لماذا نكره الكد والتعب ونميل إلى الراحة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/30 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/30 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش

أخذت لمحة على الناس فوجدتهم يعشقون الراحة، يعشقون النوم وتناول الطعام، لكن من أين ممكن أن يأتي النوم على سرير مريح، أو طعام لذيذ بدون تعبٍ أو كلل؟ وهل هذا الإختيار قابل للتتنفيذ؟

إن سنن الحياة ثابتة، فلقد خلق الله الأرض وخلق الكائنات عليها، ووضع قوانين لا تتغير مع مرور الأزمنة، فالإنسان على سبيل المثال لديه خيارين لكي يملأ جوفه ولا يموت، فالخيار الأول هو أن يصطاد من الحيوانات التي تعيش على اليابسة أو التي تعيش في أعماق البحار، أما الخيار الثاني هو الزراعة والحصاد، فكلا الخيارين يجمعهما العمل والتعب، فالطعام رزق، والرزق يحتاج إلى سعي، فالسعي سنة من سنن الله في الكون، فهي معادلة بسيطة كونية، السعي يؤدي إلى الرزق، فالله الرزاق يقدر على أن يرزق الإنسان بلا تعب أو إرهاق، لكن الله يعلمنا ويربينا على أن بعض المجهود واجب لأن يأتي هذا الرزق المنشود، فالله عادل، لن يساوي من اجتهد بمن لم يقُم من مكانه وتحرك، فكما قلنا هي سنن الله في الأرض، وحكمة الله في أفعاله تستوجب التسليم والانصياع.

فالتعب سنة فرضت على الإنسان إلى يوم القيامة، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، فالتعب ليس شيئًا سيئًا في مجمله، بل هو شعور ذو وجهين، وجه يأتي بعده الراحة والسكينة، والوجه الآخر يأتي بالأمراض والانكسار، فالوجه الأول هو الوجه الأجمل حيث يأتي على سبيل المثال بعد تعب العمل أو المذاكرة راحة اكتساب الأموال واستخدامها في متعة الفرد ومن حوله، والمذاكرة أيضًا تأتي الراحة بعد ظهور نتيجة النجاح والشعور بالفخر.

أما الوجه الآخر من التعب أنه يأتي بعدهُ ما هو أشد تعبًا وجهدًا، حيث ترى حينها أن هذا النوع من التعب أغلبه نفسي أو عاطفي ولا يستطيع هذا الشخص الذي يمر بتلك المأساة التخطي، فينقلب حاله إلى الأسوأ، ويمر بمراحل من الممكن أن تصل إلى الانتحار، أما على الجانب المادي التعب يكون مؤلمًا أكثر عندما يعمل الفرد وظيفة لا تكفي احتياجاته الفردية والأسرية، فيشعر بالقهر والذل، وينقلب التعب إلى معاناة ما بعدها معاناة.

فالتعب، كما ذكرنا في السطور السابقة، ينقسم إلى تعب مادي وعاطفي، فكلاهما تعب، لكن النفسي أشد وأعلى، لأنه بكل بساطة يمكن للتعب المادي أن ينقضي بالسعي في أكثر من طريق لكسب القوت اليومي، أما التعب العاطفي والنفسي من الصعب التخلص منه، فهو يحتاج لمجهود خارجي وداخلي، مجهود خارجي حيث يحتاج لمُعين لنزع الشخص من معاناته اليومية، عن طريق طبيب نفسي أو أخصائي نفسي متخصص، فيجلس جلسات نفسية متتالية، وربما في بعض الأحيان يضطر لأخذ أدوية لتخفف هذا الألم النفسي، فالأمر ليس سهلًا كما يتهيأ للبعض، فالتخلص من تلك الآلام تكون شديدة على صدر الإنسان، بالأخص عندما يكون الكبت طويل الأمد، ويصل إلى ما هو أكبر من طاقة تحمل الإنسان، فالإنسان ليس آلة لتحمل ضغوط لا يطيقها، بل هو ذو جسد وروح تحتاج أن ترتاح على فترات متباعدة، أعلم أن بعض الأشخاص لا يمكن فهم تلك المشاعر ومراعاة الآخرين، لكني أتكلم مع من يشعرون وما زال لديهم قلب ينبض.

في نهاية حديثي أريد أن أقول إن التعب هو أمر حتمي على كل إنسان، أكان تعبًا جسديًا أو نفسيًا، فعلى الفرد تحمل بعض التعب ليلبي مسؤولياته واحتياجاته، وعلى الجانب الآخر لا يصل الأمر إلى إهلاك الجسد والنفس ودمارها، بل يكون الأمر متوازنًا بين التعب والراحة، وألا يعمل الشخص عملًا فوق طاقته، لكي لا ينقلب الأمر إلى ضده، فخذ راحة ولا تنتظر!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر هشام مغربي
كاتب مصري
مهندس وكاتب مصري، له العديد من المقالات والقصص المنشورة. من أعماله "أذنبت مرة أخرى".
تحميل المزيد