أصبح مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني أحد أبرز ضحايا جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال إنشائه ممر نتساريم، ذلك الممر الذي يقسم قطاع غزة لنصفين شمالي وجنوبي، بعدما ضم المستشفى كأحد ارتكازاته الرئيسية في منطقة محور نتساريم.
ولم يكتفِ الاحتلال بضم المستشفى بعد قصفه وتدميره، بل حوله إلى قاعة ارتكاز عسكرية لعملياته العسكرية، وقاعدة لقواته المنتشرة في تلك المنطقة الحيوية، والتي تساهم في فصل مدينة غزة وشمال القطاع عن المحافظات الوسطى والجنوبية منه، وتساهم في منع عودة النازحين.
تعكس خريطة إنشائه أهمية ممر نتساريم لا سيما أنه يقطع غزة إلى قسمين/ عربي بوست
في هذا التقرير نرصد بالصور والخرائط، استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى الصداقة وسيطرته عليه، وقيامه بتدمير أجزاء كبيرة منه، ثم اتخاذه مركزاً وقاعدة عسكرية لقواته داخل قطاع غزة، ينطلق منها إلى باقي أجزاء غزة لتنفيذ عمليات عسكرية ضد المقاومة.
ما هو مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني؟
مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني هو المستشفى الوحيد الذي كان مخصصاً لعلاج مرضى السرطان في قطاع غزة. موّلت الحكومة التركية بناء المستشفى الذي يعد من أحد أكبر المشافي في فلسطين والمكون من 3 طوابق، ويحوي 180 سريراً.
بني المستشفى على مساحة واسعة تبلغ 33 دونماً في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، ويدار المستشفى حالياً بالتعاون بين الجامعة الإسلامية ووزارة الصحة.
بلغت تكلفة بناء المستشفى نحو 40 مليون دولار، بالإضافة إلى 10 ملايين دولار لتجهيزه بالمعدات والأجهزة الطبية اللازمة ويبلغ عدد العاملين في المستشفى (192) موظفاً موزّعين على الأقسام ويتركزون بشكل رئيسي في دائرة العيادات الخارجية المسؤولة عن وحدة علاج الأورام، والقلب، والدم.
يتميز مبنى مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني الذي يتخذ شعار عبارة عن طائر يتحد معه العَلمان الفلسطيني والتركي، بتصميم أفقي أكثر من الرأسي، حيث تبلغ مساحة الأرض التابعة للمستشفى 22.5 دونم، والمساحة الطابقية 8.5 دونم، وإجمالي مساحة المباني 3.4 دونم. ويوجد جسر يربط المستشفى بمبنى كلية الطب التابعة للجامعة الإسلامية، مما يوفر ربطاً ملائماً بين المؤسستين.
ممر نتساريم ومستشفى الصداقة التركي الفلسطيني
كانت البداية، حين بدأ الاحتلال الإسرائيلي في إنشاء طريق يقسم قطاع غزة الى جزأين، وقال مسؤولون إسرائيليون ساعتها إن ذلك جزء من خطة أمنية للسيطرة على المنطقة لأشهر وربما لسنوات قادمة.
شبكة CNN الأمريكية قامت بتحليل صور للأقمار الصناعية ترصد الطريق الذي أقدم الاحتلال الإسرائيلي على إنشائه، وقالت إن صورة الأقمار الصناعية التي التقطت في 6 مارس/آذار 2024 كشفت أن الطريق الشرقي الغربي، الذي كان قيد الإنشاء منذ أسابيع، يمتد الآن من منطقة الحدود بين غزة وإسرائيل عبر القطاع لـ6.5 كيلومتر (حوالي 4 أميال) ويقسم شمال غزة، بما في ذلك مدينة غزة، عن جنوب القطاع ويضم حوالي 2 كيلومتر (1.2 ميل) طريقاً قائماَ، بينما الباقي جديد، وفقاً لتحليل CNN
وقال الجيش الإسرائيلي لشبكة CNN إنه يستخدم الطريق "لإنشاء موطئ قدم عملياتي في المنطقة" والسماح "بمرور القوات وكذلك المعدات اللوجستية". عندما سُئل عن اكتمال الطريق، قال الجيش الإسرائيلي إن الطريق كان موجوداً قبل الحرب ويتم "تجديده"، بسبب "إتلاف" المركبات المدرعة له.
ومع استمرار عمليات الإنشاء، وصل الطريق، الذي أطلق عليه الاحتلال "ممر نتساريم" إلى البحر المتوسط، كما أظهرت صور الأقمار الصناعية، ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل انتهى جيش الاحتلال في الأيام الأولى من مايو/أيار 2024 من "بناء 4 قواعد عسكرية" على طول الممر الذي يقسم قطاع غزة إلى شمال وجنوب، إذ تتيح القواعد إقامة دائمة لمئات الجنود، بحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، الخميس 9 مايو/أيار 2024.
الصحيفة أشارت إلى أن "القواعد تتيح الإقامة لمئات الجنود، الذين ينتمون الآن إلى لواءين احتياطيين"، موضحة أن بعض هذه القوات "ستكون مسؤولة أيضاً عن تأمين بناء الرصيف البحري من قبل الجيش الأمريكي على ساحل القطاع" ووفقاً للصحيفة، فإنه تم توفير صاريتين كبيرتين إلى المواقع الدائمة للاتصالات التشغيلية وعشرات وسائل التجميع والمراقبة والتصوير، والتي تتم إدارتها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
يمتد "ممر نتساريم" أو "الطريق 794″، لمسافة تزيد عن 6 كيلومترات، من الخط الفاصل بين غزة ومستوطنات الغلاف شرق القطاع ليصل إلى الساحل غرباً ويقع الممر بالقرب من مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني وقد قام الاحتلال بتدمير مئات المنازل والمباني حول المستشفى ليسهل له إنشاء منطقة عازلة تمتد لمسافة 500 ياردة على الأقل على جانبي الطريق، وكذلك لكي يستطيع السيطرة بشكل كامل على مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني.
استهداف مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني
مع انطلاق الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت حكومة غزة في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إن أجزاء كبيرة من خدمات مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني، الذي يعد المستشفى الوحيد المتخصص في علاج الأورام في قطاع غزة، توقف عن العمل بسبب نقص الوقود.
والأحد الـ29 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تعرض محيط مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني لقصف من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما تسبب في أضرار بالغة بالمبنى وقال المستشفى ساعتها إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بزيادة معاناة مرضى السرطان، عبر حرمانهم من العلاج والسفر إلى الخارج للعلاج، بل إنه بات يُعرِّض حياتهم للخطر بقصفه المستشفى وأعلنت وزارة الخارجية التركية ساعتها عن استنكارها الشديد، وبأشدّ العبارات، الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني الوحيد الذي يعالَج فيه مرضى السرطان في قطاع غزة.
وقالت وزارة الخارجية التركية: "نُدين هجوم إسرائيل اليوم على مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني في غزة"، وإنه "لا مبرر للهجوم على المستشفى الوحيد الذي يعالَج فيه مرضى السرطان في غزة"، وأضافت الوزارة: "شاركنا جميع معلومات المستشفى وإحداثياته مع السلطات الإسرائيلية سابقاً لكي لا يتم استهدافه"، مبينة أن "حصار الفلسطينيين في غزة والهجوم الوحشي عليهم ينتهكان القانون الدولي".
كذلك وفي الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 أعلن مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني، أن المستشفى الوحيد لعلاج السرطان في قطاع غزة المحاصر وهو مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني قد توقف عن العمل بسبب نفاد الوقود، مما يجعل حياة ألفي مريض على المحك.
وفي مؤتمر صحفي، قال صبحي سكيك مدير مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني إن المستشفى -الذي يعالج مرضى السرطان بشكل رئيسي- توقف عن العمل بعد نفاد الوقود، وأضاف سكيك: "نقول للعالم لا تتركوا مرضى السرطان للموت المحقق بسبب خروج المستشفى عن الخدمة".
ومن جانبها، أكدت وزيرة الصحة مي الكيلة سبب توقف هذا المستشفى "جراء قصفه من قِبَل قوات الاحتلال ونفاد الوقود فيه بشكل كامل" وأضافت أنه بذلك يرتفع إجمالي عدد المستشفيات المتوقفة عن العمل بالقطاع إلى 16 من أصل 35، وقالت الكيلة في بيان: "حياة 70 مريضاً بالسرطان داخل المستشفى مهددة بشكل خطير".
وأضافت أن عدد مرضى السرطان بالقطاع نحو ألفي مريض "يعيشون في ظروف صحية كارثية جراء العدوان الإسرائيلي المستمر ونزوح عدد كبير".
كما أعلنت وزارة الصحة بغزة تعرض الطابق الثالث والأخير من المستشفى لقصف الطيران الحربي الإسرائيلي؛ مما أدى إلى وقوع أضرار جسيمة وفي الإطار ذاته، دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر محذرة من تدهور أكبر لأحوال القطاع المحاصر، وذكرت في بيان أن الآلاف لا يزالون بحاجة للحصول على الخدمات الصحية العاجلة والأساسية في ظل نقص الأدوية والإمدادات الصحية والمساعدات الأخرى، مثل الوقود والمياه والغذاء.
وأشارت المنظمة إلى وجود أكثر من ألف مريض بحاجة لغسل الكلى للبقاء على قيد الحياة، وأكثر من ألفي مريض يتعالجون من السرطان، و45 ألفاً من مرضى القلب والأوعية الدموية، وأكثر من 60 ألف مريض بالسكري.
السيطرة على مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني
مع اتساع دائرة الحرب في قطاع غزة، دخلت قوات الاحتلال إلى مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وقامت بالاستيلاء عليه بالكامل، وتدير بعض المباني بالكامل فيه، حتى إن أحد الجنود الإسرائيليين نشر في فبراير/شباط 2024 مقطع فيديو لنفسه وهو يسوي مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني وسط مدينة غزة بالأرض، وكتب ساخراً: "المستشفى دُمر بالخطأ".
لترد منظمة "آكشن إيد" الدولية، في بيان لها بالقول إن 10 آلاف مريض بالسرطان في قطاع غزة محرومون من الحصول على الأدوية والعلاج، في ظل استمرار القصف ونفاد الإمدادات الطبية، ووصول النظام الصحي إلى حافة الانهيار. وأشارت إلى أن المستشفى الوحيد في غزة المتخصص في علاج مرضى السرطان، مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، توقف عن العمل منذ الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بعد نفاد الوقود وتعرضه لأضرار جسيمة بسبب الغارات الجوية.
مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني قاعدة عسكرية
لم تتوقف الانتهاكات بحق مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني عند حد التدمير ونسف المباني، لكن صحيفة "واشنطن بوست" قالت في تقريرها إنه يبدو أن القوات الإسرائيلية استولت على المباني المدنية القريبة من محور نتساريم والقريبة من مستشفى الصداقة التركي، وحولتها إلى مواقع عسكرية. إحداها مدرسة سابقة في قرية جوهور الديك، على بعد حوالي ميل من الحدود مع إسرائيل وقد ظهرت السواتر الرملية الواقية في الموقع في الفترة ما بين 15 و30 مارس/آذار 2024، وفقاً لصور الأقمار الصناعية التي وثقت كذلك تدمير بقية القرية.
كما قالت "واشنطن بوست" إنه يبدو أن القوات الإسرائيلية تستخدم أيضاً مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، الذي كان متخصصاً في علاج مرضى السرطان، كقاعدة للعمليات العسكرية، حيث أُغلق المستشفى في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بسبب الغارات الجوية القريبة ونقص الوقود، وترك الآلاف من مرضى السرطان دون رعاية، وقد ظهرت حواجز رملية حول المستشفى في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
كذلك فقد صور جندي إسرائيلي نفسه وهو يهدم أجزاء كبيرة من المستشفى باستخدام جرافة في فبراير/شباط 2024 وتظهر الصور التي نشرها الصحفي الفلسطيني يونس الطيراوي على الإنترنت في 8 مايو/أيار 2024، وتم تحديد موقعها الجغرافي بواسطة صحيفة The Washington Post، أن جنوداً إسرائيليين يستخدمون المستشفى كموقع للقناصين.
وبحلول شهر مارس/آذار 2024، كانت القوات الإسرائيلية قد قامت بتطهير مئات الأفدنة المحيطة بالمستشفى، حيث هدمت الدفيئات الزراعية وفجرت جامعة الإسراء وقصر العدل، الذي يضم المحاكم العليا في غزة.
هذه النتيجة التي وصلت إليها "واشنطن بوست" من خلال تحليلها لصور الأقمار الصناعية، أكدها كذلك موقع "الجزيرة نت"، حيث قال إن تحليل الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية في الفترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وأبريل/نيسان 2024 كشف تزايد أعداد الآليات العسكرية الإسرائيلية داخل مستشفى الصداقة، الذي حوله الاحتلال إلى ثكنة عسكرية.
كما أظهرت إحاطته بتحصينات ترابية لحماية عشرات الآليات التي تتمركز في محيطه، مع تفريع خط إمداد لوجستي يربط بين المستشفى/الثكنة وما يعرف بـ"طريق نتساريم" الذي استحدثه جيش الاحتلال للفصل بين شمال وجنوب قطاع غزة. ولم يكن هذا المستشفى إلا واحداً من مجموعة مستشفيات مهمة وكبرى في قطاع غزة استهدفها الجيش الإسرائيلي بالقصف الجوي والاقتحامات، من بينها مستشفى الشفاء ومستشفى كمال عدوان والمستشفى المعمداني ومستشفى ناصر، وغيرها.
في حين قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في شباط/فبراير 2024 تعليقاً على ما قام به الاحتلال من تدمير لمستشفى الصداقة بالكامل، إنه، أي الاحتلال، "لم تقدم إسرائيل أسباباً مقنعة لمثل هذا التدمير الواسع النطاق للبنية التحتية المدنية".
وتأكيداً للأمر قال موقع "الجزيرة نت" إن الصور التي قام بتحليلها تظهر آثار آليات عسكرية إسرائيلية دمرت بعض المنشآت في فناء مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني الواقع بمنطقة المغراقة، وهو أول ظهور لآثار عمليات الجيش الإسرائيلي عبر صور الأقمار الصناعية داخل المستشفى، وقال إن عدد الآليات الإسرائيلية قد تزايد في المستشفى ومحيطه وفق الصور الملتقطة في ديسمبر/كانون الأول 2023 حتى 18 إبريل/نيسان 2024 حيث رصد التحليل تمركز قرابة 55 آلية إسرائيلية في المكان بتاريخ 16 أبريل/نيسان 2024.
وبشأن اتخاذ جيش الاحتلال المستشفى قاعدة لقواته أظهرت الصور بتاريخ 3 أبريل/نيسان 2024 أن الجيش عمل على تفريع خط إمداد لوجستي مما يسمى "طريق نتساريم" -الذي أنشأته إسرائيل للفصل بين شمال وجنوب قطاع غزة- ويصل إلى المستشفى بشكل خاص وكانت صور أقمار صناعية ملتقطة يوم 20 مارس/آذار 2024 أظهرت بناء جيش الاحتلال نقاط تفتيش جديدة على طول طريق نتساريم.