يبدو أن المواجهات بين "حزب الله" اللبناني والاحتلال تتجه لدرجة أعلى من التصعيد، وأن وقفها مرهون بشرطين، هما: وقف الحرب في غزة، وتطبيق القرار الأممي 1701 بشأن وقف العمليات القتالية بين بيروت وتل أبيب بحسب مراقبين. وتزداد الأحداث في جنوب لبنان التهاباً مع تصاعد وتوسع نطاق المواجهات في الجبهة الشمالية تدريجياً بين الطرفين، وعلى وقع الحرب في غزة، حيث طرأ عليها تغير كبير في أساليب الاستهداف ونوعية السلاح المستخدم، إضافة إلى توسع جغرافية العمليات.
كيف تتصاعد المواجهات بين حزب الله والاحتلال؟
كانت الأيام الماضية في جنوب لبنان دامية تحت وطأة تصعيد إسرائيلي اتسم باستهداف مقاتلي "حزب الله" ومواطنين مدنيين بالمسيرات والغارات الجوية، لإيقاع أكبر عدد من الضحايا بينهم.
وكان الأحد الماضي 26 مايو/أيار 2024، أحد أشد أيام المواجهات بين الجانبين منذ ثمانية أشهر، بحيث بلغت حصيلة الشهداء في جنوب لبنان 8 وهو رقم قياسي هو الأعلى منذ 8 أكتوبر، حيث قالت تل أبيب إنها استهدفت مقاتلين لحزب الله بمسيرات في الناقورة وعيتا الشعب وحولا وغيرها من القرى.
تصعيد انبرى بعده حزب الله إلى الردود الأعنف والمركزة، مستهدفاً مستوطنات جديدة لم يكن قصفها سابقاً مثل مقر قيادة كتيبة ثكنة "حبشيت"، ناهيك عن توجيهه رشقات صاروخية كثيفة نحو مناطق مختلفة من الجليل بلغت أقصاها 15 عملية الإثنين الماضي. كما أعلن الحزب، يوم الجمعة 31 أيار/مايو، استهدافه ثكنة برانيت الإسرائيلية بصواريخ "بركان" ثقيلة ما أدى إلى "احتراقها وتدمير جزء منها".
دائرة النار تتسع نحو المزيد من التصعيد
في هذا الإطار، قال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الخبير الاستراتيجي العميد الركن المتقاعد هشام جابر إن "الوضع الأمني جنوب لبنان يشهد تطوراً ملحوظاً بعد التصعيد الإسرائيلي وقيامه بتكثيف عمليات الاغتيال لعناصر وقيادات في حزب الله".
وأضاف جابر للأناضول أن "إسرائيل استخدمت الطائرات المسيرة في عمليات الاغتيال ووسعت من غارتها مستهدفة العمق اللبناني بينما الحزب صعد بنوعية عمليته".
مشيراً إلى أن "حزب الله" لم تميل بعد إلى تكبير مساحة (العمليات) وضرب العمق الإسرائيلي وخاصة القطاع الغربي مثل حيفا وتل أبيب، حينها ستكون هي من بدأ في توسعة الحرب وهذا ما تريده إسرائيل".
ولفت إلى أن "الحزب لن يقدم على فتح حرب واسعة وهو منذ 8 أشهر يتعامل بميزان دقيق وإسرائيل تعرف أنه يمتلك الآلاف وأنواع متعددة من المسيرات يستطيع الحزب من خلالها أن يستطلع أجواء المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية وضربها بالصواريخ المنحنية والمباشرة".
وعندما يريد الحزب استهداف عمق المستوطنات يستخدم الطائرات المسيرة لتعطيل القبة الحديدية لتأتي من بعدها المسيرات الانتحارية (الانقضاضية) تصيب هدفها.
لكن بحسب جابر، فإن "التطورات في المشهد ذاهبة إلى المزيد من التصعيد ولكنه سيبقى تحت سقف الحرب الشاملة إلا إذا ذهبت إسرائيل نحوها مع لبنان، لكن ذلك حتى الآن مستبعد".
وقف المواجهات مرهون بأمرين
ويرى الخبير الاستراتيجي أن "الوضع الأمني في الجنوب لن يتوقف طالما حرب الإبادة مستمرة في قطاع غزة لأي سبب أقله كما يعلن الحزب دائماً". ومراراً أكد "حزب الله" أنه سيستمر في القتال ما لم توقف إسرائيل حملتها على غزة، ليبقى الطرفان عالقين في حرب استنزاف، حيث أجبر أكثر من 100 ألف لبناني وعدد مماثل من الإسرائيليين على النزوح من منازلهم.
وسبق أن أشارت إسرائيل إلى أنها قد تزيد حدة الأعمال العسكرية إذا أخفقت الدبلوماسية في السماح للسكان الذين يعيشون في المناطق الواقعة على حدودها الشمالية بالعودة إلى منازلهم بأمان.
وتابع جابر أن "المفاوضات مستمرة ولكن كل الشروط الإسرائيلية مرفوضة والتي تتعلق بوقف إطلاق النار وانسحاب حزب الله من جنوب الليطاني".
