ضوء أخضر من بايدن.. لماذا تتمادى إسرائيل في استهداف الخيام في رفح رغم الغضب الدولي؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/29 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/29 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
النازحون في رفح/رويترز

نشرت إسرائيل فرقة رابعة من جيشها في رفح ومحور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، بعد ارتكاب مذبحتين للمدنيين في الخيام، فهل يتحرك جيش الاحتلال بضوء أخضر من إدارة جو بايدن؟

"ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في رفح مرتبط، ولو جزئياً، بالموقف الأمريكي"، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس، يرصد كيف أن الإدارة الأمريكية لم تحاول أبداً أن تمنع توغل الجيش في رفح، لكنها فقط طلبت من تل أبيب أن تتوخى الحذر وتقلل الحد الأدنى من الضرر بحق المدنيين".

كيف ردت إدارة بايدن على مذابح خيام رفح؟

في أعقاب المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 26 مايو/أيار، جاء رد فعل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على النحو التالي:

– "نراقب عن كثب التحقيق في الغارة الجوية الإسرائيلية المأساوية على رفح".- "العمليات الإسرائيلية في المدينة (رفح) لا ترقى حتى الآن لهجوم بري كبير يتجاوز أي خطوط حمراء أمريكية".

جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، قال للصحفيين في البيت الأبيض الثلاثاء: "يقول الإسرائيليون إن هذا خطأ مأساوي"، رداً على سؤال إذا كان ما حدث في رفح يُصنف من قبيل أعمال "القتل والتدمير" التي حذر مسؤولون أمريكيون من أنها قد تؤدي إلى تعليق المزيد من المساعدات لإسرائيل.

الإشارة هنا إلى القصف الإسرائيلي على خيام مكتظة بالنازحين في مدينة رفح والذي أدى إلى ارتقاء 45 فلسطينياً غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، والقنابل التي أسقطتها طائرات الاحتلال هي قنابل أمريكية الصنع أمدت بها واشنطن تل أبيب.

جو بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن / رويترز

سعى كيربي إلى تبرير الجرائم الإسرائيلية، قائلاً للصحفيين إن الولايات المتحدة ليس لديها "أداة قياس أو مقدار محدد هنا. قلنا أيضا إننا لا نريد أن نشهد عملية برية كبيرة في رفح من شأنها أن تصعّب على الإسرائيليين ملاحقة حماس دون إلحاق أضرار جسيمة واحتمال وقوع عدد كبير من القتلى. لم نشهد ذلك بعد"، مشيراً إلى أن العمليات الإسرائيلية تكاد تقتصر على منطقة على مشارف رفح.

وعندما حاصر الصحفيون كيربي بأسئلة محددة حول ما إذا كانت هذه العمليات في رفح ستدفع واشنطن لتعليق المزيد من المساعدات العسكرية، قال كيربي "أعتقد أن ذلك ما أقوله هنا".

أمريكا تتبنى رواية إسرائيل.. كالعادة!

كاملا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، علقت أيضاً على مجزرة الخيام في رفح قائلة إن "كلمة مأساوية لا ترقى حتى كمنطلق لوصف ما جرى"، وذلك رداً على سؤال لأحد الصحفيين خلال حديثها في فعالية بواشنطن، فيما يبدو أنه رد مباشر على توصيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمجزرة. كان نتنياهو قد قال الأحد إنه "حدث للأسف شيء خاطئ على نحو مأساوي".

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنه بمجرد اطلاعها على تقارير عن "هجوم رفح"، عبرت الإدارة الأمريكية لحكومة إسرائيل عن قلقها البالغ إزاء الواقعة، مضيفة أن واشنطن حثت إسرائيل على فتح تحقيق، وهو ما تعهدت إسرائيل بالقيام به، بحسب رويترز.

ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية، قال للصحفيين إن واشنطن ستراقب عن كثب التحقيق الإسرائيلي، لكن عمليات الجيش الإسرائيلي في رفح حتى الآن "ليست كبيرة" بحجم العمليات التي تجري في وسط وشمال قطاع غزة.

قصف خيام رفح
آثار القنبلة أمريكية الصنع التي أسقطتها طائرات إسرائيل على خيام رفح/ الأناضول

ماذا قال جيش الاحتلال؟ زعم أنه استهدف عضوين كبيرين بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، و"لم يتعمد إسقاط قتلى أو جرحى من المدنيين". وهذا ما كرره كيربي بقوله إن حماس أصدرت بياناً تعلن فيه "استشهاد مقاتلين اثنين في غارة يوم الأحد"، مشيراً إلى أن إسرائيل كانت تسعى لملاحقة حماس "بطريقة محددة الأهداف ودقيقة".

