بعدما حرمتهم الحرب من حلم التخرج.. طلبة جامعات غزة يناقشون رسائل ماجستير وسط  الخيام

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/16 الساعة 06:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/16 الساعة 06:43 بتوقيت غرينتش
مناقشة الطالب صلاح أبو موسى لرسالة الماجيستر وسط الخيام (خاص عربي بوست)

تضع الحرب المدمرة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة طلبة الجامعات أمام دائرة المجهول، في ظل فقدان عشرات الآلاف منهم فرصة التخرج هذا العام، جراء تعطل العملية التعليمية منذ أكثر من 7 أشهر.

وبعدما كانوا على أبواب التخرج هذا العام، يندب الكثيرون من الطلبة حظهم إثر حرمانهم من فرصة إنهاء مرحلتهم الجامعية وتهيئتهم لسوق العمل.

وكانت الجامعات في غزة هدفاً مشروعاً للصواريخ والقذائف الإسرائيلية التي استُهدفت معظمها في القطاع، أبرزها "الإسلامية" و"الأزهر" و"القدس المفتوحة" و"الإسراء" و"غزة" و"فلسطين" و"الأمة".

رغم تلك الظروف المعقدة ووسط القذائف والصواريخ أصرّ عدد من طلبة الماجستير على مناقشة رسائلهم العلمية، ليحولوا الخيام التي نزحوا إليها بسبب الحرب إلى قاعات أعلنوا فيها اكتمال حلمهم، وأظهروا بهجتهم التي تقهر المستحيل.

الطالب صلاح العايدي خلال مناقشته رسالة الماجيستر (خاص عربي بوست)
الطالب صلاح العايدي خلال مناقشته رسالة الماجيستر (خاص عربي بوست)

رسائل ماجستير من الخيام

الشاب صلاح العايدي من مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة تمكن قبل أيام من داخل خيمة في مدينة رفح (جنوب) مناقشة رسالته الموسومة بعنوان "أثر تخطيط التعاقب الوظيفي على الاحتفاظ بالكفاءات (دراسة ميدانية على بنوك المحافظات الجنوبية – فلسطين)".

حقق العايدي هذا النجاح رغم ظروف الحرب والإمكانيات المحدودة المتمثلة في انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل وغياب خدمات الإنترنت ووسائل الاتصال، بحسب ما ذكره لمراسل "عربي بوست".

يقول العايدي: "هذا العمل كان حلماً يجب أن يكتمل رغم أن كل المؤشرات والمعطيات تفيد بأنه أمر صعب، لأن بروتوكولات الجامعة تنص على أن المناقشة يجب أن تتم في ظروف رسمية".

عن ظروف مناقشة رسالته في الخيمة يوضح: "مجرد أن أصدرت إدارة جامعة الأزهر قراراً للطلبة الذين أنهوا كتابة رسائلهم أو متبقٍ جزء منها بالموافقة على مناقشتها، سعيت بكل ما أوتيت من جهد للتواصل مع الجامعة والمشرفين بأن نكمل هذه العملية".

وكان الأمر صعب التحقق في البداية ولم يكن لدى الجامعة فكرة حول كيفية إتمام هذه المناقشات، بحسب العايدي.

واستدرك: "لكن إصراري استمر على إنهاء الرسالة وطرحت على المشرفين أن نعقد المناقشة سواء في خيمة أو قاعة بسيطة في ظل الإمكانيات البسيطة، لنثبت للعالم أننا شعب قادر على تجاوز جميع التحديات والصعوبات".

لجنة المناقشة داخل الخيمة (خاص عربي بوست)
لجنة المناقشة داخل الخيمة (خاص عربي بوست)

صعوبات كبيرة

ونزح العايدي 3 مرات خلال الحرب؛ أولها من بيته في خان يونس الذي دمره الاحتلال لاحقاً، متوجهاً إلى رفح التي نزح فيها مرتين أخريين.

إلا أن هذا التحدي إلى جانب صعوبة توفير بدائل لانقطاع الكهرباء والبحث عن مكان يتوفر فيه مصدر طاقة شمسية لشحن الجوال والحاسوب، فضلاً عن عدم توفر الإنترنت وصعوبة توفير المراجع والكتب لإكمال الرسالة لم تمنع العايدي من تحقيق حلمه، بحسب قوله.

ويبعث الشاب الأربعيني رسالته إلى العالم قائلاً إن شعب غزة صامد على أرضه يحب الحياة ويؤمن بفكرة البقاء ولا يستسلم للمستحيل، ويمتلك بارقة أمل وقادر على مواجهة التحديات مهما بلغت.

الإنجاز نفسه كرره الشاب تامر أبو موسى الذي ناقش الأسبوع الماضي من داخل خيمة النزوح في مدينة رفح، رسالته للماجستير الموسومة بعنوان: "المناعة النفسية كمتغير وسيط بين الضغوط النفسية والدافعية للإنجاز لدى المرشدين التربويين بالمحافظات الجنوبية في فلسطين".

يقول أبو موسى لمراسل "عربي بوست": "شعور ممزوج بالفرح والألم، ولكن أنا سعيد باجتياز هذه المرحلة المهمة في حياتي العلمية".

