لطالما ارتبطت علاقتُنا بالحيوانات الأليفة بمشاعر من الأُلفة والتفاهم العميق، حيثُ يشعرُ الكثيرون منا أن حيواناتهم الأليفة تمتلك قُدرةً على فهمهم عندما يتحدثون إليها أو يطلبون منها القيام بشيء معين.
فعندما نطلب من حيواناتنا الأليفة سواء كانت كلاباً أو قططاً أو طيوراً أداء مهمة محددة، مثل الجلوس، أو حتى الاستجابة لنداء معين، غالباً ما نلاحظ تجاوباً سريعاً أو حتى تفاعلاً قد يبدو وكأنه فهم حقيقي للطلب.
فهل تمتلكُ الحيوانات الأليفةُ حقاً قدرةً على فهمنا وهي تفهم مخاطبتنا لها كبشر؟ وأكثر من ذلك هل أنها بالفعل تُبادلنا الحوار بطريقتها الخاصّة عند الكلام معها؟
هل تفهم الحيوانات الأليفة حديثنا معها؟
بحسب ما حدّثنا موقع " psychology today" فإنّنا عندما نتحدث إلى الحيوانات الأليفة، نميل إلى استخدام طريقة كلام خاصة، تشبه تلك التي نستخدمها عند التحدث إلى الأطفال الرضع. هذه الطريقة، التي تُعرف بـ "الحديث الموجه إلى الأطفال" (IDS)، تشمل أصواتاً عالية التردد وحروف العلّة المبالغ فيها، بالإضافة إلى مشاعر وتكرار مبالغ فيه. هذا النمط من الحديث يساعدُ الأطفال على تعلم اللغة والتواصل مع من يرعونهم، وقد لاحظنا أيضاً أنه ينطبق عند حديثنا مع حيواناتنا الأليفة.
الكلاب والقطط تتواصل معنا بشكل مختلف
- التواصل عبر الصوت واللمس:
تستخدمُ الكلابُ والقططُ طرقاً مختلفة للتواصل مع البشر. الكلاب، التي تم تدجينها منذ حوالي 15,000 عاماً، تعتمد على الأصوات للتواصل بفعالية، وتستخدم نباحاً مختلفاً للإشارة إلى مشاعر مختلفة، مثل العدوان أو الخوف.
في المقابل، القططُ التي انضمّت إلى حياة البشر منذ حوالي 10,000 عاماً، تُعرف بأنها أقل اجتماعية، وتفضل الصيد بمفردها، ما يؤثر على طريقة تواصلها مع البشر. القطط تستخدم طرقًا غير صوتية مثل "الغمزة البطيئة" للتعبير عن مشاعرها تجاه البشر.
- التواصل باللمس والرائحة:
تستجيبُ الكلاب والقطط للحالة العاطفية للإنسان من خلال اللمس. الكلاب تستخدم اللمس للتعبير عن المودة، بينما القطط قد تستخدم نطحة رأس لطيفة كوسيلة للترابط أو للإشارة إلى رغبتها في الاهتمام. إضافة إلى ذلك، تستخدم الحيوانات الأليفة علامات الرائحة لتحديد منطقتها والتعرف على من حولها.
- التواصل بالعين
تُشارك الكلاب في تبادل النظرات مع البشر كوسيلة للتواصل وتكوين روابط اجتماعية، حيث ينظرون إلى الشيء، ثم إلى الإنسان، ثم يعودون إلى الشيء لنقل الرسالة المناسبة. هذه النظرة المشتركة تساهم في إفراز الأوكسيتوسين، ما يعزز العلاقة بين الإنسان والحيوان.
في المقابل، القططُ لا تشارك في تبادل النظرات بنفس الطريقة، وقد تتجنب النظرات المباشرة لأنها تعتبرها تهديداً اجتماعياً. بدلاً من ذلك، تستخدم القطط "الغمزة البطيئة" كوسيلة للتواصل مع البشر، ما يشير إلى أنها تشعر بالهدوء والاسترخاء في وجودك.
كلابنا تفهم كلماتنا بشكل أفضل مما نعتقد
أظهرت دراسة حديثة نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية أن كلابنا قد تكون أكثر إدراكاً لكلماتنا مما كنا نعتقد، وقد تمّ إثبات أن الكلاب لا تتعرف فقط على أنماط الصوت بل أنها تُدرك أيضاً المعاني الخاصة لبعض الكلمات.
