في محاولة للخروج من العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل، قام وفد برلماني إسرائيلي بزيارة تايوان في أواخر أبريل/نيسان الماضي، ما سلط الضوء على العلاقة القوية بين الطرفين والتي تمتد لعقود بدعم ورعاية أمريكية.
وكانت هذه الرحلة هي الزيارة الثانية لوفد إسرائيلي من مختلف الأحزاب خلال عام واحد. وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية، فإن الجانبين يتقاسمان ظروفاً تاريخية متقاربة، حيث تأسست إسرائيل عام 1948، وتأسست تايوان عام 1949 وكلاهما بمثابة ملاذ لمشاريع سياسية.
وقد تطورت العلاقات بين الجانبين بشكل ملحوظ منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على المستوطنات الإسرائيلية والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 جندي ومستوطن إسرائيلي. وفي أعقاب الهجوم، تبرعت تايبيه بأكثر من نصف مليون دولار لإسرائيل لمساعدة الجنود وعائلاتهم وتمويل خدمات البلديات.
"إسرائيل وتايوان هما قاعدتان لعمليات الإمبريالية في آسيا"
وأدت حرب إسرائيل على غزة إلى استشهاد أكثر من 37 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، ما أدى إلى اتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية لإسرائيل. لكن هذا لم يزعج تايوان، الجزيرة المدعومة من الولايات المتحدة أمام الصين، عدو واشنطن اللدود.
وتاريخياً، يُعرف عن الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ" ترديده للقول إن "إسرائيل وتايوان هما قاعدتان لعمليات الإمبريالية في آسيا. لقد خلقوا إسرائيل للعرب وتايوان لنا. كلاهما لهما نفس الهدف". ويقول أرنود برتراند، الخبير في شؤون الصين، لموقع MEE البريطاني: "إذا دعمت الصين جانباً، فستدعم تايوان الجانب الآخر بشكل تلقائي" أي إذا دعمت الصين الفلسطينيين فستدعم تايوان إسرائيل. ويضيف: "في تايوان، كما هو الحال في إسرائيل، هناك نسبة كبيرة جداً من السكان الجدد نسبياً على المنطقة منذ وصولهم خلال القرن العشرين".
ويقول برتراند إن الصين كانت تاريخياً داعمة للقضية الفلسطينية، الأمر الذي أثار استياء إسرائيل. وفي فبراير/شباط، قال ممثل الصين لدى محكمة العدل الدولية إن "استخدام الفلسطينيين للكفاح المسلح للحصول على الاستقلال من الحكم الاستعماري أمر مشروع ومبني على أسس متينة في القانون الدولي".
على هذه الخلفية، وجدت تايوان وإسرائيل مصالح مشتركة بينهما. وعلى مدار الخمسين عاماً الماضية من علاقتهما غير الرسمية، وقعتا عشرات الاتفاقيات لتعزيز العلاقات الثنائية. وفي عام 2022، وصلت تجارة إسرائيل مع تايوان إلى أكثر من 2.67 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العامل الأساسي الذي يربطهما ويدعم وجودهما يعتمد "بشكل كامل تقريباً على الدعم الإمبريالي الأمريكي"، كما يقول برتراند. وبالتالي، فهما روحان متقاربان، ويدرك كل منهما جيداً أن سقوط أحدهما من شأنه أن يجعل موقف الآخر أكثر هشاشة، كما أنه سيشكل سابقة. ويضيف: "هذا هو السبب الرئيسي وراء دعمهم لبعضهم؛ فمصيرهم محكوم بهذه الطريقة".
كيف تطورت العلاقات بين إسرائيل وتايوان؟
لم تكن العلاقات الدافئة المتزايدة بين تايوان وإسرائيل في العقود الأخيرة أمراً مفروغاً منه دائماً، على الرغم من اعتمادهما المشترك على الولايات المتحدة. وكانت الحكومة القومية الصينية داعمة لإسرائيل عندما خرجت من نكبة عام 1948. ومع ذلك، بعد أن أجبرت الحرب الأهلية الصينية القوميين على الخروج من البر الرئيسي للصين إلى تايوان، اعترفت إسرائيل بالإدارة الشيوعية الجديدة في بكين في عام 1950.
