كثُر الحديث مؤخراً في العديد من البرامج التلفزيونية ومنصّات التواصل الاجتماعي عن حنين مواليد جيل التسعينات إلى فترة الطفولة والمراهقة، حيث كانت حياتهم في تلك الحقبة الزمنية أبسط وأقل تعقيداً مقارنةً بالعصر الحالي حتى أطلق البعض على هذه الحالة "متلازمة جيل التسعينات".
و"متلازمة جيل التسعينات" هي مصطلح غير رسمي يشير إلى مجموعة من المشاعر والتجارب الثقافية المشتركة بين الأشخاص الذين نشأوا خلال فترة التسعينات، والتي صار أصغر مواليدها من الرجال والنساء شباباً تخطوا حاجز العشرين من العمر.
وتتضمن هذه المتلازمة ذكريات هذا الجيل التي تشمل الألعاب القديمة، والبرامج التلفزيونية، والموسيقى، والأفلام التي كانت جزءاً من حياتهم اليومية، فضلاً عن دفء الأسرة والصداقة والتجمعات العائلية التي يحن إليها الكثير منه، والتي أصبح من الصعب استعادتها مع مرور الزمن.
فما هي التجارب المشتركة والتحديات التي واجهها جيل التسعينات، والتأثيرات التي شكلت هويتهم وشخصياتهم؟ وكيف أثرت التكنولوجيا الناشئة وأساليب التواصل الاجتماعي في التسعينات على نمط حياة هذا الجيل؟
جيل التسعينات بين "وظائف المستقبل" وكاريزما "المهن المحترمة"
وبحسب موقع times of india في فترة نشأة جيل التسعينات، كانت المهن "المحترمة" و"الناجحة" وفقاً للمعايير الاجتماعية تقتصر على الأطبّاء والمهندسين والمحامين و"الوظائف الحكومية". لذلك، كان على مواليد التسعينات بشكل طوعي أو قسري أن يتجهوا نحو هذه المسارات التعليمية.
وعندما تخرّج أبناء هذا الجيل واستقروا في حياتهم المهنية، ظهر جيل جديد من الأطفال الذين كان لديهم العديد من الفرص ليصبحوا ما يريدون، مما جعل هذه المهن التقليدية التي كان آباء مواليد التسعينات مهووسين بها محلّاً لـ"السخرية".
ووفقاً لدراسة نشرها موقع "PARENTS" أصبحت اليوم تسيطر على ما يفوق الـ 50% من مواليد بين عامي 1997 و2012 والمعروف بالجيل "زد" الرغبة في العمل في مجال صناعة المحتوى، وهو ما يعرف بـ "المؤثرين"، ولم يعد غريباً أن نرى أطفالاً يبلغون من العمر 14 عاماً يتابعهم الملايين ولديهم حسابات موثقة تدر عليهم إيرادات بمئات الآلاف من الدولارات.
بالتالي، فقد أحدث الجيل اللاحق للتسعينات تغييرات جذرية في آليات العمل، حيث تحولت الأحلام التقليدية والرغبة في دراسة الطب والهندسة والمحاماة وما شابهها من المهن المعتادة، إلى رغبة في تحقيق الشهرة عبر الإنترنت، وهو ما أشعر جيل التسعينات بفقدان مكانة المهن التي سعى إليها وبذل جهده ووقته في سبيل الظفر بها.
جيل التسعينات بين حنين الزمن الجميل والتطور التكنولوجي
شهد جيل التسعينات التطوّر التكنولوجي الذي كان يُعتقد أنّه بلغ الذروة في ذلك الوقت، فقد مثّلت تلك الحقبة الزمنية محوراً انتهى عليه العالم القديم وبدأ منه عالم جديد كما وصفه لنا موقع "HISTORY EXTRA"، وكان الشعور السائد آنذاك أنّ عام 2000 سيكون إما نهاية العالم كما نعرفه، أو الانتقال إلى عالم من العصر المستقبلي المجنون.
