حوَّل قساوسة كنيسة القديس فيليب في مدينة غزة الكنيسة إلى عيادة طبية، بعد تسعة أشهر من حرب الاحتلال على غزة والتي استهدفت ودمرت النظام الصحي في القطاع.
وكانت هذه الكنيسة قبل الحرب بمثابة ملاذ يتعبد فيه أعضاء المجتمع المسيحي الصغير في قطاع غزة، فيما تصطف الأسرّة اليوم بجانب جدران حجرية شاحبة تحت سقف مقبَّب، ويتولى أطباء رعاية المرضى الذين لا يجدون مكانًا في المستشفى الأهلي العربي الذي تديره الكنيسة الأنجليكانية والذي يعاني، كغيره من المرافق الطبية الأخرى المتبقية في غزة، من ضغوط شديدة بسبب زيادة الطلب على خدماته.
من جانبه، قال القس منذر إسحاق وهو يرتدي قميصًا أسود: "المُصَلَّيات داخل المستشفيات تم تحويلها إلى عيادة لعدم توفر أماكن. اليوم، الأولوية هي إنقاذ حياة كل إنسان نستطيع إنقاذ حياته. فبالتالي، المستشفى الإنجيلي العربي، شأنه شأن جميع المستشفيات، يقوم بكل الجهود الممكنة ضمن المقومات المحدودة جدًا المتوفرة للمستشفيات والعيادات في غزة".
ووقف رجل بجانب سرير أحد المرضى المسنين ليهوّي عليه بقطعة ورق مقوّى يمسكها بيده. وكان المريض المسن واضعًا قناع أكسجين على فمه.
فيما قال الطبيب محمد الشيخ، الذي يعمل بعيادة كنيسة القديس فيليب: "طبعًا من بداية افتتاحنا للمستشفى المعمداني، لا يوجد أماكن لإدخال المرضى إلى الأقسام، فاضطررنا إلى تحويل هذا المكان، الذي هو مكان لعبادة المسيحيين هنا في غزة، إلى قسم مبيت للباطنة، وأيضًا لنقص المستلزمات، استخدمنا كراسي العبادة كأسرّة للمرضى".
وأدى العدد الكبير من المصابين جراء الصراع إلى تفاقم المرض المتفشي وسوء التغذية بين 90٪ من سكان غزة الذين تقول الأمم المتحدة إنهم أصبحوا بلا مأوى، مما يشكل ضغطًا هائلًا على النظام الصحي في القطاع.
كما أدت الحملة العسكرية الإسرائيلية إلى توقف العديد من المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى عن العمل، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، وتسببت في نقص كبير في الإمدادات الطبية اللازمة.
وقال أبو محمد أبو سمرة الذي يرافق والدته المريضة التي تتلقى العلاج في عيادة القديس فيليب: "في هذه الكنيسة التي خرجت عن دور العبادة، الآن هي لدور التمريض ودور الاستشفاء، ونتلقى فيها أدنى خدمة طبية بما هو متوفر الآن في شمال غزة، يعني أدنى خدمة بما هو متاح من متطلبات للمريض في شمال غزة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على التلاحم بين المسلمين والمسيحيين في قطاع غزة".
وبينما يوجد عدد كبير من السكان المسيحيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، فإن المجتمع المسيحي صغير جدًا في قطاع غزة.
وجراء الحرب وقيود إسرائيلية تنتهك القوانين الدولية، يعاني الفلسطينيون في قطاع غزة من شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء، لا سيما في محافظتي غزة والشمال، ووصلت إلى حد تسجيل وفيات جراء الجوع.
وتوقف عبور المساعدات من خلال معبر رفح جنوبي القطاع، بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه في 7 مايو/أيار الماضي، فيما أغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم أمام حركة دخول المساعدات في الـ5 من الشهر نفسه.
وخلفت حرب إسرائيل على غزة، بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكثر من 125 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.