استشهد 54 فلسطينياً وأصيب عشرات آخرون، منذ ساعات صباح السبت 27 يوليو/ تموز 2024، في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى داخل مدرسة تؤوي نازحين، ومناطق أخرى زعم الاحتلال أنها "إنسانية آمنة" في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
حيث قال جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في غزة: "الاحتلال استهدف مدرسة تؤوي أكثر من 4000 نازح في دير البلح"، مشيراً إلى أن "العائلات النازحة التي كانت موجودة داخل المدرسة أصبحت بلا مأوى".
فيما قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة: "المنطقة المستهدفة تأتي ضمن المناطق الإنسانية التي حددها الجيش الإسرائيلي، ودعا المواطنين للتوجه إليها".
وأضاف: "تم إبلاغ الاحتلال سابقا (عبر جهات لم يذكرها) أن المكان عبارة عن مستشفى ميداني، وأن لديه (الجيش الإسرائيلي) معلومات كاملة بأن هذا المكان يقدم الخدمات الطبية للجرحى والمرضى".
نزوح جديد
ومنذ ساعات الصباح، استهدف الجيش الإسرائيلي عبر طائراته وأسلحته الرشاشة نازحين وتجمعات لمدنيين ومنازل في مناطق شرق مدينة خان يونس وغربها.
والسبت، قلص الجيش الإسرائيلي، للمرة الثانية خلال أسبوع المنطقة التي زعم أنها "إنسانية" في مناطق غرب وجنوب مدينة خان يونس، وذلك بإصدار أوامر إخلاء جديدة تجبر آلاف الفلسطينيين على النزوح القسري مجدداً من أماكن إقامتهم، نحو ما وصفه بأنه "منطقة إنسانية مستحدثة".
والاثنين، قلص الجيش الإسرائيلي المنطقة التي زعم أنها إنسانية بإصدار أوامر إخلاء تطالب سكان الأحياء الشرقية لخان يونس بالإخلاء الفوري سبقها بهجوم جوي ومدفعي وتوغل بري مفاجئ ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
وخلال الأشهر الماضية، طالب الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بترك أماكن إقامتهم والتوجه إلى هذه الأحياء جنوبي القطاع، بزعم أنها إنسانية وآمنة.
وفجر السبت، أطلقت آليات إسرائيلية نيران أسلحتها الرشاشة صوب خيام النازحين في المناطق الجنوبية من مدينة خان يونس.
وتفتقر المنطقة التي يزعم الجيش أنها إنسانية ويجبر الفلسطينيين على التوجه إليها، إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية فضلا عن اكتظاظها بالنازحين.
ومع صدور أوامر الإخلاء، شهدت مناطق غرب وجنوب خان يونس، حركة نزوح كبيرة من قبل المواطنين إلى المناطق الغربية وسط قطاع غزة.
وكان الجيش الإسرائيلي قد صنف المناطق الممتدة من غرب شارع صلاح الدين (شرق المدينة) وحتى البحر في خان يونس، ضمن "المناطق الآمنة".
ووفق آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي، فإن عدد النازحين في قطاع غزة بلغ نحو مليوني فلسطيني، بينهم 1.7 مليون يعيشون في منطقة المواصي غرب جنوب القطاع بظروف معيشية مروعة، وفق بيان سابق لمنظمة المساعدة الإنسانية الدولية "أوكسفام".
مستشفى ميداني
وفي داخل قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى "شهداء الأقصى" شرق مدينة دير البلح، يستلقي المسن الفلسطيني أشرف فايد (59 عاما) على الأرض بعد إصابته بحروق في غارات إسرائيلية استهدفت المستشفى الميداني داخل مدرسة "السيدة خديجة" غرب المدينة.
وينتظر المصاب فايد دوره في تلقي رعاية طبية داخل المستشفى المكتظ بجرحى ومصابين مجزرة إسرائيلية جديدة في دير البلح، في ظل واقع صحي صعب في المستشفى نتيجة نقص الأسرة والمستلزمات الطبية والأدوية.