"يقول الإسرائيليون إنهم استخدموا قنابل تزن 37 رطلاً (17 كغم) وقنابل دقيقة التوجيه، وإذا كان هذا ما استخدموه بالفعل، فمن المؤكد أنه يشير إلى أنهم كانوا يجتهدون في أخذ الحيطة ولأن (تكون الغارة) دقيقة وموجهة. يبدو جلياً الآن أن ذلك كانت له نتائج مأساوية، ومن الواضح أن الأمر بحاجة إلى التحقيق فيه".

أين الحقيقة في الحرب على غزة؟

ما قاله كيربي للصحفيين بشأن وزن القنابل التي أسقطتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على الخيام في رفح (17 كغم) عبارة عن كذب لا يمت للحقيقة بصلة، فوزن القنبلة الواحدة من النوع المستخدم في تلك الغارة هو 110 كغم، وهي قنبلة أمريكية الصنع، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

تحليل الشبكة الأمريكية خلص إلى أنه "تم استخدام ذخائر مصنوعة في الولايات المتحدة في الغارة الإسرائيلية الدامية على مخيم للنازحين في رفح يوم الأحد". مضيفا أنها "قنبلة انزلاقية صغيرة القطر من طراز جي بي يو-39، موجهة بدقة وزنتها 110 كغم".

المعلومة ذاتها جاءت في تقرير هآرتس: "الوزن الذي قدمه تقرير المتحدث باسم الجيش (دانيال هاغاري) عن نتائج التحقيق قال إن وزن القنبلة 17 كغم، وهو رقم خادع لأن وزن القنبلة الفعلي هو 110 كيلوغرامات".

السؤال هنا: هل لا يعرف كيربي وباقي المسؤولين في إدارة بايدن هذه المعلومات التي نشرتها جميع وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية والغربية والعالمية، وصولاً إلى روسيا والصين؟ الإجابة واضحة بطبيعة الحال.

الجيش الإسرائيلي هاغاري
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري/رويترز

ومساء اليوم نفسه الذي خرج المسؤولون في إدارة بايدن لتبرير مجزرة الخيام التي ارتكبتها إسرائيل في رفح، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة جديدة في منطقة المواصي في المدينة الجنوبية، ارتقى خلالها أكثر من 20 شهيداً فلسطينياً من المدنيين، فماذا قال جيش الاحتلال هذه المرة؟

سارع الجيش الإسرائيلي إلى نفي قصفه لمنطقة المواصي، وهي المنطقة التي طالبت إسرائيل النازحين في رفح بالتوجه نحوها "ووعدت بأنها لن تهاجم تلك المنطقة". وهو نفس الأسلوب الذي يتبعه الجيش منذ اندلاع الحرب على غزة قبل نحو 8 أشهر، بحسب افتتاحية صحيفة هآرتس الأربعاء 29 مايو/أيار وعنوانها "في إسرائيل نتنياهو، رعب رفح ليس خطأ ولا استثناء".

هل ناقض بايدن نفسه مرة أخرى؟

هذا التبرير الأمريكي للجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين النازحين في خيام رفح يمثل في حد ذاته تناقضاً صارخاً مع "تعهد" جو بايدن بحجب الأسلحة عن إسرائيل إذا نفذت اجتياحاً كبيراً للمدينة يعرض النازحين هناك للخطر.

فعلى مدى الأسابيع والأشهر الماضية، أعلن بايدن "موقفه" من الرفض المطلق لأي عملية إسرائيلية في رفح "دون وجود خطة قابلة للتنفيذ تضمن عدم تعرض المدنيين لأضرار كبيرة".

وبينما شعر العالم كله بالفزع والغضب الشديد مما يرتكبه جيش الاحتلال من مجازر في منطقة مصنفة على أنها "منطقة إنسانية" لجأت إليها عائلات بعد نزوحها من أماكن أخرى في غزة بسبب الحرب الإسرائيلية، تخرج التصريحات الأمريكية مرة أخرى لتبرر ما يفعله جيش الاحتلال وتردد أكاذيبه التي لا يصدقها البعض داخل إسرائيل نفسها.

إسرائيل محكمة الجنايات
مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان – رويترز

وبحسب هآرتس، يعتمد حجم والمدى الزمني لما تفعله إسرائيل في رفح إلى حد ما على موقف إدارة بايدن، وهو الموقف الذي يبدو حتى الآن إنه لا مشكلة لديه فيما يحدث وإنما "يقول بحذر إنه يتوقع تفسيرات أخرى من جانب إسرائيل". فباستثناء بعض المواقف الرمزية، "لم تحاول واشنطن منع تقدم الجيش الإسرائيلي لكنها تطلب من تل أبيب أن تتصرف بحذر وتقلل من الضرر بين صفوف المدنيين".

ماذا يعني التقليل من الضرر بين صفوف المدنيين؟ وما هو "عدد الضحايا" الذي قد لا يعتبر مقبولاً لدى إدارة بايدن؟ هذه هي الأسئلة الأكثر ترديداً على مسامع بايدن ومسؤولي إدارته في المؤتمرات الصحفية، والإجابة دائماً لا تتغير: "لا يوجد لدينا مقياس محدد".

