تعتبر معركة بلعا، التي وقعت بتاريخ 3 سبتمبر/ أيلول 1936، واحدة من المعارك الهامة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد اليهود والاحتلال البريطاني.
إذ وقعت هذه المعركة في فترة حرجة من تاريخ فلسطين، وبالضبط خلال ثورة فلسطين الكبرى، حيث كانت البلاد تعيش تحت وطأة الانتداب البريطاني، وكانت المقاومة الفلسطينية تسعى جاهدة للتخلص من هذا الاحتلال.
في هذا المقال، سنتناول خلفية تاريخية معركة بلعا التي حدثت في الطريق الرابط ما بين حيفا وتل أبيب (الاسم بعد الاحتلال الإسرائيلي)، حسب السياق السياسي والاجتماعي في فلسطين قبل المعركة، ودور القائد الحربي السوري فوزي القاوقجي في تنظيم المقاومة.
فلسطين قبل المعركة.. فترة الانتداب البريطاني
بدأ الانتداب البريطاني على فلسطين ابتداء من سنة 1920، الشيء الذي أثار استياء الشعب الفلسطيني، خصوصا بعد بداية الهجرة اليهودية والاستيطان في المدن الفلسطينية، وهو الأمر الذي زاد من التوترات بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود.
خلال هذه الفترة، ومن أجل الدفاع على الوطن ووحدته، تنامت حركات المقاومة الفلسطينية، حيث بدأت تظهر مجموعة من التنظيمات مثل "الجهاد المقدس" و"الكتائب العربية"، التي كان هدفها مقاومة التواجد البريطاني اليهودي في البلاد.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، انضم فوزي القاوقجي الضبط السوري الذي شارك مع الجيش العثماني خلال الحرب، إلى المقاومة الفلسطينية.
وخلال هذه الفترة، قام بتنظيم وتدريب القوات الفلسطينية، وكان له دور كبير في توحيد صفوف المقاومة.
كما أنه قاد العديد من المعارك ضد القوات البريطانية والمستوطنين اليهود، وكان له تأثير كبير في رفع الروح المعنوية للمقاومين، ومن بين أبرز هذه المعارك، خلال فترة ثورة فلسطين الكبرى، كان معركة بلعا.
واحدة من أهم معارك المقاومة.. معركة بلعا
وقعت معركة بلعا يوم 3 سبتمبر/ أيلول من سنة 1936، وكانت واحدة من أهم المعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية ضد القوات البريطانية، حسب ما وصفه الإعلام الفلسطيني حينها.
كانت بداية الاستعدادات والتخطيط للمعركة من خلال عدة خطوات، وهي تحديد موقع المعركة، حيث تم اختيار منطقة قريبة من قرية بلعا بسبب تضاريسها الجبلية.
بعد ذلك تم تجميع تجميع الفلسطينية بقيادة فوزي القاوقجي في المنطقة، والذين وصل عددهم إلى 300 شخص من مختلف المدن الفلسطينية ودول الشام المجاورة.
مع توزيع المهام، حسب فرق الهجوم والدفاع، زيادة إلى التنسيق مع السكان المحليين لتقديم الدعم اللوجستي والمعلومات الاستخباراتية.
وعلى ضوء هذه الاستعدادات المكثفة، صدرت أوامر للجيش البريطاني بحماية قافلة صهيونية كانت تسير في نفس طريق المعركة، إذ خرجت لهذه الغاية 20 سيارة عسكرية بريطانية مصحوبة بالدبابات ومحملة بالجند، وطلب منها أن ترابط على الطريق بين طولكرم ونابلس للحفاظ على أمان القافلة الصهيونية، التي كانت تمر يوميا وتتعرض لعلميات مسلحة مباغتة من الثوار العرب.
قام الثوار بتثبيت الألغام في طريق الوحدة العسكرية البريطانية، وحين هرب الجنود مفزوعين من الانفجار، أطلق الثوار الرصاص عليهم، لتكون بداية لمعركة كبرى.
فقد كان الثوار يرابطون على جبلين متقابلين، وكان الجنود البريطانيين يحتمون بالسيارات وحواجز الأشجار وخلف الدبابات.
ووصلت في أثناء المعركة قوة عسكرية بريطانية من نابلس، ليصبح عدد الجنود يقارب 5 آلاف جندي، مع مشاركة 15 طائرة في المعركة، مقابل 300 شخص من المقاومة فقط.
استعمل الجيش البريطاني مدافع الميدان، الشيء الذي دفع بالقرويين بالمشاركة من أجل مساعدة المقاتلين العرب، حيث أُسقطت فيها طائرتين بريطانيتين، وأُحرقت اثنتان واستشهد نحو 16 من المجاهدين، كان من بينهم عدد من مقاتلي العراق والشام، وبحسب بعض المصادر الفلسطينية.