وداخل المستشفى المكتظ، تتوزع الإصابات في مختلف الأماكن بعد القصف الإسرائيلي، حيث تتناثر الدماء في كل زاوية، ويقضي ذوو المصابين أوقاتا عصيبة في انتظار تلقي العلاج للجرحى وتكفين الشهداء.
وقال المسن فايد، وهو يعتصر ألماً من شدة الحروق التي أصيب بها: "كنت أجلس مع ابنتي داخل المدرسة، وفجأة وقع انفجار كبير، وتطايرت الشظايا والحجارة وألسنة اللهب باتجاهنا".
وأضاف: "ثلاثة صواريخ سقطت على المستشفى الميداني داخل المدرسة، مما تسبب باستشهاد وإصابة العشرات، تم نقلنا إلى المستشفى بواسطة سيارات مدنية وعربات لتلقي العلاج".
ويبين فايد أن "القصف الإسرائيلي تسبب في إصابتي بحروق في أنحاء جسدي وبعض الجروح، ناهيك عن آلام في مختلف أجزاء الجسم".
كما يجلس الشاب الفلسطيني باسل أبو كميل (32 عاما) الذي نجا من القصف على الأرض في ساحة المستشفى، بجوار جثمان شقيقه محمد الذي استشهد في المجزرة، وتظهر على وجهه ملامح الحزن والألم، وقد غمرته الدموع وهو ينظر إلى شقيقه الملطخ بالدماء.
وقال أبو كميل: "كنت جالساً في المستشفى الميداني مع أخي محمد، الذي أصيب في قصف إسرائيلي سابق أسفر في حينه عن استشهاد عائلته بالكامل وإصابته، وفجأة، قصفت الطائرات المستشفى بشكل وحشي".
وأضاف أبو كميل أن "الاستهداف الإسرائيلي استهدف الغرف التي كان يوجد فيها المصابون من غارات إسرائيلية سابقة، والذين كانوا يتلقون الرعاية الطبية فيها".
من جانبه، قال المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، خليل الدقران: "الوضع داخل مستشفى شهداء الأقصى صعب للغاية بسبب الأعداد الكبيرة للضحايا، ولا سيما المصابين".
وأضاف الدقران: "أكثر من 60 بالمئة من الإصابات التي وصلت إلى مستشفى شهداء الأقصى نتيجة المجزرة الإسرائيلية الجديدة هي إصابات خطيرة، وبحاجة إلى عمليات عاجلة".
ويبين أن "المستشفى ممتلئ عن بكرة أبيه بالجرحى والمصابين، وعدد كبير منهم ملقى على الأرض في مداخل قسم الاستقبال والطوارئ في ظروف سيئة".
ويرجع الدقران ذلك إلى عدم وجود أدوية ومستلزمات طبية وسعى سريرية كافية داخل المستشفى.
وتابع: "نحن نعاني في المستشفى من أزمة حقيقية تتطلب من العالم أجمع التدخل الفوري لإنقاذ الوضع، خاصة أن الاحتلال ما يزال مستمراً في ارتكاب المجازر ضد المدنيين في القطاع".
وتُصنّف المنطقة التي استهدفها الجيش الإسرائيلي ضمن المناطق "الإنسانية" في غرب مدينة دير البلح، حيث سبق وأن دعا المواطنين للنزوح إليها.
وسبق أن استهدف الجيش الإسرائيلي مناطق "آمنة" في القطاع، حيث قتل وأصاب مئات الفلسطينيين كان آخرهم "مجزرة المواصي" بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة في 13 يوليو/ تموز، ما تسبب بموجة استنكار وتنديد واسعة النطاق.
وعمد الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة إلى استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، وأخرج معظمها عن الخدمة، لا سيما مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة، أهم صرح طبي في القطاع، ما عرّض حياة المرضى والجرحى للخطر، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على غزة بدعم أمريكي، خلفت أكثر من 129 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وتواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.