يستخدم الاحتلال الإسرائيلي، منظومة دفاعية جوية متعددة الطبقات لصد الهجمات التي تتعرض لها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ورغم ذلك فقد تمكنت بعض الصواريخ من الوصول إلى أهدافها، وتحقيق إصابات مباشرة.
ويعزز الاحتلال الإسرائيلي دفاعاته الجوية منذ تعرضه لنيران صواريخ سكود العراقية خلال حرب الخليج عام 1991، وطوال السنوات الماضية، تمكن من تطوير منظومات متعددة منها البرية والبحرية أبرزها القبة الحديدية.
وبعد الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل عام 1991، تم نشر نظام باتريوت الأمريكي، ولم يكن الجيل الأول من هذا النظام ذا فعالية كبيرة، ولم يسجل سوى نسبة نجاح تبلغ 40% في أفضل الأحوال، بحسب تقرير للخبير يوفال بوسطن في موقع "Israel forbes".
وشكّلت صواريخ المقاومة بغزة، وتلك التي يطلقها حزب الله وجماعة الحوثي والعراقيون والهجمات الإيرانية الباليستية في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول الجاري، تحدياً لمنظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية، التي تعد الأكثر تطوراً في العالم.
وحوالي 15% من ميزانية الدفاع الإسرائيلية تأتي من الولايات المتحدة، ومنذ العام 1948 أرسلت الولايات المتحدة إلى إسرائيل حوالي 300 مليار دولار في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية، وقد تم تخصيص كل تلك المساعدات في الآونة الأخيرة لأنظمة الدفاع المتقدمة والمعدات العسكرية، بما فيها منظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية.
ما هي مستويات نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المختلفة؟
تملك إسرائيل عدة أنظمة دفاع جوي، كل منها مصمم لاعتراض الصواريخ القادمة على ارتفاعات ومسافات مختلفة.
ويتراوح التهديد الصاروخي لإسرائيل ما بين الصواريخ الباليستية التي تطلق من إيران واليمن من مسافة تتجاوز الـ150 كيلومتر، إلى صاروخ يطلق من قطاع غزة على مسافة 2-3 كيلومترات، ولمواجهة تلك التهديدات طورت تل أبيب منظومة دفاع جوية متعددة الطبقات يتم نشرها في مختلف المناطق التي قد تواجه خطراً عملياتياً.
وتأتي منظومة "حيتس 3" المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج المجال الجوي على ارتفاع عشرات ومئات الكيلومترات من إسرائيل، في الطبقة العليا والأبعد، ويتميز عن المنظومات الأخرى بأنه الوحيد الذي يصيب الصاروخ الاعتراضي الهدف بدقة وليس مجرد إحداث انفجار بقربه لإسقاطه.
ويأتي في الطبقة الثانية منظومة "حيتس 2" المصممة للتعامل مع التهديدات الباليستية التي تطلق من مسافات تتراوح ما بين مئات الكيلومترات إلى نحو 1500 كيلومتر.
أما في الطبقة الثالثة، فتوجد منظومة مقلاع داود" المصممة للتعامل مع الصواريخ الثقيلة وبعيدة المدى، التي تطلق من مسافة 150- 200 كيلومتر.
وفي الطبقة الرابعة تأتي القبة الحديدية، والتي تتعامل مع التهديدات التي تتراوح ما بين 4 إلى 70 كم.
وتأتي منظومة الطبقة الخامسة، والتي من المتوقع استخدامها باعتماد الليزر لاعتراض أصغر التهديدات من الصواريخ قصيرة المدى إلى قذائف الهاون، والطائرات المجنحة.
وفي منظومة الدفاع الإسرائيلية المتعددة الطبقات، تتكامل أنظمة الدفاع مع بعضها البعض لتعظيم فرص الاعتراض.
فعلى سبيل المثال، إذا أخطأ صاروخ "حيتس 3" صاروخاً باليستياً خارج الغلاف الجوي، فسيظل هناك وقت كاف لمحاولة "حيتس 2" لاعتراضه داخل الغلاف الجوي.
