عن العنجهية الإسرائيلية والعمى الاستعماري

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/05 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/05 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
نتنياهو ووزير جيش الاحتلال وقادة إسرائيل العسكريين/ رويترز

بعد مرور ثمانية أشهر من بدء معركة "طوفان الأقصى"، هل تقترب إسرائيل وحلفاؤها من الاعتراف بالهزيمة؟ هذا هو السؤال الذي يثار بشكل متزايد مع انتصاف عام 2024، خاصة بعد المقترح الجديد للهدنة في قطاع غزة الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة 31 مايو/أيار 2024، والذي يثير الكثير من الأسئلة والمخاوف بسبب غموضه ووجود العديد من الفخاخ فيه.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومجموعة من اللاعبين الدوليين المعروفين بمواقفهم المحافظة يتبعون استراتيجية ثابتة ومستمرة إلى اليوم يمكن وصفها بالعنجهية والمتناقضة، حيث يبدي هؤلاء تصميماً صلباً حتى عندما يواجهون خسائر في معاركهم ورهاناتهم، حيث لا يعترفون بالهزيمة أو بارتكاب أخطاء، بل يتبعون استراتيجية الفرار إلى الأمام، ويختبئون وراء مبررات وأعذار لا أساس لها في الواقع. 

بإعادة متابعة للأحداث منذ السابع من أكتوبر 2023، نجد أن الاحتلال بلا مبالغة يقع في متاهة حقيقية أولاً من الجانب العسكري، وثانياً من الجانب السياسي، وثالثاً من الجانب الاقتصادي.

منذ السابع من أكتوبر 2023، يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يورط نفسه في متاهة من الكوارث على الصعيدين العسكري والسياسي والاقتصادي، وذلك دون مبالغة. حيث فشلت محاولات جيش الاحتلال في إعادة السيطرة على غزة وإخضاع المقاومة في غضون أسابيع قليلة. وعلاوة على ذلك، فإن محاولاته في إغراق الأنفاق الخاصة بالمقاومة – والتي يُقدر طولها بأكثر من 500 كيلومتر بمياه البحر أو تعطيلها باستخدام مواد إسفنجية وتنظيفها بالغازات السامة – قد باءت بالفشل. ولم تنجح أيضاً محاولاته في تنفيذ مشاريع لتسليم السلطة في رام الله أو العشائر كبديل لحماس، أو حتى في تفريغ غزة من سكانها من خلال دفعهم للهجرة إلى سيناء.

حاول الاحتلال كل الأفكار والمشاريع القديمة الخبيثة والجديدة منها للتغلب على غزة، وقام بتطبيق تكتيكات مشابهة لتلك التي استخدمتها الولايات المتحدة في حروبها في فيتنام وأفغانستان والعراق، ولكنه فشل مراراً وتكراراً.

ورغم تفوق الاحتلال الإسرائيلي العسكري الساحق، إلا أنه فشل حتى الآن في تحقيق أي أهداف في حرب غزة، مثل القضاء على المقاومة وجلب الأسرى، بل العكس يتكبد الخسائر سياسياً بشكل لم يسبق في تاريخه، وعسكرياً يستمر في تكبد خسائر دون توقف، فوفقاً للأرقام العسكرية الإسرائيلية الرسمية، فإن عدد الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا منذ السابع من أكتوبر بلغ 644 قتيلاً، بينهم 293 في المعارك البرية في غزة، وأصيب 1848 آخرون في هذه المعارك. كما اعترف جيش الاحتلال، بمقتل 69 قائداً عسكرياً برتب متفاوتة منذ بدء الحرب. 

في الوقت نفسه، شهد الاحتلال الإسرائيلي تراجعاً ملحوظاً في قدرته على الردع التي قام ببنائها على مدى عقود. في شمال الأراضي المحتلة، دخل حزب الله من لبنان في معركة استنزاف كبيرة ضد تل أبيب، نجح فيها في إلحاق خسائر ضخمة بالمستوطنات الإسرائيلية في المنطقة، وفك رموز لأجهزة الدفاع الإلكترونية والصاروخية الإسرائيلية.

وتشهد الجبهة الشمالية تصاعداً كبيراً واتساعاً لرقعة النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله في جنوب لبنان؛ حيث تقول التقارير الإسرائيلية إن شمال "إسرائيل" شهد خلال شهر مايو/أيار الهجمات الأكثر شدة التي شنها حزب الله اللبناني منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 من تكتم شديد من قبل الجيش الإسرائيلي والرقابة العسكرية على حجم الخسائر البشرية.

وبحسب تقرير لمركز أبحاث "عالما" الإسرائيلي، فقد شن حزب الله 325 هجوماً على المستوطنات الشمالية في شهر مايو/أيار بمعدل 11 هجمة يومياً، بينما كان عدد هجمات حزب الله 238 في شهر أبريل/نيسان، بمعدل 8 هجمات يومياً. لكن أيضاً أصبحت هجمات حزب الله أكثر شدة كماً ونوعاً.

ويقول تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن خسائر حزب الله على الجانب اللبناني تزداد؛ لذلك بات الحزب يرد بقصف عنيف على عمق أكبر في شمال الأراضي المحتلة. ومع تصاعد الضغط الشعبي على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، فإن احتمال نشوب حرب شاملة يلوح في الأفق، مما ينذر بدمار أكبر بكثير في الشمال الذي أصبحت مشاهد الاحتراق لا تفارقه.  هذه الخسائر أدت عملياً إلى تقويض قدرة الردع للاحتلال الذي يحاول التكتم على حجم خسائرهم لمنع تدهور الروح المعنوية.

وقد وصل الأمر إلى تأكيد اللواء في الاحتياط بالجيش الإسرائيلي والقائد السابق للقوات البرية، يفتاح رون تال، أن إسرائيل وصلت إلى "صفر ردع في مواجهة حزب الله مع قدراته الخطيرة في حرب نشعر فيها بالإذلال".

يتواصل الفشل الإسرائيلي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ورغم ذلك، يظل قادة الاحتلال متمسكين بمنطق العنجهية الإمبريالي في المفاوضات. مصرين على استخدام القوة والهمجية في سعيهم لتحقيق أهدافهم، ظناُ أنهم سيحصلون على ما يريدون عبر المفاوضات ما فشلوا في الوصول إليه بالقوة. لكن من الواضح أن هناك نقص في فهم التاريخ، حيث لا يبدو أن نتنياهو وزملاؤه يدركون حقيقة أن العنجهية الإمبريالية لم تؤدي إلا إلى الهوة لكثير من القادة والزعماء في التاريخ. إذا كانوا يعتقدون أن كل شيء يتم قياسه بفارق القوة العسكرية، فلماذا حدث "طوفان الأقصى" في البداية؟ 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر نجيب
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد