في طريق جديد للبحث عن علاج مناسب لمرض الصداع النصفي المزمن أو "الشقيقة"، كشفت مجموعة من الدراسات الحديثة عن فعالية دواء يسمى "يوبروجيبانت"، الذي له القدرة على وقف الألم قبل الوصول إلى مرحلته الشديدة، مباشرة بعد تناوله.
إذ يعمل هذا الدواء الذي وافقت عليه رسميا وكالة الدواء والغذاء الأمريكية، على التوجه بشكل مباشر إلى إحدى أهم محفزات الشقيقة، وهي قفل المستقبلات التي تعمل بشكل فعال في تهييج الصداع عند أغلب الأشخاص المصابين به.
ولأن الصداع النصفي يعتبر من بين الأمراض "اللغز" التي لم يجد لها العلماء علاجاً فعالاً إلى الآن، بعد العديد من المحاولات، كان أبرزها حقن البوتوكس، إلا أن هذا الدواء الجديد يعتبر الأفضل والأكثر قدرة على تحسين حالة المريض، بعد ساعتين فقط من تناوله.
ما هو مرض الصداع النصفي؟
يشكل الصداع النصفي أحد أبرز التحديات الصحية التي يعاني منها الملايين حول العالم، حيث تصاحبه نوبات من الألم الشديد والحساسية تجاه الضوء والصوت، وأحيانًا الغثيان.
يعد الصداع النصفي مرضًا مزمنًا يؤثر على جودة الحياة اليومية، وتتراوح حدته بين المعتدلة إلى الشديدة، مما يدفع المصابين إلى البحث عن حلول علاجية فعالة.
إذ يمكن أن يعاني بعض الأشخاص من نوبة الصداع لبضع ساعات، فيما يعيش آخرون بنفس الألم لعدة أيام، حتى مع تناول الادوية المهدئة، التي غالبا تفقد فعاليات داخل الجسم، عند استهلاكها بكثرة.
مشاكل الصداع النصفي وتأثيره العالمي
بحسب إحصائيات "منظمة الصحة العالمية"، يعاني أكثر من مليار شخص في العالم من الصداع النصفي، حيث يعتبر هذا المرض من أكثر الحالات العصبية المزمنة شيوعًا.
إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي 15% من سكان العالم يعانون من الصداع النصفي في مرحلة ما من حياتهم، مع انتشاره بشكل أكبر بين النساء مقارنة بالرجال.
كما تتراوح نوبات الصداع النصفي من حيث الشدة والمدة، وغالبًا ما تترك أثرًا كبيرًا على القدرة على القيام بالأنشطة اليومية، مما يؤدي إلى فقدان إنتاجية العمل والدراسة، وبالتالي يساهم في عبء اقتصادي واجتماعي ملحوظ.
كما تم ربط الصداع النصفي أو الشقيقة بمضاعفات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، مما يزيد من الحاجة إلى علاجات فعالة له.
فعالية دواء يوبروجيبانت في علاج الصداع النصفي
"يوبروجيبانت" هو دواء جديد تمت الموافقة عليه مؤخرا لعلاج الصداع النصفي الحاد من طرف وكالة الدواء والغذاء الأمريكية.
ينتمي هذا الدواء إلى فئة جديدة من الأدوية تسمى "مضادات مستقبلات الببتيد المرتبطة بجين الكالسيتونين (CGRP)"، والتي تستهدف مسارًا عصبيًا محددًا يشارك في تسهيل انتقال الألم أثناء نوبات الصداع النصفي.
تجارب سريرية حول دواء يوبروجيبانت
أجريت دراسة عشوائية مزدوجة التعمية على فعالية وسلامة دواء "يوبروجيبانت" لعلاج الصداع النصفي الحاد، حيث تم تقسيم المشاركين البالغ عددهم 1672 إلى ثلاث مجموعات بشكل متساوٍ.
وهذه المجموعات كالتالي: المجموعة الأولى تلقت دواء وهميًا، والمجموعة الثانية تلقت 50 مجم من يوبروجيبانت، والمجموعة الثالثة تلقت 100 مجم من الدواء.
تم قياس خلال هذه الدراسة فعالية العلاج بناءً على الخلو من الألم وأعراض الصداع النصفي المزعجة بعد ساعتين من تناول الجرعة.
إذ أظهرت النتائج أن 21.2% من المجموعة التي تلقت جرعة 100 مجم من الدواء تخلصت من الألم خلال ساعتين، مقارنة بـ11.8% فقط في المجموعة التي تلقت الدواء الوهمي.
كما كانت نسبة التخلص من الأعراض المزعجة للشقيقة أيضًا أعلى في مجموعات دواء يوبروجيبانت.
إضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة تحسنًا في تخفيف الأعراض الأكثر إزعاجًا للمرضى، مثل رهاب الضوء والصوت والغثيان، حيث وصلت نسبة التحسن إلى **38.6%** و**37.7%** في الجرعتين مقارنة بـ **27.8%** للعلاج الوهمي.
الأمان والآثار الجانبية
على الرغم من فعالية دواء يوبروجيبانت، فإن التجربة السريرية أظهرت وجود بعض الآثار الجانبية له. كانت الأعراض الأكثر شيوعًا هي الغثيان والنعاس وجفاف الفم، والتي كانت أكثر بروزًا عند تناول الجرعة الأعلى (100 ملجم).
ومع ذلك، تبقى نسبة الأحداث السلبية في حدود معقولة، مما يشير إلى أن الدواء آمن نسبيًا للاستخدام في علاج الصداع النصفي الحاد.
أهمية يوبروجيبانت في مستقبل علاج الصداع النصفي
يمثل دواء يوبروجيبانت إضافة مهمة لعلاجات الصداع النصفي، خاصة لأولئك الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية مثل التريبتان وغيره من المهدئات الأخرى.
ومن المتوقع أن يساعد هذا الدواء في تحسين جودة حياة المصابين من خلال تخفيف الأعراض بشكل أسرع وأكثر فعالية.
ومع أن هناك حاجة لمزيد من الدراسات لضمان سلامته وفعاليته على المدى الطويل، فإن يوبروجيبانت يبشر بتخفيف معاناة الملايين حول العالم الذين يعانون من نوبات الصداع النصفي الحادة.
بالنهاية، يوفر علاج يوبروجيبانت أملًا جديدًا للمرضى في السيطرة على نوبات الصداع النصفي بشكل أكثر فعالية.