ما خصائص منظومات الدفاع الجوية الإسرائيلية؟
القبة الحديدية
أكثر الدفاعات الجوية الإسرائيلية نشاطاً وشهرة هي "القبة الحديدية"، والتي نشطت ضد الصواريخ التي يطلقها الفلسطينيون من قطاع غزة منذ عام 2011.
حيث تمكنت شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة المملوكة للدولة من تطوير منظومة "القبة الحديدية" بدعم من الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
فقد ساهمت الولايات المتحدة بما لا يقل عن 106 مليار دولار في نظام القبة الحديدية من عام 2011 إلى 2021، بالإضافة إلى مليار دولار آخر في عام 2022.
وتتكون القبة الحديدية، من شبكة من أجهزة الكشف المبكر وقاذفات الصواريخ المستخدمة لاعتراض نيران الخصم، بما في ذلك الصواريخ قصيرة المدى والمدفعية.
تستخدم القبة الحديدية صواريخ اعتراضية من طراز "تامير"، يستطيع نظام الدفاع المتعدد المهام فيها إسقاط الصواريخ والقذائف المدفعية المعادية على مسافة تصل 43.3 ميلاً.
وحول آلية عمل "القبة الحديدية"، فإن أجهزة الرادار فيها تكتشف مسار الصواريخ المعادية وتتعقبه قبل إطلاق صاروخ لاعتراضه، حيث تتعقب الصواريخ هدفها بأجهزة استشعار كهروضوئية وتنفجر في الهواء عندما تقترب منها.
ويكلف إنتاج كل صاروخ اعتراضي من "القبة الحديدية" 40 إلى 50 ألف دولار، وفق مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره في واشنطن.
ويفيد المركز البحثي أن نظاماً كاملاً من القبة الحديدية يتضمن جهاز الرادار والحاسوب وثلاثة إلى أربعة أجهزة إطلاق يحتوي كل واحد منها على 20 صاروخاً اعتراضياً، يُكلف حوالي مئة مليون دولار.
ووجه خبراء انتقادات إلى القبة الحديدية، وذلك بسبب تكلفتها الباهظة، وعدم فعاليتها أيضاً أمام صواريخ كتائب القسام إذا أطلقت على مسافات قصيرة جداً.
مقلاع داوود
الطبقة الوسطى من نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي هي نظام "مقلاع داود"، وهو نظام دفاع جوي متوسط إلى طويل المدى مصمم لاعتراض الصواريخ التي يتم إطلاقها من مسافة تصل إلى 185 ميلاً.
ويعرف أيضاً باسم "العصا السحرية"، ويحمل نظام الصواريخ متعدد الاستخدامات ما يصل إلى 12 صاروخًا اعتراضيًا من نوع "ستانر".
كما يوفر مركز القيادة والتحكم فيه تقييم التهديدات والخطط والتحكم في الاعتراض، بالإضافة إلى الرادار متعدد المهام للنظام المستخدم للكشف عن التهديدات الجوية وتتبعها.
وجرى تطوير وتصنيع المنظومة بشكل مشترك بين مؤسسة رافائيل الدفاعية المتقدمة المحدودة المملوكة لإسرائيل وشركة ريثيون الأمريكية، وهي مصممة كذلك لاعتراض الطائرات والطائرات المسيرة وصواريخ كروز.
لا يمتلك "ستانر" رأساً حربياً، بل يضرب الأهداف مباشرة، وتتألف مقدمته غير المتماثلة من رادار AESA ثلاثي الأبعاد، ومستشعر بحث دائري متطوّر يعمل في ظروف جوية مختلفة، إلى جانب منظومة بحث إلكترونية بصرية مزدوجة وتصوير بالأشعة تحت الحمراء.