وقام الباحثون خلال الدراسة بوضع أقطاب كهربائية على رؤوس 18 كلباً لمراقبة نشاط أدمغتهم أثناء سماع كلمات مألوفة. تمت التجربة بربط الأقطاب برؤوس الكلاب ثم تشغيل تسجيلات لأصحابها وهم يتحدثون باستخدام جمل بسيطة مثل "لونا، ها هي الكرة". بعد ذلك، يظهر المالك خلف نافذة يحمل الشيء المذكور في الجملة أحياناً، وأحياناً لا يحمله.
وأظهرت النتائج أن نشاط الدماغ في الكلاب أظهر نمطًا مميزاً عندما كان هناك تطابق بين الكلمة والشيء، مقارنةً بحالات عدم التطابق. عندما سمع الكلب كلمة تتطابق مع الشيء الذي رآه، انخفضت إشارات الموجة بشكل ملحوظ، ما يدل على أن الدماغ كان يتوقع رؤية الشيء المحدد. هذا النمط مشابه للفرق الذي نراه في تخطيط كهربية الدماغ لدى البشر عند سماع كلمات غير مناسبة.
وتدعم هذه النتائج فرضية أن الكلاب قادرة على فهم العلاقة بين الكلمات والأشياء المحددة، ما يشير إلى مستوى متقدم من الإدراك اللغوي لدى هذه الحيوانات، وهو ما يُوضّح أن الكلاب تتفاعل مع الكلمات بنفس الطريقة التي نتوقعها من البشر عندما يسمعون كلمات غير متوقعة.
الخيول لديها القدرة على التخطيط الاستراتيجي والتكيف
وفي حين أنه لطالما كان يُعتقد أن الحيوانات تعتمد على ردود فعل فورية للأحداث من حولها، لكن الأبحاث الحديثة تكشف أن العديد من الحيوانات، بما في ذلك الخيول، تمتلك قدرات معرفية أعمق مما كنا نتخيله.
فقد أظهرت دراسة جديدة أن الخيول، على سبيل المثال، تتمتع بقدرة على التخطيط الاستراتيجي والتكيف مع المواقف المعقدة في لعبة تعتمد على المكافآت.
وشملت الدراسة المذكورة 20 حصاناً تم تدريبهم على لعبة تعتمد على المكافآت لتحديد مدى قدرتهم على التكيف مع قواعد متغيرة. في المرحلة الأولى من الدراسة، تم مكافأة الخيول عند لمس قطعة من الورق بأنوفها. في المرحلة الثانية، تم إدخال "إشارة التوقف"، حيث تم تعديل القاعدة بحيث يُمنح المكافأة فقط إذا لمسوا البطاقة أثناء إطفاء الإشارة.
رغم إدخال القاعدة الجديدة، لم يتغير سلوك الخيول بشكل ملحوظ، حيث استمرت في لمس البطاقة بغض النظر عن حالة الإشارة. ومع ذلك، في المرحلة النهائية، حيث تم تقديم عقوبة مهلة زمنية مدتها 10 ثوانٍ للمس البطاقة أثناء تشغيل إشارة التوقف، لوحظ أن الخيول بدأت في تعديل سلوكها بسرعة لتجنب العقوبة.
وأشارت الباحثة الرئيسية في الدراسة لويز إيفانز إلى أن سرعة التكيف التي أظهرتها الخيول عندما أصبح هناك ثمن للخطأ كانت مفاجئة، وأوضحت أن هذا التكيف السريع يشير إلى أن الخيول كانت تفهم قاعدة إشارة التوقف طوال الوقت، ولكن لم يكن لديها دافع للالتزام بها إلا عندما أصبحت هناك عواقب.
وأكّدت الدكتورة كاري إيجيشي، الباحثة البارزة في مجال الخيول أن الدراسة التي نشرت في دورية "علوم سلوك الحيوان التطبيقية" تشيرُ إلى أن الخيول تمتلك قدرات معرفية أكثر تقدماً مما كان يُعتقد سابقاً. وأضافت: "هذا يعلّمنا أنه لا ينبغي علينا افتراض ذكاء الحيوانات بناءً على تشابهها مع البشر في بنيتها، بل يجب تقييمها بناءً على سلوكها واستجابتها للتحديات".