وتطالب إسرائيل بإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني بجنوب لبنان عبر تسوية دولية استناداً إلى القرار الأممي رقم 1701 (والذي ينص على إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل)، وهددت أنه إذا لم تنجح التسوية السياسية الدولية فإنها ستتحرك عسكرياً لإبعاد حزب الله عن الحدود.
في 11 أغسطس/آب 2006، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 1701، الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، بعد حرب استمرت 33 يوماً بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
يدعو القرار إلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوبي لبنان، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل).
وسبق أن أكد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي استعداد بلاده لتطبيق القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة "بحذافيره"، شرط انسحاب إسرائيل من أراض حدودية محتلة يطالب بها لبنان.
وبحسب مكتب ميقاتي، فإنه يشير إلى الأراضي التي يطالب بها لبنان ولا تزال تحتلها إسرائيل منذ انسحابها من جنوب لبنان عام 2000: مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من قرية الغجر.
ويرى الخبير الاستراتيجي جابر فإن "لبنان موقفه صريح وواضح وهو انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة وتطبيق القرار الدولي 1701. لكن تل أبيب تناور وتراوغ ولا تريد تطبيق سوى نصفه (للقرار 1701) فقط فيما يتعلق به، أي تطبيق إبعاد "حزب الله" عن الحدود وتجاهل الخروقات الإسرائيلية وعدم انسحابها من الأراضي المحتلة".
في تصريح سابق له، قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب: "أبلغنا الجميع (المسؤولين الدوليين) بأننا على استعداد لتنفيذ القرار 1701 بحذافيره، أي أنه يجب العودة إلى خط الهدنة لعام 1949، ما يعني انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية وأن توقف خروقاتها البرية والبحرية والجوية".
ولفت جابر إلى أنه "من الممكن للوضع أن يتوقف إذا أعلنت إسرائيل قبولها تطبيق القرار 1701 بحذافيره، وهنا لبنان يكون خطى الخطوة الأولى نحو إيقاف النار من جانبه بالتزامن مع توقف المجازر في غزة. وهذان الأمران متلازمان لتوقف المواجهات جنوب لبنان".
إنجازات استراتيجية في جبهة الجنوب
الخبير الاستراتيجي والعسكري، العميد المتقاعد ناجي ملاعب، قال بدوره للأناضول إن "حزب الله أثبت أن لديه تدريبات على وسائل قتالية حديثة ومعقدة واستطاع أن يفاجئ العدو (الإسرائيلي) بعمليات معقد مثل إرسال صواريخ ومسيرات سويا ومسيرات تحمل صواريخ".
وأضاف أن هذه العمليات(المعقدة) ليست سهلة وتدل على أن الحزب يستطيع التعامل بتقنيات عسكرية حديثة لم يخرجها بعد. حزب الله أظهر أن لديه مضادات جوية أسقطت مسيرات إسرائيلية متطورة مثل هرمس 450 و هرمس 900 مرتين.
وأشار ملاعب إلى أن "الحزب لديه تقنيات أعلى من ذلك وليس فقط على المستوى المنخفض إنما على المستوى المتوسط أيضاً. لديه صواريخ بانتسير دفاع جوي أرض-جو قصير ومتوسط المدى، روسي الصنع لم يظهرها بعد".
وبعد ما يقارب 8 أشهر أثبتت المواجهات جنوب لبنان أن إسرائيل فتح حرب على جبهتين (جبهة غزة وجبهة جنوب لبنان). وأن الحزب استطاع أن يخلق منطقة عازلة (شمال إسرائيل) بفضل تهجير حوالي 90 ألف مستوطن إسرائيلي من الجليل الأعلى لأول مرة في تاريخ إسرائيل".
ورأى ملاعب أن "الحزب استطاع أن يحقق معادلة الردع المتبادل، سواء كان بالرسائل من خلال القصف، أو باثبات قدرته على توسعة رقعة المواجهة إذا ما اختارت إسرائيل توسعتها".
وأشار الخبير العسكري إلى أن "الحزب رغم عدم امتلاكه أية قاعدة عسكرية أو مراكز ظاهرة أو معروفة في الجنوب اللبناني، استطاع بعد 8 أشهر الصمود على طول خط مواجهة يبلغ 105 كلم في وجه إسرائيل المتفوقة جوياً والتي تملك ترسانة سلاح كبرى في المنطقة".
ومنذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتبادل "حزب الله" وفصائل فلسطينية في لبنان مع الجيش الإسرائيلي قصفاً يومياً متقطعاً؛ أسفر عن قتلى وجرحى، معظمهم في لبنان.
ويقول الحزب إنه يتضامن مع قطاع غزة، الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر الماضي، لحرب إسرائيلية بدعم أمريكي، خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وفي خطابه الأخير، يوم 24 مايو /أيار الماضي، قال أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله، إن إسرائيل "لم تحقق" أي هدف من أهدافها في الحرب على قطاع غزة باعتراف قادتها، وتوعدها بـ"مفاجآت" من جماعته. فيما رد عليه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في 29 من الشهر نفسه قائلاً إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يجر لبنان إلى واقع "صعب".