقع "غلوبال فاير باور" الأمريكي، فإن الجيش اللبناني يحتل المركز 118 بين 145 جيشاً في تصنيف الجيوش الأقوى في العالم، بميزانية إنفاق عسكري تُقدر بنحو مليار دولار سنوياً.
ويُقدر عدد عناصر الجيش اللبناني 60 ألف جندي نظامي، و35 ألف فرد في الاحتياط، و65 ألف بما يعرف بالقوات شبه العسكرية، وحوالي 1.7 مليون نسمة يمكن تأهيلهم للقتال في حالات الطوارئ.
ويتكون الجيش اللبناني من ثلاثة أقسام رئيسية وهي: البرية والبحرية والجوية، إلى جانب قيادة الجيش.
وتتألف قيادة الجيش من أربعة مستويات، وهم: قائد الجيش (ويرتبط مباشرة بوزير الدفاع)، ورئيس الأركان، ونواب رئيس الأركان وعددهم أربعة، ورؤساء المديريات المختلفة.
القوات البرية
تضم القوات البرية 4 ألوية رئيسية، هي: ألوية المشاة المؤللة (مزودة بمدرعات عسكرية)، واللواء اللوجستي، ولواء الحرس الجمهوري، ولواء الدعم.
وأولوية المشاة المؤللة، تضم 11 لواء، وكل لواء يتشكل من ما بين 3 آلاف و5 آلاف جندي، وبحسب وصف القوات المسلحة اللبنانية، فإن مهمتها "الدفاع عن الأرض والاحتفاظ بها عبر التصدّي للعدو وتكبيده أكبر الخسائر ومنعه من تحقيق أهدافه، والقيام بعمليات هجومية مستقلة أو ضمن عملية تنفذها وحدة كبرى للقضاء على العدو وتحضيراته والاستيلاء على مواقعه".
أما اللواء اللوجستي، فمهمته تأمين الدعم اللوجستي العام في الجيش، وتخزين حاجات الجيش وصيانة العتاد، ودعم الوحدات بالإمدادات ومساندتها.
ولواء الحرس الجمهوري: مهمته الدفاع عن القصر الجمهوري ومحيطه، وتأمين الحماية لرئيس الجمهورية وأفراد عائلته والزوار الرسميين، ومهام التشريفات الرسمية.
ولواء الدعم، فإن مهمته دعم وحدات الجيش عملياتياً في مجال الهندسة والاتصالات، وحفظ الأمن والقتال كوحدة مشاة عند تكليفه بذلك.
أفواج القوات البرية
وتتشكل القوات البرية من 8 أفواج، وهي:
أولاً: أفواج التدخل: وتتألف من 6 أفواج، وتقوم بوظائف عديدة، أهمها:
- القيام بعمليات دفاعية أو هجومية مستقلة أو ضمن إطار عملية تنفذها وحدة كبرى.
- التدخل السريع لتأمين الاتصال بوحدة صديقة محاصرة.
- المشاركة في عمليات ميدانية مثل الإنقاذ والإغاثة.
- الإغارة على أهداف معينة وتدميرها أو السيطرة عليها لفترة زمنية محددة.
- إعداد الكمائن وتسيير الدوريات بكافة أنواعها.
ثانياً: فوج المدرعات الأول: ومهمته تنفيذ مهام الدفاع ضد الاعتداءات الإسرائيلية، وحفظ الأمن والاستقرار لبسط سلطة الدولة، وتعزيز وحدات الجيش عند الضرورة، ومكافحة عمليات التهريب والتسلل.
ثالثاً: فوج المدفعية: ومهمته تأمين الدعم الناري العام لوحدات الجيش المختلفة.
رابعاً: فوج الأشغال المستقل: ومهمته تنفيذ الأعمال الهندسية المدنية والأشغال مثل: البناء والترميم والصيانة وشق الطرق.
خامساً: فوج الإشارة: ويقوم بتشغيل وتعهد نظام الاتصالات داخل الجيش، وتأمين التواصل بين قيادة الجيش ووزارة الاتصالات.