واستند النهج الإسرائيلي على افتراض أن كونها أول دولة في الشرق الأوسط تعترف ببكين من شأنه أن يساعد في تشكيل تحالف طويل الأمد. لكن بينما استغرقت الصين عدة عقود لإقامة علاقات مع جميع دول الشرق الأوسط، لم تكن بكين في البداية مهتمة بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وفي عام 1951، أكَّد وزير الخارجية الصيني "تشو إن لاي" على أن "الصين لن تقيم علاقات مع إسرائيل. إن إقامة العلاقات مع إسرائيل لن يأتي بأي شيء جوهري، علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات مع دول الجامعة العربية".
وتجنبت تايوان في البداية، على الأقل علناً، التقرب من إسرائيل. حتى عام 1971، تمتعت تايبيه بعلاقات دبلوماسية كاملة مع تركيا والمملكة العربية السعودية وإيران والكويت وعمان والإمارات العربية المتحدة.
وبالإضافة إلى المساعدة الدبلوماسية التي قدمتها هذه الدول، توفر دول الخليج العربي أيضاً 99% من احتياجات تايوان النفطية. لكن هذا لم يمنع الجانبين من تطوير "تعاون أمني وثيق للغاية بين الستينيات والثمانينيات" بشكل سري، كما يقول مور سوبول، الخبير في العلاقات الصينية والشرق الأوسط في جامعة تامكانغ في تايوان.
"تحالف المنبوذين"
خلال هذه الفترة، شكلت إسرائيل وتايوان ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ما أسمته صحيفة لوس أنجلوس تايمز في مقال نشر في الثمانينيات "تحالف المنبوذين".
في حين أن إسرائيل، مثل الكثير، تتبع سياسة الصين الواحدة ولا تعترف رسمياً بتايوان، فقد حدث تحول منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، "نظراً للدعم القوي من تايوان والعداء المتزايد من بكين"، بحسب سوبول.
ويقول سوبول لموقع MEE إن "دعم إسرائيل في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس هو "مبرر"، ولكن هناك أسباب أخرى أيضاً. وفي الأشهر الأخيرة، تزايدت الضغوط الصينية على تايوان، مع مخاوف في تايبيه من أن بكين تنوي السيطرة على تايوان عسكرياً.
ويقول: "يمكن للمرء أن يجادل بأن تايوان تدعم إسرائيل لأن كليهما ينتميان إلى تحالف الدول ذات التفكير الغربي المماثل حول القيم الديمقراطية والليبرالية. ويمكن تقديم حجة أخرى مفادها أنه بينما تسعى تايوان إلى إرضاء الولايات المتحدة، فإنها ستدعم أي دولة تتمتع بدعم الإدارة الأمريكية مثل إسرائيل.
وعلى الجانب الإسرائيلي، يشير سوبول إلى "تحول طفيف وإحجام أقل عن انتقاد الصين علناً". وفي حين أن التحول ربما بدأ قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، بسبب الضغوط الأمريكية على حلفائها للحد من العلاقات مع الصين، فإن "بعض الدوائر في إسرائيل -على سبيل المثال، المؤسسة الأمنية والأوساط الأكاديمية- بدأت في التشكيك في سياسات إسرائيل تجاه بكين والصين". يضيف سوبول: "يتساءلون عما إذا كان الوقت قد حان للتقرب من تايبيه".
لكن علاقة تايوان بإسرائيل لا تزال حساسة. ويبدو أن تايبيه تدرك تمام الإدراك أنها لا تستطيع حرق كل جسورها مع العالم العربي والإسلامي من خلال التحالف الوثيق مع إسرائيل. وفي مايو/أيار، أعلنت تايوان عن تبرع بقيمة 500 ألف دولار للمساعدة في تزويد الفلسطينيين في غزة بالطعام والمياه النظيفة والملابس والخيام.
