حصل "عربي بوست" على بيانات توضح كيف وصل ميناء إيلات الإسرائيلي الاستراتيجي، إلى حافة الانهيار والإفلاس، وكيف خسر نحو 85% من نشاطه، إثر استهداف "الحوثيين" في اليمن للسفن الإسرائيلية أو المتوجهة لإسرائيل في البحر الأحمر، كرد على حرب الاحتلال على غزة، وتقدم البيانات نموذجاً عن خسائر اقتصادية كبيرة لحقت بإسرائيل خلال فترة الحرب.
البيانات صادرة عن "هيئة الموانئ والشحن" الإسرائيلية، وتتضمن تفاصيل بالأرقام حول نشاط الموانئ الإسرائيلية منذ العام 2010، وحتى منتصف العام 2024، وتوضح كيف أثر تحييد نشاط ميناء إيلات على التجارة البحرية لإسرائيل.
كان موقع World cargo الذي يرصد نشاط الشحن بالعالم، قد ذكر يوم 12 يوليو/ تموز 2024، أن ميناء إيلات أعلن إفلاسه، وعلى الرغم من أن الميناء لم يعلن ذلك رسمياً، إلا أن البيانات تظهر كيف يتجه الميناء نحو الهاوية.
ويُعد ميناء إيلات، أحد أهم الموانئ بالنسبة للاحتلال، فهو الميناء الإسرائيلي الوحيد المطل على البحر الأحمر، ويمثل بوابة رئيسية للتجارة مع آسيا وإفريقيا، ويوفر الميناء لإسرائيل منفذاً إلى دول الشرق، دون الحاجة إلى قناة السويس.
ميناء إيلات الإسرائيلي يسجل أسوأ أداء منذ عقد
بدأ الانهيار في نشاط حركة البضائع (حركة الشحن) في ميناء إيلات، مع بداية الربع الأخير من العام 2023 (أشهر أكتوبر، ونوفمبر، وديسمبر)، وصولاً إلى الأشهر الـ6 الأولى من العام 2024، ويقصد بحركة البضائع، هي الشحنات التي تم تفريغها في الميناء، وتلك التي تم تحميلها منه إلى السفن.
وخلال الفترة المذكورة، سجل الميناء أسوأ رقم له منذ 10 سنوات من حيث نشاط حركة البضائع، إذ تظهر البيانات، أنه:
– خلال العام 2014، وصل نشاط حركة البضائع في ميناء إيلات إلى 2 مليون و310 آلاف طن، لكنه بلغ في العام 2024 (حتى شهر حزيران)، 354 ألف طن فقط، أي أن الميناء خسر نحو 85% من نشاطه في حركة البضائع.
– وسجل الميناء خلال أشهر أكتوبر، ونوفمبر، وديسمبر 2023 بداية الانخفاض الملحوظ في نشاطه، وأصبح شبه مغلق بعدما بدأ الحوثيون في نوفمبر 2023 بضرب السفن بالبحر الأحمر، وفي هذه الأشهر الثلاث:
– وصل نشاط حركة البضائع في ميناء إيلات إلى 438 ألف طن، فيما كان نشاط البضائع في الميناء خلال الربع الثالث من 2023، قد سجّل 539 ألف طن.
وبحسب البيانات التي توصل إليها "عربي بوست"، فإن كمية الشحنات الواصلة لميناء إيلات، والخارجة منه في الـ6 أشهر الأولى من العام 2024، ومقارنتها بنفس الفترة من العام 2023، تظهر ما يلي:
– انخفضت نسبة الشحنات الواصلة للميناء خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2024، بنسبة 85%، مقارنة مع نفس الفترة من 2023.
– انخفضت نسبة الشحنات الخارجة من الميناء خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2024، بنسبة 54.3%، مقارنة مع نفس الفترة من العام 2023.
السيارات المستوردة لم تعد تصل إلى ميناء إيلات
ويُعد ميناء إيلات، من بين أهم الوجهات التي تصل إليها السيارات المستوردة إلى الأراضي المحتلة، وبحسب البيانات، فإن ميناء إيلات هو ثاني أكثر ميناء في إسرائيل استقبالاً للسيارات الواردة منذ العام 2010 وحتى العام 2024.