سادساً: الفوج المضاد للدروع: تتركز مهمته في تقديم الدعم الناري المضاد للدروع لجميع ألوية وأفواج الجيش.
سابعاً: فوج الهندسة: مهمته زيادة فعالية قتال ألوية المشاة بتقديم الدعم الهندسي، ومعالجة الذخائر غير المنفجرة والعبوات غير النظامية والوقاية من أسلحة الدمار الشامل، وتنفيذ مهام قتال بري عند الضرورة.
ثامناً: أفواج الحدود البرية: تتكون من 4 أفواج، ومهمتها: مراقبة الحدود البرية للحيلولة دون أعمال التهريب، ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتوقيف المخالفين، وإقامة نقاط تفتيش وتسيير دوريات على الحدود البرية.
القوة الجوية:
تأسست القوة الجوية عام 1949، وتمتلك وفقاً لموقع "غلوبال فاير باور" لعام 2024، 81 طائرة حربية من ضمنها 9 طائرات هجومية و9 طائرات أخرى للتدريب، إضافة إلى 69 مروحية، ومهامها:
- تنفيذ عمليات هجومية ومساندة جوية وأرضية.
- الرصد والمراقبة الجوية.
- تنفيذ عمليات مدنية، مثل: البحث والإنقاذ والمساعدة في رش المزروعات.
القوات البحرية
وتملك القوات البحرية 69 قطعة بحرية، منها 44 سفينة دورية، وتؤدي العديد من المهام، أبرزها:
- حماية خطوط المواصلات البحرية إلى المرافئ اللبنانية.
- فرض سلطة الدولة في البحر، وتنظيم حركة الملاحة البحرية وضبطها، وحماية مصالح الدولة في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
- الدفاع عن المياه الإقليمية وعن الساحل ضدّ أي اعتداء عسكري من البحر.
- مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، والتهريب، وتجارة المخدرات.
- تأمين الدعم البحري والإنذار المبكر لوحدات الجيش والمشاركة في العمليات العسكرية المشتركة.
- مساعدة الوزارات والوكالات البحرية في نشاطاتها ومهماتها البحرية (مكافحة الحرائق والتلوث، عمليات البحث والإنقاذ).
- حماية الثروات والمصالح الوطنية على الشاطئ، وفي المياه الإقليمية اللبنانية.
كما يتكون الجيش اللبناني من ثلاث وحدات خاصة، وهي فوج المجوقل (أبرز مهامه عرقلة توغل القوات المعادية إلى حين نشر قوات أرضية لمواجهتها)، وفوج المغاوير (تنفيذ عمليات خاصة في مناطق مختلفة)، وفوج المغاوير البحري (اعتراض القوارب المعادية، وتنفيذ مهام الضفادع البشرية والتسلل بحراً أو براً أو جواً للقيام بعمليات خلف خطوط العدو، ومهاجمة شواطئ الدول المعادية).
إمكانيات الجيش اللبناني
وتمتلك القوات الجوية اللبنانية، بحسب موقع "غلوبال فاير باور" الأمريكي، على 69 مروحية عسكرية (38 منها لديها جاهزية)، و9 طائرات تدريب (5 منها لديها جاهزية)، و9 طائرات هجومية (5 منها لديها جاهزية).
أما القوات البحرية، فإن لديها 69 قطعة بحرية، 44 منها هي سفن دوريات، ولا يوجد للجيش اللبناني أي مدمرات أو سفن حربية أو غواصات، أسوة بالجيش الإسرائيلي.
وعلى صعيد القوات البرية، فإن لديها 204 دبابات (133 مجهزة)، و4522 مدرعة (2939 مجهزة)، 84 مدفع ذاتي (55 منها مجهزة)، و374 مدفع ميداني (243 مجهزة)، و30 راجمة صواريخ (20 منها مجهزة).
