منذ توليه منصبه كمدعٍ عام للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو/حزيران 2021 قال كريم خان إنه سيضفي "العزيمة" و"القوة" على وظيفة المدعي العام في المحكمة. وسوف يحتاج المحامي البريطاني إلى هذه الصفات وهو يواجه العاصفة السياسية التي أحدثها عندما تقدم بطلب لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، فضلاً عن ثلاثة من قادة حماس. ويقول خان إن لديه "أسباباً معقولة" للاعتقاد بأن القادة الإسرائيليين مسؤولون عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك استخدام المجاعة كسلاح حرب.
من هو كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية؟
كريم أحمد خان هو محامٍ بريطاني٬ وُلد في 30 مارس 1970 في إدنبرة في اسكتلندا٬ لأم بريطانية وأب باكستاني. فهو مسلم أحمدي قادياني. وهو واحد من أكثر من 10 ملايين شخص يعتبرون أن ميرزا غلام أحمد، وهو هندي أسس مذهبهم في عام 1889، كان نبياً. وكان خان قد تزوج سابقاً من ابنة ميرزا طاهر أحمد، الذي يعد الزعيم الرابع للقاديانية.
في عام 1974، أعلنت باكستان، حيث يعيش معظم الأحمديين، أنهم غير مسلمين. وقد منعتهم البلاد من ممارسة شعائرهم الدينية في عام 1984، مما دفع العديد منهم إلى السفر إلى الخارج. وقد تعرض الأحمديون للاضطهاد منذ ذلك الحين٬ بما في ذلك في بريطانيا. ويقول خان إن تجربة مجتمعه ساعدته على "الانجذاب" نحو قانون حقوق الإنسان٬ بحسب مجلة Economist البريطانية.
درس خان في كلية كينجز في لندن درس خان المحاماة وتخصص في القانون الجنائي الدولي٬ والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ حيث التحق بكلية ولفسون بجامعة أكسفورد لدراسات الدكتوراه في القانون. وحصل خان على وظيفته الأولى في النيابة العامة البريطانية. وفي أواخر التسعينيات عمل في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ومن هناك شق طريقه إلى المحاكم الخاصة في لاهاي، وأسس سمعته كمحامي دفاع.
فقد ساعد خان في الدفاع عن رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور ضد الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وعمل لصالح ويليام روتو، رئيس كينيا الآن، في قضية جرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية. (تم إسقاط القضية في عام 2016)٬ كما دافع عن نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام.
وشغل خان منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومنصب المستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش في العراق. واُنتخب في فبراير 2021 رئيساً للادّعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية وتسلّم منصبه في يونيو 2021 لمدة تسع سنوات.
ما موقف كريم خان حيال الأزمة في غزة؟
تقول مجلة Economist إن خان حاول إعادة تنشيط المحكمة، التي تتمتع بسجل متواضع للغاية في تقديم المتهمين إلى العدالة. وهو يعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تتصرف بسرعة بشأن الادعاءات حول جرائم الإبادة الجماعية والتجويع في غزة. وكما أوضح خان في مقابلة مع سي إن إن قائلاً: "عندما يشعر الناس بالرعب والخوف على حياتهم، يجب أن يُنظر إلى القانون على أنه متصل بهم".
ويعتقد خان أيضاً أن المحكمة الجنائية الدولية ينبغي أن تكون أقرب إلى ضحايا الظلم الذين تخدمهم. وزار خان إسرائيل والضفة الغربية في ديسمبر/كانون الأول ولم يزُر قطاع غزة رغم مناشدة الأطباء والمسؤولين له هناك بذلك، وتحدث إلى عائلات القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي نفذته حركة حماس وأبدى تعاطفه معهم.
وحينها٬ عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن صدمته من إصرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان على تجنّب أي تحرك عملي إزاء ما يجري في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما قطاع غزة، معتبراً أن ذلك قد يرتقي بوضوح إلى ازدواجية معايير ويثير شبهات تبعية سياسية.
وكان خان قد صرح في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأنّه تلقى طلبات للتحقيق في الوضع في الأراضي الفلسطينية، من جنوب أفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي. واستمدت هذه الطلبات قوتها من حقيقة أن وزارة الخارجية في دولة فلسطين أودعت عام 2015 إعلاناً لدى المحكمة؛ بموجب المادة 13 الفقرة 3، قبلت فيه باختصاصها بأثر رجعي يعود إلى 13 يونيو/حزيران 2014. وقد فتح خان تحقيقاً في عام 2021، لكن لم تظهر نتائجه، ولم يعرف مصيره حتى الآن.
