الزواج بين الحكومة الإسرائيلية وأحزاب اليمين المتطرف الأوروبية التي تشوه صورة المسلمين يمثل خطراً على اليهود وعلى إسرائيل نفسها.
هكذا يحذر كتاب غربيون وإسرائيليون، فجماعات اليمين المتطرف الأوروبية هي ذاتها لها جذور مرتبطة بالعداء لليهود.
وبالفعل تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن "العديد من اليهود يقولون إنهم سيغادرون فرنسا إذا فاز اليمين المتطرف أو اليسار الراديكالي بالانتخابات".
اليمين المتطرف في فرنسا يغازل اليهود ولكنهم قلقون منه
وبينما يهود فرنسا غاضبون من دعم اليسار الراديكالي بقيادة جان لوك ميلينشون للقضية الفلسطينية، ورفضه القوي لحرب غزة، ولكنهم في الوقت ذاته لا يمكن الوثوق باليمين المتطرف، رغم أنه يغازل إسرائيل.
وتتجنب مارين لوبان الخطاب المعادي للسامية الذي تبناه والدها جان ماري، الذي قلل ذات يوم المحرقة باعتبارها "جزءاً من تفاصيل التاريخ".
ووعدت الزعيمية اليمينية المتطرفة بأن حزبها سيكون بمثابة "أفضل درع" لليهود الفرنسيين القلقين بشأن مزاعم معاداة السامية من المجتمعات العربية الإسلامية.
لكن حزب لوبان اليميني المتطرف يضم بين كوادره معادين للسامية، وبعضهم ينتمي إلى الدائرة الداخلية للوبان. ومن المحتمل أيضاً أن تؤدي النزعة القومية الإقصائية لحزبها إلى تقويض مكانة أي أقلية دينية أو عرقية، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال في موقع middleeasteye إن قادة هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة يمثلون في رأيه
الجيل القادم من القادة السياسيين في الدول الغربية التي ما زالت تسمى ديمقراطية.
إذ يتمتع هذا الجيل بالطاقة والكاريزما ويتحدث لغة يفهمها الجميع. فهو يتواصل مع الناخبين الذين أهملتهم النخبة اليوم، ويتمتع بالصبر الاستراتيجي ويخطط للانتخابات التالية.
ومن الواضح أيضاً ما يفكر فيه هذا الجيل، إنهم يعتقدون أن "الحضارة الغربية" مهددة من قبل الإسلام، وأن "السكان الأصليين" مهددون من قبل المهاجرين. كما أنه يؤيد صراع الحضارات ونظرية الاستبدال العظيم (مؤامرة مزعومة عن استبدال المهاجرين بالسكان الأصليين).
وقادة هؤلاء الأحزاب مؤيدون لإسرائيل بصوت عالٍ
وهم يرددون مقولة الحضارة الغربية ذات الجذور المسيحية واليهودية.
ولكنه يلمح إلى الدعوة للعودة للشكل القديم للحضارة الغربية ذات الطابع المسيحي الأبيض، يعني ضمنياً استبعاد اليهود.
إذ يقول ديفيد هيرست: "لم يكن أحد في إنجلترا أو ألمانيا في القرن السادس عشر يجرؤ على الحديث عن حضارة "يهودية مسيحية" لسبب بسيط وهو أن المسيحيين كانوا المضطهدين الرئيسيين لليهود".
لكن الحقيقة لا تمنع الدعاية الجيدة، حسب قوله.
نتنياهو يشبه غزو غزة بعملية نورماندي
عندما أجرى التلفزيون الفرنسي مؤخراً مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سُئل عما إذا كان بوسع أي شخص أن يقارن، كما فعل للتو، بين هبوط قوات الحلفاء في نورماندي والهجوم الإسرائيلي على غزة.
وأجاب نتنياهو باللغة الفرنسية. وقال لقناة TF1: "انتصارنا هو انتصاركم! إنه انتصار الحضارة اليهودية المسيحية على البربرية. إنه انتصار فرنسا! إذا فزنا هنا، ستنتصرون هنا".
والحقيقة أن قيام قناة تجارية فرنسية كبرى بتوفير منبر لرجل ينتظر صدور أمر اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أدى إلى اندلاع مظاهرة ضخمة في باريس.
إن صياغة نتنياهو لهجومه على غزة بعبارات يفهمها الصليبيون تتقاسمها قطاعات كبيرة من الطيف السياسي الفرنسي، وقد لعب الجميع، وخاصة الرئيس إيمانويل ماكرون، دوراً في هذا الاتجاه.
خطابه امتداد لنهج ماكرون ضد المسلمين
إنها امتداد لقيام ماكرون بتجريم ما سماه بشكل خادع "الانفصالية الإسلامية" ضمن استهدافه حرية العبادة الدينية لستة ملايين مواطن فرنسي مسلم نفسه.
إن الروابط التي تعززها إسرائيل المعاصرة مع اليمين المتطرف في أوروبا تذهب إلى ما هو أعمق من مجرد النفعية السياسية.
ولا أحد يستفيد من انهيار الليبرالية في عهد ماكرون أكثر من جوردان بارديلا، نجم اليمين المتطرف، والرجل الذي بات مرشحاً لأن يصبح رئيساً للوزراء ذات يوم.
وقال بارديلا في عام 2021: "أذهب في نزهة في جميع الأحياء التي كنت أعيش فيها في سين سان دوني"، متحدثاً عن "تغير ديموغرافي هائل" يمكن أن "يغير وجه فرنسا في غضون سنوات قليلة".
من الخطأ الفادح تصوير احتضان إسرائيل لبارديلا، وخيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي اليميني المتطرف (PVV)، وسانتياغو أباسكال، زعيم حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا، وحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف (AFD)، على أنه مجرد انتهازية سياسية.
صحيح أن إسرائيل كانت تشعر بقدر كبير من الشماتة إزاء نجاح اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة. لقد اعتبروا ذلك بمثابة رد الجميل لاعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية.
وقام وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بتغريد صورة ساخرة – باللغتين الإنجليزية والإسبانية – لزعماء إسبانيا مع بيضة على وجوههم، زاعماً أنهم "عوقبوا من قبل الناخبين" لاعترافهم بالدولة الفلسطينية.
وكتب كاتس: "لقد عاقب الشعب الإسباني سانشيز كاستيجون وائتلاف يولاندا دياز بهزيمة مدوية في الانتخابات. اتضح أن احتضان القتلة والمغتصبين من حماس لا يؤتي ثماره، حسب زعمه.
أبدى عميحاي شيكلي، العضو السابق في حزب "يمينا" اليميني المتطرف والذي يشغل حالياً منصب وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، ابتهاجاً باستقالة رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو.
وكان دي كرو قد ذهب إلى رفح في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قبل إطلاق سراح الرهائن الأول، وكان تقريباً الصوت الوحيد في أوروبا الذي يدين المذبحة التي يتعرض لها المدنيون في غزة.
وقال شيكلي: "إن دعم ما وصفه بـ"الإرهاب" لا يلقى صدى لدى الشعب البلجيكي".
ومع ذلك، فإن الروابط التي تغذيها إسرائيل المعاصرة مع اليمين المتطرف في أوروبا تذهب أعمق من مجرد النفعية السياسية. إنه أكثر من مجرد "ابتهاج قصير النظر" كما قال أحد كتاب الأعمدة في صحيفة "هآرتس".
تحالف غير مقدس.. هكذا اخترق الموساد اخترق اليمين الأوروبي المتطرف
إن التحالف مع الأحزاب السياسية الأوروبية التي تشوه صورة المسلمين بنفس الطريقة التي غذت بها الجماعات اليمينية المتطرفة الكراهية لليهود، أصبح أكثر من مجرد مغازلة. وسرعان ما تم ترسيخه في تحالف أوسع بكثير، بالفعل والقول.
أي شخص يعتقد أن عبارات الدعم هذه من جانب اليمين المتطرف لإسرائيل هي مجرد خطابات بلاغية، عليه أن ينظر إلى ما يحدث.
تم إلغاء ترشيح حليف فيلدرز، جدعون (جيدي) ماركوسزور، لمنصب وزير الهجرة واللجوء الجديد في هولندا، بعد أن أثارت المخابرات الهولندية مخاوف بشأن علاقات الرجل الإسرائيلي المولد بالموساد.
وينظر إلى احتمال تشكيل حكومة يمينية متطرفة على أنه فرصة ذهبية من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية لتعزيز علاقتها بأعلى مستويات الحكومة. ولكن في معظم الأحيان لا تحتاج حتى إلى ذلك.
