لقد أثارت الانتكاسات الانتخابية الأخيرة لحزب بهاراتيا جاناتا في الهند جدلاً حاداً حول دور السياسات المعادية للمسلمين في تراجع الحزب، ففي حين أن الأداء الانتخابي لحزب بهاراتيا جاناتا يُعزى إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك الانقسامات الداخلية للحزب والجبهة الموحدة للمعارضة، لا يمكن تجاهل تأثير موقفه المعادي للمسلمين.
يمكن إرجاع سياسات حزب بهاراتيا جاناتا المناهضة للمسلمين إلى الأيام الأولى للحزب، عندما أسسه سياما براساد مووكيرجي في عام 1951. في البداية، ركز الحزب على تعزيز القومية الهندوسية ومعارضة سياسات الحكومة الهندية تجاه باكستان. ومع ذلك، تحت قيادة ناريندرا مودي، تغير موقف الحزب تجاه المسلمين بشكل كبير. واتُهم مودي، الذي أصبح مرشح الحزب لمنصب رئيس الوزراء في عام 2014، بتعزيز المشاعر المعادية للمسلمين من خلال خطاباته وسياساته.
أحد العوامل الجوهرية التي أسهمت في تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين في الهند كان تعامل حزب بهاراتيا جاناتا مع أحداث العنف التي شهدتها دلهي في عام 2020. هذه الأحداث، التي اندلعت على خلفية احتجاجات ضد قانون تعديل المواطنة، أدت إلى وفاة أكثر من 50 شخصاً وإصابة المئات. وُجهت الاتهامات لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا بعدم القدرة على منع تصاعد العنف واستغلال الأحداث لدعم أجندتها السياسية. إذ أدت هذه الأعمال الشغب نقطة تحول في العلاقة بين حزب بهاراتيا جاناتا والمسلمين، حيث بات الكثيرون يشعرون بأن الحكومة لم تعد تحمي سلامتهم ورفاهيتهم بالشكل المطلوب.
وكان لسياسات حزب بهاراتيا جاناتا المعادية للمسلمين تأثير كبير على آفاقه الانتخابية. ففي الانتخابات العامة لعام 2019 فاز الحزب بـ303 مقاعد، لكن أداءه في الدوائر ذات الأغلبية المسلمة كان كئيباً. وفي العديد من هذه الدوائر الانتخابية، انخفضت حصة حزب بهاراتيا جاناتا من الأصوات بشكل كبير، مع خسارة بعض المقاعد لصالح أحزاب المعارضة.
كما أدت سياسات حزب بهاراتيا جاناتا المعادية للمسلمين إلى انخفاض دعمه بين الناخبين الهندوس أيضاً، وبدأ العديد من الهندوس في التشكيك في التزام الحزب وفعاليته خاصة في أعقاب نفس أعمال الشغب في دلهي عام 2020، فقد اعتُبرت أعمال الشغب تهديداً لوحدة المجتمع الهندي بشكل عام وتحدياً لقدرة الحزب على الحفاظ على القانون والنظام.
فبشكل ملحوظ، استغل قادة الحزب وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز محتوى يُظهر المسلمين بمظهر الخصم، وغالبًا ما تضمن ذلك ادعاءات كاذبة تتهمهم بالتورط في أنشطة إرهابية. هذه الادعاءات لم تُستخدم فقط لتشويه صورة المسلمين، بل كذلك لتعزيز الدعم الشعبي لسياسات الحزب المناهضة للمسلمين. من خلال ترويج الأكاذيب والتشويه، سعى الحزب إلى تبرير القيود السياسية والاجتماعية المفروضة على المسلمين وتعزيز مناخ من الخوف وعدم الثقة في المجتمع الهندي.
هذا التوجه الخطير في استخدام التكنولوجيا الرقمية للتأثير على الرأي العام في المجتمع الهندي الزاخر بالتنوع العرقي والديني، أدى لتغذية الانقسامات الطائفية، لتعزيز الهوية القومية القائمة على العنصرية على حساب التعددية والتسامح الديني.
تأثير السياسات المعادية للمسلمين على الناخبين المسلمين
لقد كان لسياسات حزب بهاراتيا جاناتا المناهضة للمسلمين تأثير كبير على الناخبين المسلمين، ففي الانتخابات العامة لعام 2024، لعب الناخبون المسلمون دورا حاسما في هزيمة حزب بهاراتيا جاناتا، ففي العديد من الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة، انخفضت حصة حزب بهاراتيا جاناتا من الأصوات بشكل كبير مع خسارة بعض المقاعد لصالح أحزاب المعارضة. وهنا يتضح كيف أن سياسات الحزب المعادية للمسلمين كانت عاملاً رئيسياً في هذا التراجع، حيث شعر العديد من المسلمين أن الحزب لم يعد خياراً قابلاً بالنسبة لهم.
بينما لعبت أحزاب المعارضة في الهند دوراً حاسماً في مواجهة تلك السياسات العنصرية لحزب بهاراتيا جاناتا. فكان حزب المؤتمر، على وجه الخصوص، صريحاً في انتقاده لموقف حزب بهاراتيا جاناتا تجاه المسلمين، وسعى إلى تقديم نفسه كبديل أكثر شمولاً وتسامحاً. كما سعت أحزاب المعارضة إلى الاستفادة من تركيز حزب بهاراتيا جاناتا اضطهاد المسلمين، من خلال تسليط الضوء على فشل الحزب في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. إذ جادلت الأحزاب بأن تركيز حزب بهاراتيا جاناتا على السياسات المعادية للمسلمين أدى إلى صرف الانتباه عن قدرة الحزب على معالجة المشاكل الملحة في البلاد مثل الفقر والبطالة.
لقد كان لسياسات حزب بهاراتيا جاناتا الشعبوية المناهضة للمسلمين تأثير كبير على المسلمين بشكل خاص و الهند بشكل عام. إذ أجج الانقسام في بلد شديد التنوع، وساهم في تنامي الشعور بعدم الثقة والعداء في المجتمع الهندي. ولم يتراجع الحزب خلال حملة الانتخابية مطلقاً عن إطلاق الخطابات العنصرية والعدائية، إذ داوم مودي على التركيز في خطاباته على معاداة المسلمين في جميع أنحاء البلاد، في حتى خلال سعيه للفوز بولاية ثالثة على التوالي، ادعى مودي على المسلمين أنهم "متسللون" سيأخذون ثروة الهند إذا وصلوا إلى السلطة، کما تحدث عن الأشخاص الذين لديهم عدد أكبر من الأطفال، مجازاً يحاول إثارة المخاوف من التغيير الديموغرافي في الهند، وهي صورة نمطية مفادها أن المسلمين لديهم أطفال أكثر من الهندوس، وأن هذا جزء من طريقتهم في أخذ الأفضلية على الأغلبية الهندوسية في البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن خطاب الحملة الانتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا، والذي تضمن نظريات المؤامرة المعادية للمسلمين مثل "جهاد الحب"، أدت إلى مزيد من الاستقطاب والاضطراب في البلاد مما ساهم في الأخير في هزيمة الحزب.
رغم تراجع الحزب، يظل مستقبل السياسات المعادية للمسلمين في الهند غير مؤكد، فقد أثار أداء حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات العامة لعام 2024 تساؤلات حول قدرة الحزب على مواصلة الترويج للسياسات المناهضة للمسلمين. بينما تعهدت أحزاب المعارضة في الهند بمواصلة التصدي لسياسات حزب بهاراتيا جاناتا المناهضة للمسلمين، فهل ستنجح في تقديم نفسها كبدائل أكثر تسامحاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.