يتلقى "ستانر" تحديثات من الرادار الأرضي للنظام، عبر وصلة بيانات، وهو في منتصف المسار؛ وفي وضع المراقبة، يمكن للرادار تتبّع ما يصل إلى 1100هدف على مدى 474 كلم، ويُمكنه مسح الأجواء إلكترونياً بزاوية 120 درجة وارتفاع 50 درجة.
ولتوفير مراقبة بزاوية 360 درجة، يمكن لرادار ELM-2084 تدوير مجموعة الهوائي الخاصة به بمعدل 30 دورة في الدقيقة. ويمكنه تتبّع ما يصل إلى 200 هدف في الدقيقة في نطاقات 100 كيلومتر.
ويبلغ سعر الواحد منه مليون دولار، وتبلغ تكلفة المنظومة كاملة 345 مليون دولار أمريكي، مقارنة بالقبة الحديدية، التي يبلغ سعر بطاريتها فقط 50 مليون دولار.
نظام سلاح السهم "حيتس"
ويمثل الطبقة العليا من منظومة الدفاع الإسرائيلية، وهو نظام أسلحة لاعتراض الصواريخ الباليستية، تم تطويره من قبل مصنع ميلام التابع لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، بدعم وتمويل أمريكي وبالتعاون مع شركة بوينغ الأمريكية.
وتعد منظومة "آرو-3" قمة قدرات الدفاع الجوي المتطور في إسرائيل، حيث يمكنها التعامل مع الأهداف على مدى أطول وارتفاعات أعلى، بالإضافة إلى اعتراض الصواريخ الباليستية بدقة أكبر.
واختبرت إسرائيل منظومة "آرو-3" لأول مرة في 25 فبراير/شباط 2013، ونجحت في الطيران على "مسار خارج الغلاف الجوي عبر الفضاء"، ونجحت في الاختبار الثاني الذي أجرته بتاريخ 3 يناير/كانون الثاني 2024.
ويصل مدى صواريخ "حيتس 3" إلى 2400 كيلومتر، كما يتم توجيهها بوسائل الرؤية الإلكترونية ويمكنها إصابة الأهداف خارج الغلاف الجوي للأرض، ويتميز بإصابة التهديد بدقة (حديد ضد حديد)، وليس مجرد إحداث انفجار بالقرب من الصاروخ لإسقاطه كما في المنظومات الأخرى.
ويعمل "آرو-3" بالاشتراك مع سلفه "آرو-2" لاعتراض الصواريخ الباليستية والرؤوس الحربية الأخرى باستخدام اعتراض مكون من مرحلتين، "المسرع" و"المعترض"، حيث يستمر احتراق الوقود فيه لعدة ثوانٍ تتطور خلالها إلى سرعة كبيرة، أما المعترض فيتحرك بقوة دواسة الوقود.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أكدت إسرائيل أول استخدام عملي لنظام "حيتس 3" ضد صاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن وذلك على مسافة 1600 كيلومتر من إيلات، مما يمثل المرة الأولى التي تعمل فيها الطبقات الثلاث للدفاع الجوي الإسرائيلي في وقت واحد.وفي الهجمات التي شنتها إيران في أبريل/نيسان، وأكتوبر/تشرين الأول 2024، شاركت "حيتس 3" لاعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية.
بحسب دوف رافيف (مؤسس المشروع) فإنه يمكن لصاروخ واحد أن يعترض صاروخاً باليستياً واحداً بنجاح بنسبة 90%، ولكن لتحسين فرص الاعتراض فإنه يتم إطلاق صاروخين ضد صاروخ واحد، وإذا فشل كلاهما في الاعتراض، يتم إطلاق صاروخ ثالث.
وفي الاختبارات الأخيرة لمنظومة "حيتس 3″، تم دمج نظام باتريوت كطبقة حماية سفلية، كنسخة احتياطية.
منظومة "القبة سي"
ولا يقتصر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي على البر فقط، إذ تمتلك إسرائيل أيضاً نسخة بحرية من نظام القبة الحديدية، ويتم تركيبها على متن الزوارق الحربية الإسرائيلية.