نقمة المعونات الخارجية للجيش اللبناني
بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، وتصاعد تنظيم الدولة، شهد الجيش اللبناني تدفقاً من المساعدات العسكرية من مختلف الدول. لكن عندما انهار النظام المالي في البلاد عام 2019، تعرض الجيش اللبناني لضربة قوية، فلم يكن لديه ميزانية لشراء الأسلحة وصيانة الإمدادات والمركبات والطائرات الموجودة لديه، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ويبلغ متوسط راتب الجندي اللبناني الآن حوالي 220 دولار شهرياً، ولجأ الكثيرون إلى العمل في وظائف ثانية، وفي مرحلة ما قدمت الولايات المتحدة وقطر إعانة شهرية لرواتب الجنود.
وكانت الولايات المتحدة، من الممولين الرئيسيين للجيش اللبناني قبل الأزمة، فقد قدمت نحو ثلاثة مليارات دولار من المساعدات العسكرية منذ عام 2006، وفقاً لوزارة الخارجية، التي قالت في بيان إن الهدف من ذلك هو "تمكين الجيش اللبناني من أن يكون قوة استقرار ضد التهديدات الإقليمية" و"تعزيز سيادة لبنان، وتأمين حدوده، ومواجهة التهديدات الداخلية".
وفي عام 2023، قدمت الولايات المتحدة مساعدات مالية بقيمة 130 مليون دولار، فضلاً عن تزويد القوات البحرية بمعدات عسكرية.
وفي لبنان، يعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة منعت الجيش من الحصول على أسلحة أكثر تقدماً قد تسمح له بالدفاع ضد إسرائيل، وقال الجنرال المتقاعد وليد عون إن واشنطن لا تسمح للجيش اللبناني بالحصول على معدات دفاع جوي متقدمة.
كما التزمت بريطانيا بموجب مذكرة تفاهم مع السلطات اللبنانية عام 2022، بتقديم مساعدات بقيمة 13 مليون جنيه إسترليني بين العامين 2022 و2025، بغرض دعم الجيش اللبناني.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أن بريطانيا قدمت منذ عام 2009 أكثر من 87 مليون جنيه إسترليني إلى الجيش اللبناني من أجل تحسين قدراته وتطويرها.
فيما قدم الاتحاد الأوروبي ما يقارب 100 مليون دولار أمريكي من المساعدات العسكرية إلى لبنان بين عامي 2006 و2020.
كما تقدم دول أخرى مثل كندا وفرنسا ودول خليجية ومصر أشكالاً من الدعم، تشمل التدريب العسكري ومساعدات عينية وغذائية وطبية.
ولطالما الحسابات الداخلية والخارجية شكلت نقمة على الجيش اللبناني، وعلى سبيل المثال، فقد طلب الرئيس ميشال سليمان معدات دفاع جوي ومضادة للطائرات من موسكو التي أبدت استعداداً لتزويدها بها، لكن الولايات المتحدة حذرت من قبول الهدايا من الروس بسبب العقوبات المفروضة على موسكو.
وفي عام 2017، وضع الكرملين على الطاولة "صفقة شاملة" مغرية بقيمة مليار دولار، بما في ذلك تسليم الأسلحة إلى جانب التعاون العسكري والفني، على أن يتم سدادها على مدى 15 عامًا، وقد شكل هذا تهديدا بالنسبة لواشنطن التي ينحصر دعمها على ترسانة خفيفة من الأسلحة والمعدات المختلفة ضمن برنامج المساعدات العسكرية للبنان.
ونقلت الصحيفة الفرنسية "لاكروا" عن العميد المتقاعد هشام الجابر، أن إيران اقترحت أيضاً نظام دفاع جوي، لكن تم رفضه من قيادة الجيش اللبناني، لتجنب غضب الأمريكيين.
هل خاض الجيش اللبناني معارك ضد الاحتلال الإسرائيلي؟
ويشكل الهجوم البري الحالي على لبنان هو الرابع الذي تشنه إسرائيل خلال الـ50 عاماً الماضية، وفي أغلب المحطات السابقة فقد لعب الجيش اللبناني دوراً هامشياً مماثلاً، رغم المهام التي أوكلت لقواته البرية والبحرية والجوية في مسألة صد الاعتداءات من "القوات المعادية" للبلاد.
