أصدرت محكمة العدل الدولية الجمعة 24 مايو/ أيار 2024 قراراً يطالب إسرائيل بوقف عمليتها العسكرية على رفح، بعد طلب جنوب إفريقيا قبل أيام من المحكمة وقف هذه الحرب البشعة المستمرة على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 8 أشهر.
يأتي هذا القرار الذي جاءت معه عدد من الإجراءات التي تجبر إسرائيل على وقف الإبادة الجماعية على قطاع غزة ليفاقم غضب سلطات الاحتلال، ويمثل حلقة جديدة في إحكام قبضة القانون الدولي لأول مرة عليها منذ نشأتها.
وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة قبل أشهر أن تأمر بوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح في جنوب قطاع غزة وسحب قواتها من كل القطاع.
والقرار الصادر عن المحكمة اليوم الجمعة 24 مايو/أيار هو بشأن أحدث طلب لجنوب أفريقيا بالتدخل الفوري أو فرض تدابير طارئة على إسرائيل، وليس بشأن قضية الإبادة الجماعية الأوسع التي قد يستغرق الحكم فيها سنوات.
وسبق أن أصدرت المحكمة قرارين ضد إسرائيل يأمران بـ"منع ومعاقبة" التحريض على الإبادة، وإدخال مساعدات إلى القطاع المحاصر، وحماية المدنيين، وتحسين ظروف معيشتهم، لكنها لم تصل إلى حد إصدار قرار يلزمها بوقف إطلاق النار في غزة.
إليك أكثر ما تخشاه إسرائيل من القرار
وقبل صدور القرار توقعت، صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، الخميس: "تشير التقديرات في إسرائيل إلى أن محكمة العدل الدولية في لاهاي (بهولندا) ستصدر غداً أوامر بوقف الحرب" سواء بإنهاء حرب تل أبيب المستمرة على قطاع غزة، أو وقف هجومها البري في مدينة رفح (جنوب).
واعتبرت الصحيفة أن "الأوامر بوقف الحرب هي السيناريو الأكثر خطورة الذي تخشاه إسرائيل منذ جلسة الاستماع الأولى بلاهاي في يناير الماضي".
تبعات القرار على دولة الاحتلال
"أحد المخاوف الكبيرة بالنسبة لإسرائيل هو أن الأوامر القضائية الصادرة عن لاهاي يمكن أن تعجل بإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، وستحتاج إسرائيل مجدداً إلى أن تستخدم (حليفتها) الولايات المتحدة النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار (بوقف الحرب)".
ومع أن أحكام محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للطعن عليها، فإن المحكمة لا تملك أي سلطة لتنفيذها.
ومن الممكن أن يضر الحكم ضد إسرائيل بسمعتها الدولية ويشكل سابقة قانونية، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز.
وتواصل إسرائيل الحرب أيضاً رغم اعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها ووزير دفاعها؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، ورغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف القتال فوراً.
وهذه الحرب الإسرائيلية، المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلفت في غزة أكثر من 115 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط مجاعة قاتلة ودمار هائل.
ومنذ 6 مايو/أيار الجاري، تشن إسرائيل هجوماً برياً في رفح، واستولت في اليوم التالي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري مع مصر؛ ما أدى إلى إغلاقه أمام عبور الجرحى ومساعدات إنسانية شحيحة بالأساس.
كما تسبب الهجوم بتهجير نحو 810 آلاف فلسطيني من رفح، وفق الأمم المتحدة، بعد أن كانت المدينة تضم 1.5 مليون، بينهم 1.4 مليون نازح من أنحاء أخرى في القطاع.
ما طبيعة القضية التي رفعتها قضية جنوب أفريقيا؟
جاء في الملف الأولي الذي قدمته جنوب أفريقيا بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب ويتكون من 84 صفحة أن قتل إسرائيل للفلسطينيين في غزة وإلحاق أذى نفسي وجسدي جسيم بهم وخلق ظروف معيشية تهدف إلى "تدميرهم جسدياً" يعد إبادة جماعية.
