قد نجد أنفسنا في كثير من الأحيان ممتلئين برغبة قوية في مساعدة الآخرين، حتى على حساب أنفسنا. هذه الرغبة، المعروفة باسم "عقدة المنقذ"، قد تكون سمة نبيلة تبرز في شخصياتنا كقوة دافعة للتعاطف والمساعدة.
ومع ذلك، في بعض الأحيان، يمكن أن تتحول هذه السمة النبيلة إلى عبء يؤثر سلباً على من يحملها، ما يؤدي إلى تدمير صاحبها بدلاً من الفائدة المنشودة.
فالأشخاص الذين يعانون من هذا المرض قد يجدون أنفسهم يتجاهلون احتياجاتهم الشخصية ويضعون الآخرين دائماً في المقدمة، وهو ما يتعبهم نفسياً ويتسبب في انهيارهم في بعض الأحيان.
فهل يمكن بالفعل أن تتحول هذه السمة النفسية والأخلاقية النبيلة في مساعدة الآخرين إلى عقدة المنقذ؟ وما هي الأعراض الشائعة لها؟ وما الحلول المقترحة للتخلص منها؟
ما عقدة المنقذ؟
في البداية، قد يكون لهذا المصطلح دلالة إيجابية. ومع ذلك، عندما نعرف المزيد عنه وعن الدوافع الأساسية له ومدى تأثيره علينا إذا بالغنا فيه، فمن الواضح أن هذا النمط السلوكي قد يكون ناتجاً عن مشكلة نفسية في كثير من الأحيان.
وفقاً لموقع psychology today يمكن تعريف عقدة المنقذ بأنه "بنية نفسية تدفع الأفراد للشعور بالحاجة المُلحّة إلى إنقاذ الآخرين، حيث يتميز هؤلاء الأشخاص برغبة قوية في مساعدة الآخرين الذين يحتاجونهم، ويمكن أن يضحوا بحاجاتهم الشخصية لأجلهم".
فالكثير من الأفراد الذين يعملون في مجالات الرعاية مثل الصحة العقلية أو الرعاية الصحية، وحتى أولئك الذين يعتنون بأحبائهم المدمنين، قد يظهرون بعض هذه السمات المرضية. فهم عادةً ينجذبون إلى الأشخاص المحتاجين للمساعدة لأسباب متعددة، ولكن جهودهم المبذولة لمساعدة الآخرين قد تكون متطرفة وتستنزفهم، ما قد يمكّن الآخر من تجنب المسؤولية وحتى التفكير في استغلالهم في أغلب الأحيان.
تكمن المشكلة هنا في أن محاولة إنقاذ الآخرين قد لا تشجع الفرد على تحمل مسؤولياته وفهم دوافعه الداخلية، ما يمكن أن يجعل التغييرات الإيجابية أو السلبية التي تنتج عن مساعدة الآخر له مؤقتة فقط.
وبعد التعرف على مفهوم هذه الحالة المرضية، سننتقل الآن إلى استكشاف الأعراض التي قد تظهر عند الأفراد الذين يعانون من هذه الحالة النفسية.
ما الأعراض الشائعة لها؟
تعتبر هذه العقدة ظاهرة نفسية تتسم بعدة أعراض تميزها لدى الشخص، تتضمن هذه الأعراض بحسب موقع healthline:
- الانجذاب نحو الضعفاء
يُعتبر الشعور بالانجذاب نحو الأشخاص الضعفاء مؤشراً على وجود عقدة المنقذ، حيث يعكس هذا الشعور رغبة شخص ما في مساعدة الآخرين الذين يظهرون علامات الضعف أو الحاجة.
يتمثل هذا الانجذاب في الشعور بالتعاطف والرغبة في حل مشاكل الآخرين، وقد يكون مصدراً لإشباع الحاجة الشخصية للمساعدة والإنجاز.
- الرغبة في تغيير الناس
يعتقد المنقذون أن لديهم القدرة على التأثير الكامل على الآخرين، حيثُ يشعرون بأنهم أفضل من أولئك الذين يحاولون مساعدتهم، ما يدفعك إلى محاولة تغيير سلوكياتهم أو وضعهم على المسار الصحيح بما يرونه مناسباً.
- يسعون دائماً إلى إيجاد حل
ليست لكل مشكلة حل فوري، وخاصة المشاكل الكبيرة مثل المرض أو الصدمة أو الحزن. يعتقد المنقذون عموماً أن عليهم إصلاح كل شيء، وغالباً ما يهتمون بإصلاح المشكلة أكثر من الشخص الذي يتعرض للمشكلة فعلياً.
من المؤكد أن تقديم النصائح ليس بالضرورة أمراً سيئاً، لكن من المهم أيضاً السماح للآخرين ببحثهم عن حل بشكل شخصي والاجتهاد في تجاوز الظروف الصعبة التي يمرون بها، فقد يضحي صاحب هذه السمة في كثير من الأحيان باحتياجاته الشخصية ويجهد نفسه من أجل رعاية الأشخاص الذين قد لا يريدون المساعدة بالفعل.
