حظي المصرفي الشهير رياض سلامة في يوم من الأيام بلقب "أفضل محافظ بنك مركزي في العالم"٬ لكنه بعدما تحول إلى طريد للعدالة وعنوان لإفلاس لبنان، أصبح اليوم موقفاً أمام القضاء٬ حيث دخلت لبنان في عهده واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ قرن.
وكان سابقاً يتم الاحتفاء بالحاكم السابق لمصرف لبنان المركزي لوقت طويل٬ كخبير مالي مقتدر، قبل أن تمزق صورته قضايا فساد في الداخل والخارج وانهيار مدمر للقطاع المصرفي في البلاد وقبل أن يُعتقل يوم الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول 2024 لاتهامه بالاحتيال.
من هو المصرفي اللبناني رياض سلامة؟
لفترة طويلة، اعتبر عديد اللبنانيين رياض سلامة (74 عاما) الحاكم السابق لمصرف لبنان (المركزي) العمود الفقري للنظام المالي للبلاد إلى غاية انهياره في العام 2019. فحينها شاهد سلامة مكانته تتداعى إذ أدى هذا الانهيار المالي إلى إفقار عدد كبير من المواطنين وتجميد ودائع معظم المدخرين في القطاع المصرفي مترامي الأطراف الذي كان يشرف عليه ذات يوم.
ويقول تقرير لـ"فرانس 24″ إن صورة سلامة تلطخت أكثر بعد أن بدأت الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى بفتح تحقيقات حول ما إذا كان قد استغل منصبه لاختلاس المال العام وجمع ثروة في العقود الثلاثة التي قضاها في منصبه.
وقال مصدر قضائي رفيع المستوى لرويترز إن السلطات ألقت القبض على سلامة الثلاثاء بناء على اتهامات بغسيل أموال واحتيال واختلاس مرتبطة بشركة سمسرة لبنانية تُعرف باسم أوبتيموم إنفست، ضمن واحدة من عدة تحقيقات يواجهها.
من جهته، لم يرد سلامة ولا محاميه على طلب التعليق. وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة أوبتيموم إنفست اللبنانية رين عبود إن الشركة أجرت تدقيقا ماليا في وقت سابق هذا العام لتعاملاتها مع مصرف لبنان المركزي ولم تجد أي دليل على ارتكاب الشركة أي مخالفات.
يأتي التحقيق منفصلا عن تحقيقات فساد أخرى أُعلن عنها في وقت سابق وتركزت على العمولات التي فرضها البنك المركزي على البنوك مقابل شراء الأوراق المالية الحكومية والتي ذهبت عائداتها إلى شركة فوري أسوشيتس التي يسيطر عليها شقيق سلامة، رجا.
كيف تشكلت قضية سلامة؟
بدأت هذه التحقيقات في سويسرا عن احتمال حصول سلامة وشقيقه رجا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي بين عامي 2002 و2015. ولكن، نفى الأخوان سلامة في وقت سابق تحويل أو غسل أي أموال عامة أو ارتكاب أي مخالفات.
وقد ترك سلامة منصبه في يوليو/تموز 2023، وقال حينذاك إنه "عمل وفقا للقانون واحترم الحقوق القانونية للآخرين". لكن بعد شهر من تركه منصبه، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا فرض عقوبات على سلامة، متهمة إياه بالضلوع في فساد لإثراء نفسه وشركائه، وهي الاتهامات التي نفاها أيضا حينذاك.
وقد أصدرت السلطات الفرنسية والألمانية مذكرتي توقيف بحق سلامة العام الماضي. كما أشارت نشرتان باللون الأحمر صادرتان عن الإنتربول إلى أنه مطلوب في كلا البلدين. وأشارت النشرة الحمراء الصادرة بناء على طلب فرنسا إلى بعض الاتهامات منها غسل أموال منظم، بينما جاء في النشرة الصادرة بناء على طلب ألمانيا أنه مطلوب في اتهامات تتعلق بغسل الأموال أيضا. وأوضح سلامة العام الماضي أن محاميه قدموا طعونا قانونية على مذكرتي الاعتقال في هذين البلدين.
وفي يونيو/حزيران الماضي، ألغت السلطات الألمانية مذكرة اعتقالها بحق سلامة لأسباب فنية، لكنها واصلت تحقيقاتها وأبقت على تجميد أصوله، وفق مكتب المدعي العام في ميونيخ.
"كبش فداء"
وقد تميزت صورة سلامة باعتباره أمينا مقتدرا على النظام المالي عن صورة أفراد النخبة الحاكمة الذين كان كثيرون منهم قادة فصائل مسلحة في الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، لكنه كان يحظى بدعم رفيع المستوى منهم. إذ كان سلامة دائم الحضور في المؤتمرات المالية الدولية وحصل على جوائز كثيرة في المجال المصرفي وتمتع بصلاحيات واسعة بحكم منصبه.
لكن علاقاته بالنخبة تآكلت فيما يبدو مع انتهاء ولايته. وفي مقابلة مع إحدى الإذاعات اللبنانية قبل أن يترك منصبه، سُئل سلامة عما إذا كان الساسة قد انفضوا من حوله، فقال إن هذا حدث منذ فترة طويلة. كما دافع سلامة عن فترة ولايته قائلا إنه استُخدم كـ"كبش فداء" لهذا الانهيار وإن الحكومة، وليس البنك المركزي، هي المسؤولة عن إنفاق الأموال العامة.
الانهيار المالي في لبنان
ويشار إلى أن الانهيار المالي في لبنان أتى بعد عقود من الفساد والانغماس في التبذير من جانب النُخب الحاكمة. وحمَّل كثير من اللبنانيين سلامة وهذه النخب المسؤولية.
وما حدث كان تحولا دراماتيكيا لرجل كان يُنظر إليه في السابق على أنه رئيس بلاد محتمل. وكان سلامة دائم الحضور في المؤتمرات المالية الدولية وحصل على كثير من الجوائز في المجال المصرفي وتمتع بصلاحيات واسعة بحكم منصبه.
كما حصل المدخرون على أسعار فائدة مرتفعة وتمكنوا من تحويل عملتهم المحلية إلى الدولار بسعر صرف ثابت حافظ عليه سلامة منذ العام 1997 حتى وقت الانهيار المالي.
وما زاد من ثقتهم، طريقة سلامة الهادئة وتصريحاته بأن الليرة في وضع جيد، وكذلك نجاح لبنان في تجاوز الأزمة المالية العالمية في العام 2008. لكن مع تباطؤ التحويلات بالدولار، بدأت الأوضاع المالية تتعثر، مما زاد من الضغوط على نظام مالي يتطلب تدفقات مستمرة من العملة الصعبة للصمود.
ولطالما قال مصرف لبنان إن عملياته قانونية. كما رفض سلامة أن يكون المصرف قد أُدير بمخطط احتيال. ولكن أبقى سلامة على النظام المالي القائم في 2016 من خلال سحب الدولارات من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة. ووصف منتقدون هذه الخطوة بأنها شكل من مخططات الاحتيال، لأنها تعتمد على الحصول على قروض جديدة من أجل سداد الديون القائمة.