شهدت عدة محافظات في جمهورية مصر العربية منذ العشرينيات من القرن الماضي حالات قتل بشعة، نفذها مجموعة من الرجال والنساء، ما أدى إلى انتشار مصطلح "السفاح" بين المصريين، وظهور موجات من الرعب والخوف في الأوساط السكانية، حيث عرفت تلك الفترات السوداء بالتهديد المستمر الذي عاشه الناس فيها، وزادت مخاوفهم من فقدان الأمن والاستقرار في حياتهم اليومية.
ومع ذلك، كانت معظم هذه الجرائم تنتهي بحياة جناتها على يد العدالة، سواء بالحكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد.
سنتطرق في هذا التقرير إلى أشهر قصص هؤلاء السفاحين مثل ريا وسكينة وسفاح كرموز التوربيني سفاح الأطفال، والتي عُرفت تاريخياً بأعمالها الشنيعة وبثّها الرعب في نفوس المصريين.
سفاحين مصر ريا وسكينة
تُعد ريا وسكينة من الشخصيات البارزة في تاريخ مصر، حيث انتشرت آراء متضاربة حول أفعالهما، بينما اعتبرهما البعض سفاحتين، يُزعم أنهما كانتا تستدرجان النساء لقتلهن وسرقة ذهبهن، يعتبرهما البعض الآخر بطلتين قاتلتين عدداً كبيراً من الجنود الإنجليز، إلا أن هذه الرواية لم تحظَ بتأييد كبير ولم تُدعم بأدلة قوية.
بدأت القصة وفقاً لموقع medeium عام 1920 في حي اللبان بالإسكندرية، أحد أفقر الأحياء في المدينة، حيث قامت ريا وسكينة بمساعدة زوجيهما ومساعدين آخرين بخطف وقتل 17 امرأة ودفنهن في منزلهما، وقد وقعت هذه الجرائم في ظل الانتفاضات الشعبية ضد القوات البريطانية في تلك الفترة، ما أتاح لعصابة ريا وسكينة العمل دون عقاب.
ووفقاً للروايات المتواترة عنهما فقد قدمت ريا وسكينة من الصعيد المصري إلى الإسكندرية وعملتا هناك لثلاث سنوات، حيث تزوجت ريا من رجل يُدعى حسب الله سعيد مرعي، بينما عملت شقيقتها سكينة في بيت دعارة حتى وقعت في حب أحد العملاء، بعد ذلك بدأ المجرمون الأربعة بمساعدة شخصين آخرين يُدعيان عرابي حسان وعبد الرازق يوسف باستدراج النساء من الأماكن العامة.
ومن الروايات المتداولة أن العصابة كانت تختار النساء اللاتي يرتدين المجوهرات والحُلي في الأماكن العامة، وتبدأ ريا بالتحدث إليهن وكسب ثقتهن، ثم تستدرجهن إلى منزلها حيث تقوم بقتلهن وسرقة ممتلكاتهن ودفنهن أسفل المنزل.
وفي نفس العام، بدأت تتوالى البلاغات عن اختفاء عدد من النساء في مدينة الإسكندرية، وقد كانت الشكاوى تشير إلى خطف النساء بهدف سرقة مجوهراتهن، وقد تبع ذلك بلاغات أخرى عن اختفاء نساء أخريات، ما أثار حالة من الخوف والهلع بين السكان.
وصل الأمر إلى رجل الشرطة حين عثروا على بقايا عظام بشرية أثناء حفرهم لاستخراج المياه في أحد المنازل وبعد تحريات دقيقة، تبين أن الغرفة التي كانت قد استأجرتها سكينة قد شهدت عمليات قتل ودفن للضحايا.
بالتوازي مع ذلك، لاحظ أحد المخبرين انبعاث رائحة بخور قوية من منزل ريا، وبعد التحقيق اكتشف أن بلاط الغرفة كان حديث العهد، وتصاعدت رائحة العفن منها، وبعد البحث الدقيق، عُثر على جثث النساء والمجوهرات المسروقة، ما دفع بالشرطة إلى اعتقال ريا وسكينة.
وبعد التحقيق، اعترفت ريا بالجرائم وأظهرت الأدلة القاطعة العديد من الجثث المدفونة داخل المنزل. وفي عام 1921، صدر الحكم بإعدام ريا وسكينة وزوجيهما واثنين من المشتركين في الجرائم، وهكذا عادت السلام إلى الإسكندرية بعد سنوات من الرعب والهلع.
سفاح كرموز
في محافظة أسيوط، وُلِد "سعد إسكندر" عام 1911، ونشأ في ظل شقيقه الثري، الذي كان يعمل في تجارة الحبوب، وعلى عكس شهرة شقيقه الثري وحُب الناس له، إلا أن "سعد" كان يعيش حياة مضطربة، مليئة بالفساد والجريمة وبعد أن تزوج امرأة ثرية، قتلها لسرقة مجوهراتها وفرّ إلى الإسكندرية لتجنب العقاب القانوني.