وقد تشمل هذه التضحيات خسارة أشياء مثل الوقت والمال والفضاء العاطفي، وغالباً ما يشعر المنقذون بأنهم مدفوعون لإنقاذ الآخرين لأنهم يعتقدون أن لا أحد يستطيع ذلك، وهذا يرتبط بأوهام العظمة.
- يساعدون الآخرين لأسباب خاطئة
مع الميول المنقذة، فإننا لا نساعد غيرنا فقط عندما يكون لدينا الوقت والإمكانية للقيام بذلك، حيثُ نحاول إنقاذ الآخرين لأننا نشعر أنه يجب علينا القيام بذلك، بغض النظر عن احتياجاتنا الخاصة، بل قد نعتقد أيضاً أن احتياجاتنا أقل أهمية.
كيف يمكن لهذه السمة أن تؤثر علينا؟
محاولة إنقاذ شخص ما من مشاكله لا تؤدي في كثير من الأحيان إلى النتيجة المرجوة. حتى لو حقق شخص ما تغييراً نتيجة لجهودنا، فإن هذه التأثيرات قد لا تدوم طويلاً، إلا إذا كان الشخص يسعى بنفسه للتغيير.
لذلك قد يكون للميول المنقذة تأثير سلبي عليك، خاصة إذا لم تتمكن من السيطرة عليها، تتمثل في ما يلي:
- الاحتراق:
إن استخدام كل وقتك وطاقتك في مساعدة الآخرين يترك لك القليل من الطاقة لنفسك وهو ما يعرضك للاحتراق النفسي المتمثل في الشعور بالإرهاق الشديد والإحباط، وتقليل مستوى الرضا الشخصي والمهني.
- الاستنزاف العاطفي:
بسبب الاستثمار النفسي والعاطفي الكبير في دعم الآخرين، يمكن أن يشعر المنقذ بالاستنزاف العاطفي. هذا الشعور بالتعب والإرهاق يمكن أن يؤثر على قدرته على الاستجابة بشكل صحيح في العلاقات الشخصية، ما يمكن أن يؤدي إلى نقص في الدعم العاطفي المتبادل.
- الشعور بالفشل:
بعقلية المنقذ، قد تعتقد أنك تستطيع إصلاح مشاكل الآخرين، لكن هذا الاعتقاد قد يؤدي إلى شعور دائم يلازمك بالفشل والإحباط.
- توتر العلاقات:
عندما يصبح المنقذ مركزاً لحل مشاكل الآخرين بشكل دائم، يمكن أن يزيد هذا من التوتر في العلاقات، خاصة إذا كان الآخرون لا يطلبون هذا المستوى من التدخل أو لا يقدرون النصائح المستمرة.
- أعراض مزاجية غير مرغوب فيها:
قد تسبب عقدة المنقذ شعوراً بالحزن والاكتئاب نتيجة للتعب العاطفي والاستنزاف الذي يمكن أن يشعر به المنقذ بعد فترة من المساعدة المستمرة دون الحصول على الدعم أو التقدير المناسب.
ما الحلول المقترحة للتخلص من عقدة المنقذ؟
لتجنب فخ " الإنقاذ" في العلاقات، يمكنك اتباع الحلول التالية بذكاء:
- اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
لماذا أساعد هذا الشخص؟
هل اتخذت هذا القرار لجعل الشخص سعيداً أم لأن هناك فعلاً سبباً وجيهاً للمساعدة؟
هل وقتي وطاقتي يسمحان لي بمساعدة هذا الشخص أم أن ذلك سوف يكون على حساب راحتي الشخصية؟
هل "أرغب" في فعل ذلك حقاً، أم أنني أشعر بأنني ملزم بالمساعدة فقط؟
- وبعد الإجابة على هذه الأسئلة، قم بوضع الحدود الآتية خلال مساعدتك للاخرين:
- كن متفهماً وواعياً بمشاعرك مع الأصدقاء، العائلة، أو زملاء العمل.
- حدد حدوداً تحقق لك التوازن بين رعاية الآخرين وتجنب الانجراف في المساعدة المفرطة.
- قل "ربما" أو حتى "لا" قبل أن تقول "نعم" لتمنح نفسك الوقت لتقييم الخيارات.
- تباطأ لتتمكن من اتخاذ قرارات مدروسة.
- دع الأشخاص الذين يخطئون يتحملون مسؤولية أفعالهم.
- تجنب المساعدة بحرص أكبر من اللازم مع الأصدقاء، الأحباء في كل ما يطلبونه منك.
في نهاية الأمر، هذه السمة ليست سوى اعتقاد خاطئ في قدرتك على حل مشاكل الآخرين، لذلك تعلم كيف توفر الدعم المناسب دون أن تنهك نفسك أو تجعلها تعاني من الإحباط المستمر بسبب عدم قدرتها على تحقيق مطالب الآخرين في كثير من الأحيان، حيث يكمن سر العلاقات الصحية في الحفاظ على التوازن بين الرعاية الذاتية ومساعدة الآخرين.