ويضيف: "مناقشة رسالة علمية عليا داخل خيمة كان تحدياً كبيراً في ظل الظروف الصعبة من حصار وقتل ودمار، وبعد أن استهدف الاحتلال الجامعة (الأزهر) ودمر المكان المخصص لمناقشة الرسائل فيها".

عن ظروف المناقشة يشير أبو موسى إلى أنه طرح الفكرة على المشرف ومدير التعليم العالي في الجامعة، ووجد قبولاً وموافقة وترحيباً بالفكرة.

ويلفت إلى أن رسالته كانت مكتملة قبل الحرب باستثناء بعض اللمسات والتعديلات البسيطة التي أكملها خلالها بتعاون من المشرفين.

قهر المستحيل

ويؤكد أبو موسى أنه حاول تجسيد واقع المواطن الغزي ومعاناته وإرسال رسالة للعالم أجمع أننا "مستمرون في المسيرة التعليمية ونحب الحياة، ولن نقف عاجزين أمام أحوال الحرب".

ويعتبر أن نجاحه رغم كل الظروف المحيطة رسالة تثبت للعالم أن غزة قادرة على الاستمرار في رسالة التعليم، وأن العلم لا يتوقف، وأن المقاومة متعددة الأشكال.

ويشير إلى أن الاحتلال يسعى إلى تدمير المواطن الفلسطيني بكل الطرق، ويعمل على نشر الجهل في مجتمعنا وكسر طموحه، داعياً كل طالب فلسطيني مواصلة رسالته العلمية وعدم الاستسلام للظروف.

ويشدد أبو موسى أنه متجذر في أرض غزة ولن يرحل منها، متمنياً إكمال مسيرته التعليمية والحصول على فرصة لدراسة الدكتوراه لتسخير علمه في سبيل التخفيف عن أبناء شعبه، بحسب ما قال.

خيبة أمل

أمام هذه النجاحات، تصيب خيبة أمل عشرات الآلاف من طلبة البكالوريوس والدبلوم الذين شارفوا على التخرج هذا العام ولم يتمكنوا من ذلك جراء الحرب المستعرة.

هذا الحال ينطبق على الشاب فارس وادي الذي يدرس علم الحاسوب في جامعة الأقصى بغزة ووصل هذا العام إلى المستوى الرابع والأخير، لكن كل شيء توقف في لحظة، وفق ما يقول.

"عربي بوست" قابل وادي بينما كان يجلس على "بسطة" افتتحها خلال الحرب وخصصها لبيع الأفلام والمسلسلات والألعاب والبرامج الإلكترونية في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.

يقول وادي: "كان من المقرر أن أتخرج خلال العام الجاري، لكني حرمت من ذلك بسبب الحرب التي يشنها الاحتلال على غزة".

ويعبر الشاب العشريني عن انخفاض أمله في التخرج في ظل استمرار الحرب وقصف الجامعات وتدمير معالم الحياة في غزة.

وسعى وادي للانضمام إلى جامعة النجاح في الضفة الغربية التي فتحت باب التعليم الإلكتروني (عن بعد) أمام طلبة غزة، لكنه لم يتمكن من ذلك، إذ كان موعد التسجيل قد انتهى، إلى جانب انقطاع الإنترنت وظروف النزوح من المنزل، وفق قوله.

ويشير إلى أن "فكرة السفر والخروج من غزة لإكمال مشواري العلمي مستحيلة بالنسبة لي لعدة أسباب؛ منها قلة المال وأيضاً عدم قبول الجامعات (خارج غزة) بالتعليم الذي تلقيناه في غزة".

ويلفت وادي إلى أنه افتتح "بسطة" خلال الحرب كي يستطيع إعالة نفسه في ظل الغموض التي يغلف مستقبله، موضحاً أنه يبيع أفلاماً وألعاباً وبرامج للناس التي تبحث عن أي شيء للتسلية في ظل انقطاع الإنترنت والكهرباء.

ويأمل وادي أن تنتهي الحرب في أسرع وقت وتبدأ عجلة الحياة بالدوران من جديد وتعود الجامعات إلى العمل، متمنياً عدم ضياع 4 سنوات من عمره هباءً منثوراً.

يواجه الطالب محمد معين الذي يدرس تخصص السكرتارية في جامعة غزة نفس المصير، إذ كان من المفترض أن يتخرج هذا العام لولا اندلاع الحرب.

يقول معين لمراسل "عربي بوست": "بسبب الحرب توقف مشواري التعليمي، خصوصاً أن الجامعات مدمرة بسبب القصف المباشر لها".

ويضيف: "أعلنت جامعات الضفة عن فرصة للتعليم الإلكتروني، لكن لا يتوفر إنترنت في بيوتنا، والكهرباء منقطعة بشكل كامل".

ويرى أن "نفوسنا غير مهيأة التعليم تحت وطأة الحرب والقصف والدمار".

وحتى يستطيع إعالة أسرته المكونة من 6 أفراد افتتح معين بسطة لبيع الحلوى، مؤكداً أنه لا يمكن الاستسلام للواقع. 

ويتمنى معين وقف الحرب حتى يستطيع إكمال تعليمه وعدم حرمانه من فرصة التخرج.

وارتفعت حصيلة الحرب المدمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى السبت، إلى 34971 شهيداً و78641 مصاباً، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، إلى جانب تدمير مئات آلاف الوحدات السكنية والمؤسسات.

تحميل المزيد