الصرب المتطرفون يؤيدن حرب نتنياهو ضد غزة ويتفقون على إنكار الإبادة الجماعية
وتزايدت صادرات الأسلحة الصربية إلى إسرائيل منذ بدء الهجوم على غزة. حددت شبكة التحقيقات الاستقصائية في البلقان (BIRN) وصحيفة هآرتس ست رحلات جوية عسكرية إسرائيلية من بلغراد إلى بئر السبع منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تحمل أسلحة بقيمة 15.7 مليون يورو (حوالي 17 مليون دولار).
وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في فبراير/شباط إنه ناقش مع نتنياهو "مزيداً من التقدم في العلاقات الثنائية" حيث أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي "عن امتنانه لدعمه الثابت بالقول والفعل".
إن القومية الصربية التي يتبناها فوتشيتش تكشف النقاب عن السلام الهش في البلقان. ومؤخراً، ظهر إلى جانب زعيم الكيان الذي يقوده الصرب داخل البوسنة والهرسك، ميلوراد دوديك، للدعوة إلى وحدة الصرب العرقيين في جميع أنحاء المنطقة خلال تجمع حاشد في بلغراد.
وادعى دوديك أن جمهورية صربسكا، الكيان الذي يقوده الصرب، ملتزمة باتفاقات دايتون، لكنه أضاف بشكل ينذر بالسوء أن هذا الكيان سيضطر قريباً إلى طلب دعم صربيا "لحل وضعه".
وهذا يشكل تهديداً ضمنياً لاتفاقيات دايتون التي شكلت دولة بوسنية تتألف من كيانين ـ الاتحاد البوسني الكرواتي وجمهورية صرب البوسنة ـ متماسكين ببعضهما بعضاً، وحكومة مركزية ضعيفة.
وقال دوديك: "من المستحيل التعايش مع أولئك الذين حاولوا بكل هذا الغدر والخبث والكذب والسرية فرض الإبادة الجماعية كسمة دائمة لهذه الأمة، وهو ليس كذلك".
ويشير دوديتش إلى المذبحة التي وقعت في سربرينيتسا عام 1995، بعد أن وافقت الأمم المتحدة على قرار بتخصيص يوم دولي للتأمل وإحياء ذكرى الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1995 في سربرينيتسا، وبالتالي تحديد يوم سنوي لإحياء ذكرى المذبحة.
ويواصل دوديتش إنكار وقوع أي إبادة جماعية من هذا القبيل بحق 8000 من مسلمي البوسنة والرجال والصبية.
وليس من قبيل الصدفة أن صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أعطت هذا الرجل المنكر للمحرقة مساحة كبيرة في مقابلة غير انتقادية، إن لم تكن متملقة، حسب تعبير ديفيد هيرست.
وقال دوديتش عن سريبرينيتشا: "لا يمكن تسميتها إبادة جماعية. الخبراء الموثوقون الذين كرسوا حياتهم المهنية بأكملها لدراسة الإبادة الجماعية قرروا أنها لم تكن إبادة جماعية. كل من لديهم سلطة في هذا الشأن يقولون إنها لم تكن إبادة جماعية. أنا على ثقة هؤلاء الناس أكثر من السياسيين الذين قرروا أنها إبادة جماعية".
هذا، بالطبع، كان بمثابة موسيقى لآذان الصحفيين الإسرائيليين الذين أجرى معهم المقابلة في صحيفة جيروزاليم بوست، والتي عقدت تشابهات بين ادعاء عدم الإبادة الجماعية في سربرينيتسا ومزاعم إسرائيل بعدم وجود إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، أو كما أشار إليهم المحاور بـ"ما يسمى بالفلسطينيين".
وقال دوديتش: "إنهم في الغرب لا يحبونني، لأنني أتحدث عن رأيي مباشرة. ولكن إذا نظرنا إلى التاريخ، فلن يكون هناك تعايش سلمي بين الفلسطينيين واليهود، بنفس الطريقة التي يكون بها التعايش غير ممكن". هنا، في البوسنة والهرسك، بين المسلمين والصرب.
إن التزاوج بين حكومة إسرائيلية لديها نية صريحة لإجبار أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الخروج من الأراضي التي تحتلها والمتطرفين اليمينيين الأوروبيين الذين يريدون طرد أكبر عدد ممكن من المسلمين من أوروبا، ليس من قبيل الصدفة.