لكن هناك استثناءات عدة سجلت للجيش اللبناني في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، كان أولها عندما شارك في حرب فلسطين عام 1948، وكانت أبرز معاركه في بلدة المالكية اللبنانية بقيادة النقيب محمد زغيب.
ورغم عدم مشاركته الفعلية في حرب عام 1967، التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على سوريا ومصر والأردن، فإنه دعم الجبهة العربية بالخدمات اللوجستية.
وفي العام 1972، حاولت إسرائيل إنشاء منطقة عازلة بطول 20 كيلومتراً لدفع مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية إلى الوراء، لكن الجيش اللبناني نجح في إبطاء وتيرة التقدم الإسرائيلي "وكسب الوقت للقيادة السياسية في بيروت للسعي إلى تدخل المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار"، بحسب ما ذكره لوكالة "أسوشيتد برس"، آرام نيركيزيان، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
وخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، قام الجيش اللبناني بدور دفاعي محدود، بعد قصف الاحتلال لمراكزه، كما سجل له التصدي لمحاولة كوماندوز إسرائيلية للإنزال على شواطئ مدينة صور.
لماذا الجيش اللبناني غير قادر على مواجهة العدوان الإسرائيلي؟
وتدهورت قدرات الجيش اللبناني منذ اندلاع الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً (1975-1990)، والتي شهدت فيه البلاد أيضاً سيطرة سورية على أجزاء منها واحتلال إسرائيلي.
وكان حزب الله المنظمة الوحيدة التي سمح لها بالاحتفاظ بأسلحتها بعد الحرب الأهلية، من أجل الهدف المعلن المتمثل في مقاومة الاحتلال لجنوب لبنان الذي انتهى عام 2000.
وبحلول العام 2006، عندما خاض حزب الله وإسرائيل حرباً طاحنة استمرت شهراً كاملاً، لم يكن الجيش اللبناني "قادراً على الاستثمار في أي تحديث حقيقي في مرحلة ما بعد الحرب، ولم تكن لديه القدرة على ردع القوة الجوية الإسرائيلية".
التفوق العسكري لإسرائيل
في الإطار، يقول الجنرال المتقاعد وليد عون لـ"أسوشيتد برس"، إن عدم سماح أمريكا للجيش اللبناني بالحصول على المعدات اللازمة، مرتبط بإسرائيل، وأشار الباحث نيركيزيان إلى أن واشنطن "سنت قانوناً" لدعم التفوق العسكري النوعي لإسرائيل مقارنة بجميع الجيوش الأخرى بالمنطقة.
وبحسب العميد المتقاعد هشام جابر، فإن الجيش اللبناني أصبح دوره يقتصر على "قوة شرطية كبيرة" تنتشر على الحدود، وتحافظ على "السلم الأهلي" داخلياً.
ويشير الاعتقاد السائد لدى اللبنانيين إلى أن مشاركة الجيش اللبناني في "حرب تبتلع وطنها"، قد يفسر على أنه دعم لحزب الله في الحرب، وهو ما قد يهدد علاقة القوات المسلحة اللبنانية ذاتها بداعميها بالغرب، بحسب مجلة "فورين بوليسي".
فيما تعتقد مصادر عدة، بما في ذلك مسؤولون عسكريون لبنانيون وغربيون فضلاً عن سياسيين ووجهاء محليين، بأن الجيش اللبناني من المرجح أن يظل بعيداً عن الحرب ما دامت لديه القدرة على ذلك.
كما أن هناك شعور سائد بأن الجيش اللبناني لا يملك القدرة على الفوز في هذه الحرب، أو حتى المشاركة فيها بشكل موثوق.
وتمتلك إسرائيل 170 ألف فرد في الخدمة النظامية، وما بين 300 ألف و 400 ألف جندي احتياط، بالإضافة إلى طائرات مقاتلة ودبابات وأنظمة دفاعية متطورة.