وفي الوقت الذي بدأت فيه التقنيات التكنولوجية التي لا يزال العديد منها مستمرّاً معنا حتى اليوم على غرار تقنيات جوجل، وتطبيق الفوتوشوب وأقراص الـ DVD، والرسائل النصيّة، وأجهزة البلاي ستيشن في الظهور لأول مرة في كل مكان، كما شاع استخدام شبكة الإنترنت، وهو شيء جديد تماماً على مجتمعاتنا العربية في ذلك الوقت، كان كثير من جيل السبعينات والثمانينات، والذين كثير منهم لا يزالون على قيد الحياة اليوم، قد تجاهلوا تماماً التقنيات الحديثة وتطوّرات العصر، حيث يكون استخدامهم للتكنولوجيا محدوداً، وما زلنا نلحظ تفضيل بعضهم للهواتف النقالة التقليدية وتجنّب استخدام الإنترنت، فهم بدلاً من ذلك يستمتعون بجلسات الأصدقاء التقليدية الممتلئة بالحكايات المكررة بدلاً من الانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي.
أمّا أولئك الذين وُلدوا في فترة التسعينات فلديهم صعوبة في التأقلم، فقلوبهم وأرواحهم مقسمة بين ماضٍ شبه خالٍ من التكنولوجيا ومليء بالتجمعات العائلية وحاضر سريع ومتطوّر يعجُّ بالتكنولوجيا في كلّ مكان.
الجيل الذي صاغ الآمال بنفسه وبدَّدها الزمن
في طفولته وحتى الآن، شهد مواليد جيل التسعينيات سلسلة من الظواهر والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي أثرت على حياتهم بشكل لافت.
بدأ العقد بانقسام عربي كبير في عام 1990، مع غزو الكويت من قِبَل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ما أدى فيما بعد إلى "حرب الخليج الثانية".
بعد ذلك، شهدوا فترة مليئة بالتحديات والأحداث المؤثرة، مثل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية بعد استشهاد الطفل محمد الدرة في نهاية عام 2000، واقتحام شارون لحرم المسجد الأقصى، ما أثار غضب الشعوب العربية.
ثم جاء هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، والذي أدى إلى تغييرات جذرية في السياسات العالمية وتشكيل صورة جديدة للأمن الدولي.
ومن ثمَّ، عايشوا الثورات العربية في العشرية الأخيرة، ناهيك عن الأزمات الصحية، بدءاً من إنفلونزا الطيور والخنازير وصولاً إلى جائحة كورونا عام 2019.
جميع هذه الأحداث التي مرّت على رأس هذا الجيل رسّخت لديهم الشعور بأنّ التاريخ يمرّ سريعاً ممّا أفقده الشعور بالزمن، وأنّهم فقدوا الآمال التي صنعوها بأنفسهم، وهو ما تسبّب في انكفاء العديد منهم على نفسه، ومنهم من حاول التخلّص من هذا الشعور بالهجرة والاندماج في مجتمعات أخرى علّهم يتخلّصون من مشاعر عدم الانتماء لهذا الزمن.
مواليد التسعينات الأكثر معاناة من الاكتئاب
أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا ونشرها موقع "DAILY MAIL" أن الأشخاص الذين وُلدوا في التسعينيات يعانون من صحة نفسية أسوأ من أي جيل سابق.
وقام الباحثون خلال الدراسة بتحليل بيانات أكثر من 27500 شخص بالغ تتراوح أعمارهم بين 24 و83 عاماً، ليتّضح أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في معاناة هؤلاء الشباب، حيثُ أشار الباحثون إلى أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى مقارنات اجتماعية وشعور بعدم الكفاية بالنسبة إليهم، مما يسبب لهم في المزيد من الأمراض النفسية، وأضافوا أن هناك عدداً من العوامل التي قد تسهم في هذه الظاهرة، بما في ذلك تغير المناخ، والضغوط الاقتصادية.
ووجد الباحثون أن المشاركين الذين وُلدوا في التسعينات لديهم معدلات أعلى من الاكتئاب والقلق والاضطرابات العقلية الأخرى من المشاركين الذين وُلدوا في الثمانينات، كما وجدوا أن هذه المشكلات تزداد سوءاً مع تقدم العمر.
وخلصت الدراسة إلى أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه الظاهرة، بما في ذلك توفير المزيد من الدعم للصحة العقلية للجيل الذي وُلد في التسعينات.