كان لدى روسيا أسطول عملاق من الدبابات عند انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث ورثت 52660 دبابة في عام 1992 مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، ثم تضاءل العدد إلى 13290 في عام 2017، ولكنه مازال أكبر أسطول دبابات في العالم، وفقاً لمعهد ستوكهولم للسلام للدراسات العسكرية، وذلك من بين نحو 73000 دبابة لدى كل دول العالم، وهذا يعني أن روسيا تمتلك ما نسبته 17.7% من إجمالي الدبابات في العالم.
ويزعم محللون غربيون أن روسيا عانت من خسائر كبيرة في الدبابات بالحرب، لكن مع دخول الحرب عامها الثالث الجهنمي، ظلت الخطوط الأمامية ثابتة في الغالب رغم تكبُّد الجانبين خسائر فادحة، فيما أصبحت روسيا تُوجِد طرقاً جديدة لحماية دباباتها من هجمات الطائرة من دون طيار الانقضاضية.
ما هي "دبابات السلاحف" الروسية التي شوهدت في أوكرانيا مؤخراً؟
في أواخر عام 2021، بدأت روسيا بلحام أقفاص معدنية فوق أبراج دباباتها، في محاولة لحمايتها من الهجوم. وقد أثبتت الأقفاص عدم فعاليتها، إذ أطلق عليها بعض المحللين الغربيين ساخرين اسم "درع الدعم العاطفي". والآن أدخلت روسيا عملية تحديث أكثر كثافة، وذلك باستخدام الصفائح المعدنية لتطويق بعض دباباتها بالكامل. وقد أكسب الدرع الجديد المركبات لقب "دبابات السلاحف". فهل تجهيز الدبابات بهذه الطريقة سيساعد حقاً في حمايتها من الهجمات الصاروخية أو الطائرات المسيرة الانقضاضية؟
تقول مجلة Economist البريطانية، على الرغم من أن الصفائح المعدنية المعدلة قد تبدو خاماً، إلا أنها أثبتت فعاليتها في الماضي. ويعود تاريخ الدرع المتباعد -أي إضافة طبقة على مسافة قصيرة من الطبقة الأساسية للحماية- إلى الحرب العالمية الأولى، عندما تم استخدامها على السفن.
وعندما تصطدم القذيفة بالطبقة الأولى من المعدن، فإنها تضعف وتخرج عن مسارها، ما يجعلها أقل فعالية عندما تصل إلى الدرع الرئيسية. وتم استخدام "دروع السلاحف" المتباعدة في الدبابات خلال الحرب العالمية الثانية لحمايتها من الرؤوس الحربية "ذات الشحنات المشكلة" التي كانت تحملها أسلحة جديدة مثل البازوكا والقذائف الصاروخية. عند تفجيرها، تنتج هذه الرؤوس الحربية نفاثاً من المعدن شديد الحرارة الذي يخترق الدروع. لكن الطائرة تحافظ على شكلها فقط على مسافة قصيرة، حيث تتسبب الصفائح المعدنية في انفجارها بعيداً عن الهدف، ما يقلل من فعاليتها.
ويبدو أن القوات المسلحة الروسية تأمل في أن توفر الصفائح المعدنية حماية مماثلة ضد الطائرات من دون طيار الأوكرانية. حيث تقوم الدبابات المعدلة، ومعظمها من طراز T-72 التابعة للواء الخامس للبنادق الآلية الروسي، باختراق المركبات؛ فهي تدفع محراث ألغام لتنفجر أو تدفع الألغام المضادة للدبابات جانباً وتخلق ممراً للمركبات الأخرى، وهذا عادة ما يجذب نيراناً كثيفة.
لماذا تخشى روسيا على دباباتها من الطائرات المسيرة؟
وفقاً لأحد مسؤولي الناتو، كانت الطائرات من دون طيار الهجومية مسؤولة عن تدمير حوالي ثلثي الدبابات الروسية منذ بداية الحرب. وتحمل هذه الطائرات من دون طيار شحنات صغيرة الحجم، ولكنها ليست قوية بما يكفي لاختراق الدرع الأمامية السميكة للدبابة، فهي تستهدف بدلاً من ذلك الأجزاء الرقيقة الضعيفة، مثل السقف والجوانب.
ويبدو أن البنية الفوقية التي تشبه "السقيفة" في دبابات السلاحف، والتي عادة ما تكون مصنوعة من المعدن المموج، تهدف إلى منع هذه الهجمات. كما أنه يوفر التمويه عندما تكون الدبابة ثابتة. وهي تحمي الجنود الروس، الذين غالباً ما يركبون في المعركة على الجزء الخارجي من الدبابات. وتتوج بعض دبابات السلاحف بأجهزة تشويش الترددات الراديوية لزيادة إعاقة هجمات الطائرات من دون طيار.
ما سلبيات استخدام الدروع الواقية على الدبابات؟
لكن تقول مجلة الإيكونومست، إن استخدام الدروع الواقية لها جوانب سلبية كبيرة، حيث تبطئ حركة الدبابات، كما أنها تمنع الدبابة من تدوير برجها، ما يحد من قدرتها على إطلاق النار على المهاجمين، ويقيد الرؤية بشدة لدى طاقم الدبابة.
ويمثل العدد الهائل من الطائرات من دون طيار الفعالة الرخيصة المستخدمة في أوكرانيا مشكلة لكلا الجانبين. فهي قادرة على تدمير حتى الدبابات الحديثة الأكثر تسليحاً، بما في ذلك دبابة أبرامز الأمريكية وتشالنجر 2 البريطانية. وتعمل كل من أمريكا وبريطانيا على تطوير نماذج جديدة لدبابات إم 10 بوكر وتشالنجر 3، على التوالي، وسوف ترغبان في حمايتها من الطائرات من دون طيار.
لكن من المرجح أن يستخدموا "أنظمة الحماية النشطة" المتقدمة -التي تستخدم الرادار للكشف تلقائياً عن المقذوفات القادمة ثم إسقاطها على بعد أمتار قليلة من السيارة باستخدام جهاز اعتراض عالي السرعة- بدلاً من الدروع الخام التي تستخدمها روسيا.
في النهاية، قد تبدو دروع "دبابات السلاحف" الروسية تشبه البدلات المدرعة في أواخر العصور الوسطى، فعلى الرغم من فعاليتها ضد الأسلحة النارية المبتكرة حديثاً وقدرتها على منع تهديد طاقم الدبابة، إلا أن وزنها قد يجعلها غير عملية في ساحة المعركة المتغيرة، لدرجة أنها قد تصبح عبئاً على الجيش الروسي.