ماذا عن وجهات نظر الناس العاديين في تايوان؟
وفي الشهر نفسه، نشرت صحيفة "تايوان بلاس"، وهي وسيلة إعلامية عامة، مقطعاً حول سبب تعاطف جزء كبير من الجمهور التايواني مع إسرائيل. تم نشر الفيديو في البداية على منصة X ويوتيوب، وسرعان ما تم سحب الفيديو.
يقول برتراند: "لقد قاموا بسرعة بإلغاء نشره لأنهم ربما أدركوا مدى السوء الذي جعلهم يبدون سيئين وقوضوا هدفهم المتمثل في حشد المزيد من الدعم الدولي لقضيتهم".
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة الرأي العام التايوانية مؤخراً أن ما يزيد قليلاً عن 35% من السكان يؤيدون إسرائيل، في حين أن أقل من 15% يتعاطفون مع الفلسطينيين.
وأقيمت العديد من الحفلات الموسيقية التي نظمها تحالف أصدقاء إسرائيل في جميع أنحاء الجزيرة. خلال حدث واحد على الأقل، تعرض متظاهرون سلميون مؤيدون للفلسطينيين لهجوم من قبل قوات الأمن.
يقول حازم المصري، وهو فلسطيني من غزة وباحث في جامعة تشياو تونغ الوطنية في تايوان، إن وجهات النظر بين الناس العاديين مختلطة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين.
المصري، الذي انتقل إلى تايوان للحصول على درجة الدكتوراه في عام 2016، يراقب الآن من بعيد كيف أن إسرائيل قد حولت الكثير من الحياة التي تركها وراءه إلى أنقاض. يقول: "في حين أن هناك اتجاهاً عاماً للنظر إلى إسرائيل بشكل إيجابي في تايوان بسبب العلاقات التكنولوجية والاقتصادية، إلا أن هناك أيضاً أصواتاً كبيرة تشعر بالقلق بشأن التأثير الإنساني للاحتلال والأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة".
ويقول المصري: "لقد تحدثت مع العديد من التايوانيين الذين لديهم فضول بشأن الأسباب الكامنة وراء الصراع وحقائق الحياة اليومية في غزة. إنهم غالباً ما يعبرون عن دهشتهم من مستوى الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون ويتعاطفون معنا عندما يفهمون المزيد عن حقيقة الوضع".
تتشكل وجهات النظر التايوانية بشأن إسرائيل وفلسطين إلى حد كبير وفقاً للاحتياجات الجيوسياسية المتصورة لبلادهم. ويرى كثيرون أن إسرائيل جزء من المعسكر الاستراتيجي نفسه الذي تضمه تايوان والولايات المتحدة، في حين ينظرون إلى دعم الصين لفلسطين باعتباره ينتمي إلى معسكر معاكس.
يقول المصري، في إشارة إلى طرد الفلسطينيين من وطنهم عام 1948 على يد إسرائيل: "كثير من الناس متأثرون بالرواية الإسرائيلية وليس لديهم سوى القليل من المعلومات عن النكبة الفلسطينية والحقوق التاريخية في فلسطين".
إن الاهتمام العالمي الذي حظيت به الحرب الإسرائيلية على غزة دفع الناس العاديين في تايوان إلى معرفة المزيد عن الصراع. ويقول المصري إن الكثيرين "لا يدركون الصعوبات التي تفرضها إسرائيل، مثل نقاط التفتيش والجدران وعمليات القتل وهدم المنازل وغيرها من التدابير التي تؤثر بشدة على الحياة اليومية. بمجرد أن يسمعوا قصتنا ووجهة نظرنا، فإنهم يظهرون على الفور تعاطفاً مع الفلسطينيين". ويُظهر المجتمع الأكاديمي في تايوان أيضاً اهتماماً متزايداً بالشرق الأوسط، والذي يتضمن فحصاً نقدياً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويساعد هذا الفضول الأكاديمي على خلق منظور أكثر استنارة وتوازناً بين الطلاب والباحثين، بحسب المصري.