وتظهر الأرقام الرسمية، أن ميناء إيلات استقبل من 2010 وحتى 2023، 1.55 مليون سيارة، أي بزيادة نحو 3 أضعاف ما استقبله ميناء حيفا خلال نفس الفترة: 517 ألف سيارة، في حين أن الميناء الأكثر استقبالاً للسيارات هو أشدود: 1.98 مليون سيارة.
لكن ومع الإغلاق شبه الكامل للميناء بسبب ضربات الحوثيين، فإنه منذ بداية 2024 وحتى يونيو/ حزيران من العام نفسه، لم تصل ولا سيارة واحدة إلى الميناء، بحسب ما تظهره البيانات، في حين أنه خلال نفس الفترة من العام 2023 وصل للميناء 93,774 سيارة.
وبالمجمل، سجل العام 2023 ثاني أكبر رقم لوصول السيارات إلى ميناء إيلات منذ العام 2010، فخلال 2023 دخل الميناء 149,475 سيارة.
في مؤشر آخر على حجم الأزمة التي تواجهها إسرائيل بسبب توقف وصول السيارات إلى ميناء إيلات، أجرينا مقارنة بين عدد السيارات الواصلة لجميع الموانئ الإسرائيلية خلال الأشهر الـ6 الأولى من العام 2023، وبين عدد السيارات الواصلة لجميع الموانئ خلال نفس الفترة من العام 2024، وتبين ما يلي:
– منذ بداية العام 2023 وحتى شهر يونيو من العام نفسه، وصلت إلى جميع الموانئ الإسرائيلية: 413,744 سيارة.
– منذ بداية العام 2024، وحتى شهر يونيو من العام نفسه، وصلت إلى جميع الموانئ الإسرائيلية: 196,584 سيارة، أي أن توقف ميناء إيلات عن استقبال السيارات، تسبب في انخفاض وصول السيارات لإسرائيل، بنسبة 52.4%.
ومع انهيار نشاط ميناء إيلات في استقبال السيارات منذ بداية العام 2024، توقعت إسرائيل أن تواجه أزمة ناجمة عن نقص السيارات خلال هذا العام، كما توقعت تقارير إسرائيلية أن تشهد إسرائيل ارتفاعاً في الأسعار، أحد أسبابه النقص الذي أحدثه توقف وصول السيارات إلى إيلات بسبب هجمات الحوثيين.
كيف أضرت هجمات الحوثيين بميناء إيلات؟
انعزل ميناء إيلات الإسرائيلي تدريجياً عن حركة التجارة البحرية، ابتداءً من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وذلك بعدما صعّد الحوثيون من مهاجمة السفن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل، في خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر.
وتُشير بيانات "مجموعة النزاع المسلح"، إلى أنه منذ نوفمبر 2023، وحتى 17 يوليو/ تموز 2024، وقع 111 هجوم في باب المندب، و البحر الأحمر، وخليج عدن.
وشهد شهر نوفمبر 2023، ثاني أعلى معدل لاستهداف السفن بـ 18 هجوماً، أما الشهر الأكثر تسجيلاً للهجمات حتى الآن فكان يونيو 2024، بـ 22 هجوماً.
الهجوم الأبرز الذي شنه الحوثيون في بداية استهدافهم للسفن في البحر الأحمر، حدث يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، عندما استولى مقاتلو الجماعة اليمنية على سفينة "غلاكسي ريدر" التجارية في البحر الأحمر، وقال الحوثيون حينها إن "السفينة إسرائيلية"، ثم توالت الهجمات.
وتُشير البيانات الإسرائيلية عن حركة النشاط في الموانئ الإسرائيلية، إلى أنه بالتزامن مع تصاعد استهداف الحوثيين للسفن في الربع الأخير من العام 2023، كان ميناء إيلات يسجل انهياراً متزايداً في نشاطه، ولا يزال الانهيار مستمراً حتى تاريخ اليوم 20 يوليو/ تموز 2024.
ونتيجة للمخاطر في مياه البحر الأحمر، لم تعد السفن تتجه نحو ميناء إيلات أو ترسو فيه خشية استهدافها، وكان الميناء يستقبل السفن التي تتحرك بين آسيا وإسرائيل، والتي بات عليها أن تسلك طريقاً أطول للوصول إلى البحر المتوسط.
