تواجه الصين أزمة ديموغرافية وشيكة. فبعد عقود من سياسات مراقبة السكان الصارمة، انخفض معدل المواليد في البلاد إلى مستويات منخفضة بشكل مقلق. في عام 2022، سجلت الصين أول انخفاض في عدد السكان منذ أكثر من 60 عاماً، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر. ويبلغ معدل الخصوبة الإجمالي في البلاد -متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها- 1.2 فقط، وهو أحد أدنى المعدلات في العالم. بالمقارنة، فإن معدل الاستبدال اللازم للحفاظ على استقرار السكان يبلغ نحو 2.1.
هذا الانخفاض الكبير في المواليد هو نتيجة لسياسة الطفل الواحد في الصين، والتي كانت سارية من عام 1979 إلى عام 2015. وكانت هذه السياسة، التي حددت لمعظم الأزواج في المناطق الحضرية إنجاب طفل واحد فقط، قد تم تقديمها في البداية للحد من النمو السكاني المتزايد في البلاد. ومع ذلك، فقد كان لها عواقب وخيمة غير مقصودة، مما أدى إلى شيخوخة السكان بسرعة و اختلال حاد في التوازن بين الجنسين بسبب التفضيل الثقافي للأطفال الذكور.
مع تقلص عدد السكان في سن العمل وارتفاع نسبة إعالة المسنين، تواجه الصين احتمال تقلص القوى العاملة مما يضغط على نظام الرعاية الاجتماعية والركود الاقتصادي. وقد أدركت الحكومة إلحاح هذا التحدي الديموغرافي واتخذت خطوات لتشجيع ارتفاع معدلات المواليد، بما في ذلك تخفيف سياسة الطفل الواحد وتقديم حوافز مختلفة للأسر.
في عام 2016، تخلت الصين عن سياسة الطفل الواحد لصالح سياسة طفلين، وفي عام 2021، خففت السياسة للسماح للأزواج بإنجاب ما يصل إلى ثلاثة أطفال. ومع ذلك، فإن هذه التغييرات في السياسة لم تترجم بعد إلى زيادة كبيرة في معدل المواليد.
و لمعالجة هذه المشكلة، نفذت الحكومة الصينية مجموعة من التدابير لتشجيع الزواج والإنجاب. وتشمل هذه التدابير ما يلي:
الحوافز المالية: قدمت الحكومات المحلية في جميع أنحاء الصين حوافز مالية مختلفة للأسر التي لديها أطفال متعددون. على سبيل المثال، تقدم مدينة شنتشن منحة نقدية قدرها 19 ألف يوان (حوالي 2825 دولارا أمريكياً) للأسر التي لديها طفل ثالث حتى يبلغ سن الثالثة. وتقدم مدن أخرى، مثل ويفانغ و جينغدتشن، التعليم الثانوي المجاني أو إعانات الإسكان للعائلات التي لديها طفلان أو أكثر.
المرونة في مكان العمل: شجعت الحكومة أصحاب العمل على تقديم ترتيبات عمل مرنة، مثل خيار العمل من المنزل للموظفين الذين لديهم أطفال. ويهدف هذا إلى التسهيل على الوالدين، وخاصة الأمهات، تحقيق التوازن بين العمل ومسؤوليات الأسرة.
المساعدة الإنجابية: اقترح المستشارون السياسيون للحكومة أن النساء العازبات وغير المتزوجات يجب أن يحصلن على علاجات تجميد البويضات و التخصيب في المختبر (IVF)، والتي كانت تقتصر في السابق على المتزوجين.
الحملات الثقافية: تطلق جمعية تنظيم الأسرة الصينية، وهي هيئة وطنية تنفذ تدابير الحكومة المتعلقة بالسكان والخصوبة، مشاريع تجريبية في أكثر من 20 مدينة لتعزيز "عصر جديد" من ثقافة الزواج والإنجاب. وتهدف هذه الحملات إلى تشجيع الشباب على الزواج وإنجاب الأطفال، فضلاً عن معالجة العادات القديمة، مثل "مهر العروس" المرتفع (المهر الذي تدفعه عائلة العريس لعائلة العروس).
في حين أن الجهود التي تبذلها الحكومة لتعزيز معدل المواليد أمر مفهوم، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة وتعرضت لانتقادات من مختلف الأطراف.
تغيير المعايير الاجتماعية: يؤجل العديد من الشباب الصينيين، وخاصة في المناطق الحضرية، الزواج والإنجاب أو يختارون البقاء عازبين تماماً. هذا التحول في الأعراف الاجتماعية مدفوع بعوامل مثل زيادة الفرص التعليمية والوظيفية للمرأة، وارتفاع تكلفة المعيشة، والتفضيل المتزايد للحرية الفردية وتحقيق الذات.
النغمات القسرية: تعرضت بعض مبادرات الحكومة، مثل مطالبة السلطات المحلية بـ"الدعوة إلى الزواج والولادة في سن مناسبة"، لانتقادات بسبب وجود مسحة قسرية. وهناك مخاوف من أن هذه التدابير يمكن أن تنتهك الحقوق الفردية والاستقلال الذاتي، ولا سيما بالنسبة للنساء، اللواتي قد يشعرن بالضغط من أجل الامتثال لأهداف الحكومة المنشودة في مجال تنظيم الأسرة.
عدم المساواة بين الجنسين: ساهمت سياسة الطفل الواحد في الصين وما نتج عنها من اختلال التوازن بين الجنسين في تشييء المرأة وتسليع الزواج. وتعرضت جهود الحكومة الرامية إلى تشجيع الزواج والإنجاب لانتقادات بسبب تعزيزها للأدوار الجنسانية التقليدية وإدامة الاعتقاد بأن القيمة الأساسية للمرأة تكمن في قدرتها على إنجاب الأطفال.
عدم وجود دعم شامل: في حين أن الحكومة قد قدمت حوافز مختلفة، يجادل النقاد بأن هذه التدابير ليست كافية لمعالجة التحديات الأساسية التي تواجهها الأسر، مثل ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال، وعدم وجود سكن ميسور التكلفة واستمرار عدم المساواة بين الجنسين في مكان العمل.
إن الجهود التي تبذلها الصين لتشجيع شبابها على الزواج وإنجاب المزيد من الأطفال هي استجابة للتحدي الديموغرافي الملح الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وفي حين تهدف مبادرات الحكومة، بما في ذلك الحوافز المالية والحملات الثقافية، إلى تعزيز معدل المواليد، فإنها واجهت تحديات كبيرة وأثارت انتقادات بسبب دلالاتها القسرية وتأثيرها المحتمل على الحقوق الفردية والمساواة بين الجنسين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.