كما أسفرت هذه المعركة، التي انتهت بعد 10 ساعات من بدايتها، عن قتل 80 ضابطا وجنديا بريطانيا، مع إسقاط ثلاث طائرات وتعطيل طائرة رابعة.
بعد نهاية معركة بلعا، قررت الحكومة البريطانية اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وشدة في التعامل مع رجال المقاومة من أجل إعادة النظام حسب تقديرهم.
ومن بين هذه الإجراءات، كانت إعلان حالة الطوارئ وتعيين الجنرال جون ديل قائدا عاما للقوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن، وأرسلت إلى فلسطين تعزيزات كثيرة من الجنود والمعدات خلال تلك الفترة.
صحيفة فلسطين تكتب.. الثوار في مواجهة الجنود البريطانيين
في الصباح الموالي لمعركة بلعا، تم نشر مقال صحفي طويل من قبل صحيفة فلسطين، والتي اعتبرت أن هذه المعركة هي الأهم ضد اليهود والجنود البريطانيين.
وجاء في نص المقال: "أكبر معركة في تاريخ ثورة فلسطين الحالية، عدد كبير من الثوار يقوده فوزي بك القاوقجي القائد العسكري السوري المعروف".
فيما جاء بقية النص على الشكل التالي: "ما بزغت شمس هذا النهار حتى كانت الجبال تعج بالثوار الذين ألفوا جبهة حربية تمتد من نور شمس حتى شرق رامين، وقد لوحظ أن الثوار كانوا منظمين تنظيما عسكريا، إذ كانوا منقسمين إلى فرق هجوم وفرق دفاع ومرابطين في استحكاماتهم، ومعهم الأسلحة النارية والمدافع الرشاشة والبنادق السريعة الطلقات، وكان يقودهم البطل السوري المعروف القائد فوزي بك القاوقجي".
وأضاف: "ولما علمت السلطة بنبأ تجمع الثائرين، أرسلت إليهم قوة كبيرة من الجند مصحوبة بالدبابات والمدافع الثقيلة والرشاشات، وعند وصولها إلى مكانهم انصبت على الجند النيران كالمطر، واشتبك الفريقان في معركة هائلة جدا، تبادلت فيها إطلاق العيارات النارية بكثرة، ودوت فيها القنابل، وكانت الطائرات تلقي قنابلها على الثوار بشدة، فكنا نشاهد الدخان يتصاعد من الجبال إلى السماء ونسمع دوي القنابل وأزيز الرصاص من هنا، حتى حطمت قنابل المدافع أشجار الزيتون، وهشمت الصخور الكبيرة في الجبال، وقد اشتركت في القتال 15 طيارة ألقت على الثائرين القنابل بدون حساب، وكانت تأتي طورا إلى المدينة وتهبط في المطار لأخذ الذخيرة أو إصلاح ما طرأ عليها من عطب، أو تأتي لإعطاء الإشارات المختلفة للجند المرابط هنا".
ويتابع: "وكانت السيارات تروح وتغدو إلى مكان المعركة مليئة بالجند المسلح، كما كانت سيارات الإسعاف تذهب وتعود حاملة المصابين، وقد شاهد الأهالي الذين هرعوا إلى خارج البلدة وراقبوا حركة القتال من مكان شاهق أربع طائرات، سقطت إحداها في مكان المعركة واحترقت، وسقطت الثانية في جوار عنبتا واحترقت أيضا، وسقطت الثالثة في راس عامر، والرابعة في المطار، ويعزى سقوطها ـ كما قيل ـ إلى البنادق السريعة الطلقات التي استعملها الثوار ضدها، وقد نقلت طائرتان إلى مطار الرملة بعد تفكيكها."
نتائج المعركة وتأثيرها على المقاومة
أظهرت هذه المعركة قدرة المقاومة الفلسطينية على تنظيم هجمات كبيرة ضد القوات البريطانية، مع زيادة في ثقة المقاومين، الذين عملوا على تحقيق النصر.
كما أدت المعركة إلى زيادة الدعم الشعبي للمقاومة، حيث انضم المزيد من الشباب إلى صفوف المقاومين من مختلف أنحاء فلسطين والدول المجاورة، من بينها الأردن والعراق.
لكن في الوقت نفسه، أدت المعركة إلى تشديد السياسات البريطانية تجاه المقاومة الفلسطينية، مع بداية تنفيذ سياسات قمعية أكثر صرامة، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية والإعدامات.
وزادت التوترات بين القوات البريطانية وسكان فلسطين، وهو الذي زاد من التوترات الحاصلة في المنطقة، في الوقت الذي كانت فيه المستوطنات اليهودية تتوسع بشكل أكبر، إلى حدود سنة 1948، وهو تاريخ النكبة، وبداية الإحتلال الإسرائيلي.