وركزت جنوب أفريقيا في جلسات استماع عُقدت في يناير/كانون الثاني على تقاعس إسرائيل عن توفير الغذاء الأساسي والمياه والأدوية والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية لغزة خلال الحرب الدائرة مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وأشار التقرير أيضاً إلى حملة القصف المستمرة التي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 35 ألف شخص وفقاً لمسؤولي قطاع الصحة في غزة.
وفي 16 مايو/أيار الجاري، طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة إصدار أمر للقوات الإسرائيلية بوقف عملياتها في رفح بجنوب غزة؛ حيث يحتمي نحو نصف سكان القطاع وعددهم 2.3 مليون شخص بعد نزوحهم بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشمال. كما طلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالانسحاب الكامل من قطاع غزة.
ما هي قرارات محكمة العدل في القضية قبل صدور قرار اليوم؟
بعد الجولة الأولى من جلسات الاستماع المتعلقة بالتدابير الطارئة في يناير كانون الثاني، لم تأمر المحكمة إسرائيل بوقف الحرب.
ولكنها ارتأت أنه من المعقول أن إسرائيل انتهكت بعض الحقوق المكفولة للفلسطينيين في قطاع غزة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وأمر القضاة إسرائيل بالكف عن أي أعمال يمكن أن تندرج تحت اتفاقية منع الإبادة الجماعية وضمان عدم ارتكاب قواتها أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
وتشمل تلك الأعمال بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية قتل أعضاء جماعة ما وإلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم وتعمد الإضرار بالأحوال المعيشية بقصد تدمير الجماعة كلياً أو جزئياً.
وأمر القضاة إسرائيل أيضاً باتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وأعلنت المحكمة في مارس/آذار المزيد من التدابير الطارئة حينما أمرت إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية والفعالة لضمان وصول الإمدادات الغذائية الأساسية للفلسطينيين في قطاع غزة.
كيف ردت إسرائيل على القرار؟
دون جدوى، أمرت المحكمة مراراً منذ يناير/كانون الثاني الماضي إسرائيل باتخاذ تدابير مؤقتة لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني بقطاع غزة المحاصر للعام الـ18، ويسكنه نحو 2.3 مليون فلسطيني، حسب تقرير لوكالة الأناضول.
وزعمت إسرائيل بأن "أوامر المحكمة قد تجعل من الصعب على إسرائيل مواصلة مهمتها في غزة، رغم أنها تؤكد أنها غير ملزمة بأحكام المحكمة".
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهامات الإبادة الجماعية ووصفها بأنها شائنة. وتزعم إسرائيل أنها تفعل ما في وسعها لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وتتهم حركة حماس باستخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية، وهو ما تنفيه الحركة.
وتقول إسرائيل إن حق الدفاع عن النفس يجب أن يكون مكفولاً لها بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز 253 رهينة وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية.
وفي دفاعها أمام محكمة العدل الدولية في 17 مايو/أيار، زعمت إسرائيل إن طلب جنوب أفريقيا "يستخف باتفاقية منع الإبادة الجماعية"، وطلبت من القضاة رفضه.
ما هي محكمة العدل الدولية؟
محكمة العدل الدولية التي يطلق عليها أيضاً اسم المحكمة العالمية هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، وتأسست عام 1945 للبت في النزاعات بين الدول. ولا ينبغي الخلط بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ أيضاً من لاهاي مقراً وتنظر في اتهامات جرائم الحرب الموجهة ضد الأفراد.
وتتعامل هيئة محكمة العدل الدولية المؤلفة من 15 قاضياً -والتي سيُضاف إليها في هذا النزاع قاض تختاره إسرائيل نظراً لوجود قاض من جنوب أفريقيا بالفعل- مع النزاعات الحدودية والقضايا التي ترفعها الدول لاتهام أخرى بانتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة.
ووقعت كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المبرمة عام 1948 مما يمنح محكمة العدل الاختصاص القضائي للفصل في النزاعات التي تشملها المعاهدة.
وبينما تتمحور القضية حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإنه ليس للفلسطينيين أي دور رسمي في الإجراءات.
وتلزم اتفاقية منع الإبادة الجماعية جميع الدول الموقعة ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل وبمنعها والمعاقبة عليها. وتعرّف المعاهدة الإبادة الجماعية بأنها "الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية".