قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، لشبكة CNN، الإثنين 20 مايو/أيار 2024، إن المحكمة تسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. فيما قال خان أيضاً إن المحكمة تسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق قادة حماس يحيى السنوار ومحمد الضيف وإسماعيل هنية "لما ينسب لهم من دور في ارتكاب جرائم حرب في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي"، على حد تعبيره.
ماذا يعني صدور مذكرتي اعتقال لنتنياهو وغالانت من قبل الجنائية الدولية؟
يقول خان إن التهم الموجهة لنتنياهو وغالانت تشمل "التسبب في الإبادة، والمجاعة كوسيلة من وسائل الحرب، بما في ذلك منع إمدادات الإغاثة الإنسانية، واستهداف المدنيين عمداً في الصراع".
بحسب شبكة سي إن إن الأمريكية، فإن أوامر الاعتقال ضد القادة السياسيين الإسرائيليين تشكل سابقة من المحكمة الجنائية الدولية، لكيان وثيق للولايات المتحدة. حيث ستنظر لجنة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية الآن في طلب خان لإصدار أوامر الاعتقال، بحسب الشبكة الأمريكية.
وعلى الفور أثارت تصريحات خان غضباً إسرائيلياً وهجوماً عنيفاً من وزراء حكومة الاحتلال، وفي حسابه على منصة التواصل الاجتماعي X، قارن وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريش المحكمة الجنائية الدولية بالنازيين.
وكتب: "لقد تحدث النازيون أيضاً باسم الأخلاق، وحتى في ذلك الوقت لم يكن هناك شيء سوى معاداة السامية القديمة كما شهدناها في جميع الأجيال. كارهي إسرائيل يأتون ويذهبون، وأبدية إسرائيل لن تذهب"، على حد تعبيره.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، يجري نتنياهو نقاشاً في مكتبه حول كيفية الرد على قرار المدعي العام في لاهاي. ومن المقرر أن يلقي خطاباً في الجلسة العامة للكنيست في وقت لاحق.
وعلى مدار أسابيع، كانت هناك تكهنات بين الإسرائيليين بأن أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية كانت قيد الإعداد. وفي أواخر إبريل/نيسان، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بأن القادة الإسرائيليين كانوا يشعرون بالقلق من الاعتقال عند السفر إلى أوروبا على أساس مذكرات اعتقال صادرة سراً.
من جهتها، ذكرت صحيفة معاريف أن نتنياهو كان "خائفاً ومتوتراً بشكل غير عادي" بشأن احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه وكان يسعى للحصول على مساعدة الولايات المتحدة للضغط على المنظمة. وهددت إسرائيل بالانتقام من السلطة الفلسطينية إذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال، في حين هدد أعضاء جمهوريون في الكونجرس خان مباشرة بعقوبات إذا واصل النظر في القضية. وتواجه إسرائيل أيضاً اتهامات منفصلة بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية بعد أن رفعت جنوب أفريقيا قضية بشأن سلوك حربها على غزة.
وخلال مايو/أيار الجاري، حذر أعضاء جمهوريون بمجلس الشيوخ الأمريكي، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان من إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين، وهددوه بـ"عقوبات ثقيلة".
كيف ردت حركة حماس على الاتهامات ضدها؟
حركة حماس في بيان رسمي قالت إن "مذكرات التوقيف والاعتقال بحقّ قادة الاحتلال المذكورين جاءت متأخرة سبعة أشهر، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي خلالها آلاف الجرائم بحقّ المدنيين الفلسطينيين من الأطفال والنساء والأطباء والصحفيين، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامَّة والمساجد والكنائس والمستشفيات".
وأضافت الحركة أنه "كان يتوجَّب على المدّعي العام إصدار أوامر توقيف واعتقال ضدّ كافة المسؤولين من قادة الاحتلال الذين أعطوا الأوامر، والجنود الذين شاركوا في ارتكاب الجرائم طبقاً للمواد 25 و27 و 28 من نظام روما الأساسي، التي أكّدت على المسؤولية الجنائية الفردية لكلّ مسؤول أو قائد أو أيّ شخص أمر، أو حثّ، أو ارتكب، أو ساعد، أو قام بتقديم العون على ارتكاب الجرائم، أو لم يتخذ الإجراءات لمنع ارتكاب الجرائم".
واستنكرت حماس "بشدَّة محاولات المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مساواة الضحيَّة بالجلاد عبر إصداره أوامر توقيف بحقّ عدد من قادة المقاومة الفلسطينية، دون أساس قانوني، مخالفاً بذلك المواثيق والقرارات الأممية التي أعطت الشعب الفلسطيني وكافة شعوب العالم الواقعة تحت الاحتلال الحقّ في مقاومة الاحتلال بكافة الأشكال بما فيها المقاومة المسلحة، خاصَّة ميثاق الأمم المتحدة حسب ما نصَّت عليه المادة (51)".
مطالبة في النهاية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "بإصدار أوامر توقيف واعتقال بحق كافة مجرمي الحرب من قادة الاحتلال والضبَّاط والجنود الذين شاركوا في الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، كما تطالب بإلغاء كافة مذكرات التوقيف التي صدرت بحقّ قادة المقاومة الفلسطينية، لمخالفتها المواثيق والقرارات الأممية".
ماذا سيحصل الآن؟
تقول صحيفة معاريف العبرية إنه في البداية من المتوقع أن تثير مذكرات الاعتقال ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين، غضباً في إسرائيل وتغير علاقاتها الدبلوماسية مع العديد من الدول، ومع ذلك ستحد بشكل كبير من قدرة كبار المسؤولين على التحرك. وقد أعربت الولايات المتحدة عن معارضتها لسلطة المحكمة القضائية على الإسرائيليين، ولكنها أبدت في السنوات الأخيرة استعداداً أكبر للتعاون معها.
وتقول الصحيفة العبرية إنه من الناحية العملية، فإن قرار الجنائية الدولية ليس له معنى كبير، لكن سيتعين على نتنياهو وغالانت التفكير مرتين قبل الذهاب إلى بعض الدول الأوروبية.
في الواقع، ليس لدى المحكمة الجنائية الدولية قوة شرطة خاصة بها. ولذلك، فهي تعتمد على الدول الأعضاء البالغ عددها 124 دولة لتنفيذ أوامر الاعتقال ضد المشتبه في ارتكابهم جرائم. ورغم أن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا من الدول الأعضاء فيها، ولكن الدول الأوروبية بالإضافة لكندا واليابان وأستراليا ومعظم دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا تؤيد دستور المحكمة الجنائية الدولية ـ وعلى هذا فهي ملزمة قانوناً باعتقال أي شخص صدرت بحقه مذكرة اعتقال من جانب المحكمة الجنائية الدولية.
لذلك، إذا صدرت مذكرات الاعتقال بالفعل، فإن كبار المسؤولين الإسرائيليين سيكونون عرضةً لخطر الاعتقال في الدول الحليفة وغيرها، بحسب الصحيفة العبرية. وفي الوقت نفسه، تحظر المحكمة إجراء المحاكمات دون حضور المتهم، باستثناء بعض الحالات المحدودة.
أما بالنسبة لقادة حركة حماس٬ فمثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين٬ ستكون هذه القيود غير مؤثرة لهم٬ خصيصاً أولئك الذين لم يسافروا كثيراً إلا إلى دول صديقة أو محايدة مثل روسيا والصين وإيران وقطر، والتي لا تعد أي منها طرفاً في نظام روما الأساسي، وهو الاتفاق الدولي الذي تقوم عليه المحكمة الجنائية الدولية. وفي عام 1998 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار بأغلبية 130 صوتاً مقابل رفض 7 دول وامتناع 21 عن التصويت. (الدول السبعة: أمريكا، إسرائيل، الصين، العراق، قطر، ليبيا، اليمن).
وفي عام 2015، انضمت السلطة الفلسطينية إلى المحكمة كعضو، الأمر الذي أثار غضب كبار المسؤولين الإسرائيليين، وتهديدات بأن أي إجراء تتخذه السلطة سيُنظر إليه على أنه عمل عدائي ستعاقب عليه السلطة. ولذلك ضغطت إسرائيل حينها على حلفائها لقطع تمويلهم لمحكمة لاهاي.
ما حدود قدرات المحكمة الجنائية الدولية على جلب ومحاكمة المتهمين؟
تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 للمحاكمة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والعدوان حين تكون الدول الأعضاء غير راغبة أو غير قادرة على الاضطلاع بذلك بنفسها. ويمكنها إجراء الملاحقات في الجرائم التي يرتكبها مواطنو الدول الأعضاء أو التي ترتكبها أطراف أخرى على أراضي الدول الأعضاء. وتضم المحكمة 124 دولة عضوا. وتبلغ ميزانيتها لعام 2024 نحو 187 مليون يورو.
ويقول موقع المحكمة إن هناك حتى الآن 31 قضية مطروحة أمام الجنائية الدولية، وإن بعض القضايا بها أكثر من مشتبه به واحد، وأصدر قضاة المحكمة أكثر من 40 أمر اعتقال. كما أن هناك 21 شخصاً في مركز الاحتجاز التابع للمحكمة، وقد مثلوا أمامها. وما زال 17 شخصاً لم يلق القبض عليهم. وأُسقطت اتهامات موجهة إلى سبعة أشخاص بسبب وفاتهم، وأصدر القضاة 10 إدانات وأربعة أحكام بالبراءة.
من بين الإدانات العشر، تعلق خمس منها فحسب بجرائم الحرب الأساسية وجرائم ضد الإنسانية نظرت فيها المحكمة، بينما تعلقت إدانات أخرى بجرائم مثل التأثير على الشهود. والمدانون الخمسة جميعهم قادة ميليشيات أفارقة من جمهورية الكونجو الديمقراطية ومالي وأوغندا. وتراوحت الأحكام بين تسع سنوات إلى 30 سنة في السجن، وأقصى عقوبة سجن ممكنة هي السجن مدى الحياة.
والمحكمة تحظى بدعم كثيرين من أعضاء الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن قوى أخرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا ليست أعضاء وتتذرع هذه الدول بأن المحكمة قد تُستغل في محاكمات ذات دوافع سياسية.
كما أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة ولا تعترف بولايتها القضائية، لكن الأراضي الفلسطينية أصبحت دولة عضواً فيها عام 2015. وفي عام 2021، فتحت المحكمة تحقيقا رسميا في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي إن للمحكمة سلطاناً قضائياً على أي جرائم حرب يحتمل تم ارتكابها بالأراضي الفلسطينية.