هذا الطريق يتطلب الآن الالتفاف حول الطرف الجنوبي لقارة إفريقيا مروراً برأس الرجاء الصالح، وصولاً إلى مضيق جبل طارق، الذي من خلاله تدخل السفن إلى مياه البحر المتوسط وصولاً إلى مينائي حيفا وأشدود الإسرائيليين.
إلا أن هذا الطريق البديل عن البحر الأحمر وقناة السويس (تربط بين البحر الأحمر والمتوسط)، يُعد أكثر تكلفة، كما أنه يطيل الرحلات لمدة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع.
وقبل أن يبدأ الحوثيون استهدافهم للسفن، كان يمر عبر البحر الأحمر ما بين 13 إلى 15% من حجم التجارة العالمية، فيما كان يمر يومياً عبر مضيق باب المندب (أحد أهم الممرات المائية بالعالم) قرابة 10% من النفط المنقول بحراً، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
شبح الإفلاس يهدد ميناء إيلات
ومع التوقف شبه الكلي لنشاط ميناء إيلات بسبب ضربات الحوثيين، بات نحو 50 إلى 60% من موظفيه، مهددين بالتسريح من أعمالهم، بحسب ما أكده رئيس مجلس إدارة الميناء ومالكه، آفي هورميرو، في رسالة وجهها إلى وزيرة المواصلات الإسرائيلية، ميري ريغيف، وفقاً لما ذكرته صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، يوم 17 يوليو/ تموز 2024.
يبلغ عدد موظفي ميناء إيلات 170، وتتحمل إدارة الميناء عبء تأمين رواتب الموظفين إضافة إلى أعباء مالية أخرى، وقال جدعون غولبر، الرئيس التنفيذي لميناء إيلات في مارس 2024، إن نفقات الميناء تتراوح بين 1.6 مليون إلى 2.7 مليون دولار شهرياً، بينما الدخل يقترب من الصفر.
على إثر الأزمة الحادة لميناء إيلات، طلب غولبر مساعدات مالية من الحكومة الإسرائيلية لتغطية نفقات الميناء وتجنب الإغلاق النهائي.
ولا توجد مؤشرات، تدل على أن العديد من شركات الشحن سوف تغامر في المرحلة الحالية أو المقبلة، لتوجيه سفنها نحو البحر الأحمر، حتى وإن كان ثمن ذلك مزيداً من التكاليف، والوقت المستغرق لوصول السفن لوجهتها.
عملية "حارس الازدهار" لم توقف استهداف السفن
لم تثر استهدافات "الحوثيين" للسفن في البحر الأحمر مخاوف إسرائيل فحسب، بل أثارت أيضاً قلقاً عالمياً بسبب تأثير الهجمات على أحد أهم ممرات التجارة في العالم، ما دفع أمريكا في ديسمبر/ كانون الأول 2023، إلى الإعلان عن تحالف متعدد الجنسيات، أطلقت عليه اسم "حارس الازدهار".
المهمة الرئيسية للتحالف التصدي لاستهداف الحوثيين للسفن، ومنذ مطلع العام 2024، شن التحالف غارات قال إنها تستهدف "مواقع للحوثيين" في مناطق مختلفة من اليمن، رداً على هجماتها في البحر الأحمر.
استدعت هذه الضربات لـ"الحوثيين" تصعيداً من الجماعة اليمنية، والتي أعلنت أنها باتت تعتبر السفن الأمريكية والبريطانية كافة ضمن أهدافها العسكرية، إضافة إلى توسيع هجماتها إلى السفن المارة بالبحر العربي والمحيط الهندي.
وعلى الرغم من مضي نحو 8 أشهر على تأسيس هذا التحالف، إلا أنه لم ينجح حتى الآن في إيقاف استهداف "الحوثيين" للسفن، التي تقول الجماعة إنها تابعة لإسرائيل أو مرتبطة بها.
في هذه الأثناء، لا يزال الاحتلال يواصل حربه على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وبلغ عدد الشهداء والجرحى جراء الحرب ما لا يقل عن 128 ألفاً، معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن 10 آلاف مفقود، ومجاعة تجتاح القطاع.