لقد رأينا بالفعل أكثر من ورقة توت تتساقط من صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تحت حصار القوى البربرية. مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها التاسع، لا يوجد أي ادعاء على الإطلاق بالتحدث بلغة الديمقراطية.
توسع الفاشية خطر على إسرائيل
كما أثبتت الذكرى السنوية الأخيرة لحدث سيئ السمعة في بداية الحرب العالمية الثانية أنها كانت كاشفة.
كان ذلك في أحد أيام شهر يوليو/تموز من عام 1939 عندما رفضت الولايات المتحدة وكندا السفينة سانت لويس، التي أبحرت إلى كوبا وعلى متنها أكثر من 900 لاجئ يهودي. وعندما اضطرت السفينة للعودة إلى أوروبا، صاح أدولف هتلر عبر الراديو قائلاً إن النازيين ليسوا وحدهم من يكرهون اليهود. وقال الديكتاتور النازي: "انظروا إلى العالم كله يكره اليهود".
لا يوجد تهديد أكبر لوجود دولة يهودية في الشرق الأوسط من أقوال وأفعال قادة إسرائيل اليوم.
وهذا شعور شائع في البرامج الحوارية الإسرائيلية وفي وسائل التواصل الاجتماعي حول الفلسطينيين في إسرائيل اليوم.
لقد أصبح هتلر قدوة لإسرائيل هذه الأيام. وقد استشهد به موشيه فيجلين، عضو الكنيست السابق عن حزب الليكود، عندما قال الأسبوع الماضي على شاشة تلفزيونية: "كما قال هتلر، لا أستطيع العيش إذا بقي يهودي واحد. لا يمكننا العيش هنا إذا بقي "إسلاموي نازي" واحد في غزة".
يقول ديفيد هيرست: "هذه هي الفاشية بكل وضوح وبساطة، وقد أصبحت على نحو متزايد عملة شائعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسية، لقد اختفت جميع المحرمات القديمة. ولا يقتصر الأمر على صراخ الوزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير: (من أجل النصر، نحتاج إلى تشجيع الهجرة من غزة)".
ولهذا السبب يتم قبول الفاشيين الأوروبيين بسهولة باعتبارهم رفقاء الروح للفاشيين الإسرائيليين.
لم يعد اليمين الإسرائيلي مهتماً بعدد اليهود الذين وقعوا ضحايا الفاشية في أوروبا. ولا يهم أن المعادين للسامية الحقيقيين هم رفاقهم اليوم من اليمين المتطرف الأوروبي.
ما يهم للطرفين أنهم وجدوا قضية مشتركة في عدو مشترك. بالنسبة لليمين المتطرف الفاشي الأوروبي، أصبحت إسرائيل نموذجاً يحتذى به في كيفية التعامل مع الأقلية المسلمة المتمردة، حسب زعمهم.
ولكن ديفيد هيرست يحذر دولة الاحتلال قائلاً ولكن بالنسبة لإسرائيل، هناك مخاطر واضحة في اتباع هذا المسار. لأن الإسرائيليين ليسوا في أرض حيث المسلمون أقلية.
إنهم لا يشكلون حتى الأغلبية في دولتهم وهم موجودون في منطقة يشكلون فيها الأقلية. علاوة على ذلك، فإن "الدولة اليهودية" ليست على هامش العالم الإسلامي بل تقع مباشرة في وسطه.
إذا حاولت إسرائيل القيام بعملية تطهير عرقي كبرى في الضفة الغربية، فسوف يشكل ذلك مشكلة للدول المجاورة، وقد تصبح قاعدة لحركة مقاومة نشطة على طول الحدود البرية لإسرائيل، ولن يكون لإسرائيل حدود هادئة مرة أخرى.
إذا تبنت دولة يهودية عنصرية وفصل عنصري الفاشية كأيديولوجية لها في محاولة لإيجاد الحل النهائي لصراعها مع الفلسطينيين، فإنها ستواجه لحظة وجودية في وقت أقرب مما تعتقد، حسب الكاتب البريطاني.
ويقول: "لا يوجد تهديد أعظم لوجود دولة يهودية في الشرق الأوسط من أقوال وأفعال قادة إسرائيل اليوم".
واختتم مقاله قائلاً: "ولا يوجد الآن تهديد أكبر لليهود في جميع أنحاء العالم، كما كان الحال في الثلاثينيات، من الفاشيين الذين يجدون قضية مشتركة مع إسرائيل، ويعودون إلى السلطة في أوروبا مرة أخرى".