ومن خلال ملاحقة بوتين ونتنياهو الآن، يريد خان أيضاً إبعاد التصور بأن المحكمة تهاجم فقط أمراء الحرب والدكتاتوريين الأفارقة. ويقول إنه إذا تم النظر إلى القانون على أنه "يطبق بشكل انتقائي، فسنقوم بتهيئة الظروف لانهياره". ويجب ألا يُنظر إلى مكتب المدعي العام مرة أخرى على أنه "نمر من ورق".
وفي حوار له مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، نشرته يوم 21 مايو/أيار 2024، قال خان إن عدداً من القادة تحدثوا معه عقب قراره الأخير، ووصف تعليقاتهم بشأن ذلك بـ"الوقحة". وصرح "خان" قائلاً: "لقد تحدث معي بعض القادة وقالوا لي بوقاحة إن هذه المحكمة مخصصة لأفريقيا والبلطجية مثل بوتين، وقد أخبرني أحد كبار القادة أننا لا ننظر إلى المحكمة بهذه الطريقة".
وزاد يقول: "هذه المحكمة خلقت ضد البلطجة، ضد القوة غير المقيدة، من أجل دعم الفئات الأكثر ضعفاً، إنها تدافع عن حق كرامة الأفراد، وحماية الأطفال، هذه هي القيم الأمريكية الأساسية التي يجب أن تدعم من طرف الحزبين". غير أن كريم خان شدد على أن هذه التهديدات "لم تثنِ ببساطة المحكمة عن المضي قدماً، وأن تفعل ما يجب عليها أن تفعله".
هل يتراجع خان تحت الضغوط؟
لن يتم إصدار أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت إلا بعد موافقة قضاة المحكمة الجنائية الدولية عليها. وقد أدان القادة الإسرائيليون الطلب المقدم ضد قادتهم، كما فعل العديد من السياسيين الغربيين، بمن في ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن. وهدد أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ بفرض عقوبات٬ بما في ذلك حظر السفر، على المدعي العام ومساعديه. لكن لا يبدو أن خان قد أقدم على هذه الخطوة تعسفاً٬ وهو يعلم ما سيواجهه في قادم الأيام.
وأورد موقع "زيتيو"، فحوى "رسالة تهديد" أرسلها 12 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ، بمن فيهم توم كوتون وماركو روبيو وتيد كروز، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية خان.
وزعمت الرسالة الموجهة أنه إذا أصدر مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، فسيتم تفسير هذا الوضع "على أنه تهديد ليس فقط لسيادة إسرائيل، ولكن أيضاً لسيادة الولايات المتحدة"، وسيفضي إلى "عقوبات ثقيلة".
أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فقد قال إن الإدارة الأمريكية يسعدها العمل مع الكونغرس على صياغة رد مناسب على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي يسعى لإصدار مذكرتي اعتقال بحق اثنين من قادة إسرائيل بشأن حرب غزة. ووصف بلينكن في جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ هذا التحرك بأنه قرار "خطأ للغاية" من شأنه أن يعقد احتمالات التوصل إلى اتفاق لتحرير الرهائن ووقف إطلاق النار في الصراع الدائر في غزة.
وكان المدعي البريطاني كريم خان يتهم بالتباطؤ في القضية الفلسطينية بصورة خاصة، كما أنه من المعروف أنه ساهم في إنهاء السياسة السلبية الأمريكية ضد المحكمة الجنائية الدولية، بحسب تقرير سابق لوكالة رويترز. فبعد أشهر فقط من تعيينه في المنصب لولاية مدتها تسع سنوات في لاهاي، حول خان تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في أفغانستان بعيداً عن القوات الأمريكية وصب التركيز على الجرائم المزعومة التي ترتكبها حركة طالبان وأعضاء الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وأثارت هذه الخطوة انتقادات من منظمات حقوق الإنسان واعتبرها البعض محاولة لكسب تأييد واشنطن، حسب تقرير رويترز.
المفارقة أن تحقيقات أمريكية أجريت بالفعل بشأن انتهاكات لجنودها وعملائها في أفغانستان، ولم تؤدِّ إلى توجيه اتهامات، ولكن خلص تقرير صادر عن لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي عام 2014 إلى أن وكالة المخابرات المركزية تسترت على جرائمها، بما في ذلك عن طريق تقديم ادعاءات كاذبة إلى وزارة العدل، حسب ما ورد في موقع منظمة "هيومان رايتس واتش" الأمريكية.
ولا يزال تقرير مجلس الشيوخ المؤلف من 6700 صفحة سرياً، لكن نسخة منقحة من الملخص المكون من 525 صفحة تظهر أن أساليب الاستجواب المسيئة من قبل "السي آي إيه" كانت أكثر وحشية ومنهجية وانتشاراً مما ورد في التقارير السابقة، حسب "هيومان رايتس ووتش".