ويتم نشر النسخة البحرية من نظام الدفاع الجوي المعروف باسم C-Dome على متن سفن كورفيت من فئة Sa'ar 6، وهي أربع سفن حربية ألمانية الصنع تم طلبها للبحرية الإسرائيلية.
وبالإضافة إلى C-Dome، تم تجهيز سفن Sa'ar 6 أيضًا بمدفع رئيسي من طراز Oto Melara Super Rapid عيار 76 ملم، وهو فعال ضد التهديدات الجوية القريبة.
وتم الكشف عن "C-Dome" لأول مرة في عام 2014، وتم الإعلان عن تشغيلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وفي ذلك الوقت تمت الإشادة بها باعتبارها "معلما هاما".
وبعد عامين من التطوير، أعلن جيش الاحتلال في أبريل/نيسان 2024، أن نظام القبة الحديدية البحري استخدم لأول مرة لاعتراض "هدف جوي مشبوه" داخل المجال الجوي الإسرائيلي بالقرب من مدينة إيلات.
وتختلف "C-Dome" عن القبة الحديدية المستخدمة على البر، حيث إن رادارها مدمج برادار الزورق البحري للكشف عن الأهداف القادمة، حيث تقول "رافائيل" الشركة المطورة لها، إنها تضمن "حماية دائرة كاملة للسفينة واحتمالية قتال عالية ضد مجموعة كاملة من التهديدات البحرية والساحلية".
نظام "سبايدر"
سبايدر هو نظام دفاع جوي قصير ومتوسط المدى طورته شركة رافائيل، وترك هذا النظام علامة بارزة في عام 2005 عندما تم إطلاق الصواريخ ضد أهداف اختبارية في شدما بإسرائيل ونجح في ضربات مباشرة.
ويتضمن سبايدر عدة إصدارات، بما في ذلك SPYDER-SR، وSPYDER-MR، وSPYDER-LR (ضد الصواريخ الباليستية التكتيكية).
وتم تصميم سبايدر لتحييد مجموعة من التهديدات الجوية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار والطائرات والمروحيات. وهي مجهزة بصواريخ "بيتون 5″، و"دربي"، والتي يتم توجيهها على التوالي بواسطة نظام توجيه بالأشعة تحت الحمراء والتصوير الكهروضوئي لـ PYTHON-5، ونظام توجيه راداري نشط لـ Derby.
ويقوم نظام سبايدر بالعمل في جميع الظروف الجوية وعلى مسافات من1١ كم إلى 20 كم وعلى ارتفاعات من 20 متر إلى 9000 متر وبزاوية دورانية 360 درجة.
ويمكن لكل وحدة إطلاق صواريخ في "سبايدر"، حمل ما يصل إلى أربعة صواريخ "بيتون 5" أو "دربي"، مما يوفر مرونة تشغيلية كبيرة، وتتميز تلك الصواريخ بخصائص مختلفة بمدى متفاوت وارتفاعات قصوى، مما يسمح للنظام بتوفير تغطية فعالة في المواقف التكتيكية المختلفة.
"العنكبوت الكل في واحد"
ولتلبية الاحتياجات التشغيلية الحرجة في ساحة المعركة الحديثة تم تطوير "SPYDER AiO"، وهو يوفر أصل دفاع جوي قادر على الانتشار السريع في غضون دقائق في التضاريس الصعبة، وبزمن رد فعل قصير.
وتم تصميمها لحمل ما يصل إلى ثمانية صواريخ معبأة في أسطوانات، ويمكنها التعامل مع ما يصل إلى أربعة أهداف في وقت واحد مع مدى أقصى يصل إلى 24.8 ميلاً، وارتفاع يصل إلى 7.4 ىميلاً.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت وزارة الجيش الإسرائيلية عن اختبار ناجح لنظام الأسلحة الجديد، القادر على اعتراض الطائرات بدون طيار والطائرات والصواريخ الباليستية والصواريخ الموجهة بدقة.