ما يحدث في رفح ليس جديداً

لا شيء مما يحدث في رفح الآن مختلف عما حدث خلال الحرب على غزة منذ بدايتها قبل نحو 8 أشهر. في الوقت الحالي لا يبدو أن هذه الحرب يمكن أبداً أن تؤدي إلى أي انتصار استراتيجي لإسرائيل بأي حال من الأحوال؛ وأي تحسين دائم للوضع السياسي الذي كان قائماً قبل اندلاعها بالنسبة لإسرائيل، بحسب تحليل لموقع Vox الأمريكي. ولم يكن من الممكن أن تستمر إسرائيل في تلك الحرب وبنفس هذه الطريقة الدموية التدميرية دون "ضوء أخضر" من إدارة جو بايدن.

فمنذ البداية، زعمت إسرائيل أن قيادة حماس المركزية والأسرى أيضاً موجودون هناك في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة في الشمال، وشنت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وجيش الاحتلال "حملة علاقات عامة مكثفة" لإقناع الداخل والخارج بهذا الزعم لتبرير اقتحام المجمع الطبي الأكبر في القطاع المحاصر، فماذا حدث؟

نفذت إسرائيل الاقتحام، الذي يمثل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وتسببت في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين والطواقم الطبية على مرأى ومسمع من العالم، وفي النهاية لم تجد قيادات حماس ولا الأسرى ولم تحاسب على جرائمها، ولم يتزعزع دعم إدارة بايدن وظل "الضوء الأخضر" على حاله.

جاء الدور على خان يونس في وسط قطاع غزة، وتكرر الأمر نفسه وبالنتائج نفسها وأيضا لم تحقق إسرائيل شيئاً، باستثناء التقتيل والتدمير بحق أهل غزة من المدنيين العزل، وأيضاً لم يتم إطفاء "الضوء الأخضر" الأمريكي ولا توقفت المساعدات العسكرية أو الغطاء الدبلوماسي.

الأمر نفسه يحدث الآن في رفح، والضوء الأخضر الأمريكي لا يزال على حاله أيضاً. بحسب القانون الدولي وأخلاقيات أي صراع مسلح، أي عمل عسكري يمثل خطراً داهماً على حياة المدنيين يلقي أعباء ثقيلة للغاية على كاهل الجيش الذي يقدم عليه لتبريره، فكيف تبرره إسرائيل الآن؟ رفح هي أكبر قاعدة عمليات لا تزال متوفرة لدى حماس، لكن هذا ليس كافياً بالتأكيد، بحسب تحليل Vox استناداً إلى آراء خبراء قانونيين وحقوقيين.

هل يقود نتنياهو إسرائيل إلى الانتحار؟

تواجه إسرائيل الآن موقفاً مستحيلاً لم تتعرض له من قبل منذ نشأتها، لكن يبدو أن حكومة نتنياهو تتجاهل التهديدات المحدقة بتل أبيب؛ قرارات محكمة العدل الدولية بالوقف الفوري للحرب في رفح، وتوجه المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وخطر إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً جديداً بوقف الحرب على غزة وما إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم الفيتو لعرقلة إصداره، والأخطر من كل ذلك تلك العزلة الدولية المتزايدة واتجاه الاتحاد الأوروبي لإصدار عقوبات على إسرائيل، بحسب هآرتس.

نتنياهو
رئيس الوزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو / الأناضول

أما على المستوى الداخلي، فالمهلة التي حددها بيني غانتس (الوزير في مجلس الحرب) لنتنياهو قد أوشكت على الانتهاء، في إشارة إلى طلبات غانتس المتمثلة في وجود خطة لما بعد الحرب لإدارة غزة وعقد صفقة لتبادل الأسرى مع حماس، وهي المهلة التي تنتهي يوم 8 يونيو/حزيران المقبل.

لكن المؤشرات حتى الآن تسير في اتجاه إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب واجتياح رفح، حيث إن الموقف الأمريكي يبدو أنه يلعب الدور الأكبر الآن في "تشجيع" نتنياهو على عدم التراجع، وقد يكون الظهور المكثف لرئيس الوزراء الإسرائيلي على الشبكات الأمريكية واستعداده للتوجه إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس أقوى المؤشرات على هذا التوجه.

إذ يسعى نتنياهو إلى توظيف الاستقطاب بين الجمهوريين والديمقراطيين لصالحه، فالتوتر الظاهر الآن بين بنيامين نتنياهو وجو بايدن ليس جديداً، ورغم ذلك يسعى الرئيس الأمريكي إلى عدم المخاطرة بفقدان دعم اللوبي اليهودي في الانتخابات الشرسة التي تنتظره في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما يدركه نتنياهو ويوظفه لصالح استمرار الحرب، بغض النظر عما يعنيه ذلك لإسرائيل وتأثيره المدمر على مستقبل العلاقة بين تل أبيب وواشنطن.

تحميل المزيد