استقر "سعد" في كرموز، إحدى أقدم مناطق الإسكندرية، وهناك بدأ يمارس أسلوب حياة جديدة مليئة بالعنف، مرتكباً جرائم قتل وسرقة بشكل متواصل، حيث قتل سيدة تدعى "بمبة" في التسعين من عمرها وسرق أموالها، ثم حاول قتل فتاة تُدعى "قطقوطة" بعد أن شاهدته وهو يرتكب جريمته، لكنها نجت وأبلغت الشرطة عنه وبعد أن تم القبض عليه، نجح في الهروب بفضل دهاء محاميه.
ورغم القبض عليه في المرات الأولى، لم يتوقف "سعد" عن ارتكاب الجرائم، حيث كان يعرف جيداً منطقة الإسكندرية ورجال الشرطة هناك، وكان يجيد الفرار والتمويه، ولا تزال روايات إلقاء القبض على سفاح كرموز متنوعة ومختلفة، إذ يروي البعض أن أحد الضباط الذين تم تكليفهم بالقبض على السفاح قام بالتنكر بزي رجل صعيدي وادعى أنه والد لفتاة جميلة، بهدف لفت انتباه الجاني وضبطه وقد نجحت هذه الخدعة وأسفرت عن إلقاء القبض عليه.
لكن الرواية الأكثر واقعية وتداولاً تحكي عن ضابط قام بفضح السفاح في كمين أثناء عودته لبلدته، حيث كان هناك كمين للشرطة يقوم بتفتيش السيارات بشكل روتيني وقد استوقف الملازم أتوبيس الركاب الذي كان يستقله "سعد إسكندر"، ورأى الملازم شاباً ذا ملامح غريبة عليه فقام بمواجهته بالسؤال عن اسمه، فأجاب السفاح بشكل مرتبك بأن اسمه "جورج عبد السلام" ثم أعاد الضابط السؤال بطريقة أكثر حدة، فارتبك السفاح أكثر وأجاب بتصحيح: "اسمي جورج عبد الملك" وهنا انتبه الضابط إلى تضارب الإجابات، فأدرك هويته الحقيقية وقال له بثقة: "أنت سعد إسكندر، سفاح كرموز"، ليتمّ تم إلقاء القبض عليه فوراً ونُقل إلى الإسكندرية لاستكمال التحقيقات.
خُط الصعيد (محمد منصور)
في قرية درنكة التابعة لأحد مراكز محافظة أسيوط، حيث وُلِد "محمد منصور" في عام 1907، كانت بداياته عادية كباقي الشباب في القرية، حيث عمل مع أسرته في زراعة الأراضي ومع مرور السنوات، تحول إلى شخص مخيف يُخشى منه، وكان مجرد ذكر اسمه يثير الرعب في نفوس الأهالي.
في أحد الأيام، وقعت معركة شرسة بين عائلتي "منصور" و"شيخ الخفر" في القرية، وأدت إلى سقوط شقيق عمه قتيلاً وهنا بدأت قصة تحوله إلى عالم الجريمة، حيث قرر الانتقام من عائلة "شيخ الخفر" بعد فقدانه أحد أفراد عائلته.
بالرغم من صغر سنه في ذلك الوقت، إلا أنه لم يتردد في ارتكاب الجريمة، وقام بقتل أكثر من شخص من عائلة الخصم وبعد تنفيذ الجريمة، لم يجد مكاناً للاختباء سوى جبال الصعيد، حيث هرب للتمويه من عائلة الضحايا التي كانت تسعى للانتقام منه.
تبعته سلسلة من الجرائم الأخرى، وبمرور الوقت، أصبح محمد منصور معروفاً كأحد أشهر سفاحي مصر، وقد انتهت حياته في ظروف غامضة، وبقيت قصته تحكى وتروى في تاريخ الجريمة في الصعيد المصري.
ودخل سفاح الصعيد في صراع مباشر مع النظام، حيث أطلق النار على سيارة تحمل مسؤولين كباراً، وكانت هذه الحادثة السبب الرئيسي في عقد رئيس الوزراء اجتماعاً مع كبار رجال الشرطة للتداول حول كيفية التعامل مع خطره.
في عام 1947، تمكنت الشرطة من القبض على "محمد منصور" بعد تبادل لإطلاق النار أسفر عن مقتله، وبعدها جابت شرطة المنطقة شوارع المحافظة للإعلان عن وفاته.
سفاح روض الفرج
"مصطفى خضر"، الذي اشتهر بلقب "سفاح روض الفرج"، كان من بين أبرز السفاحين في مصر خلال ثمانينيات القرن الماضي، حيث دوّن اسمه في سجل أخطر المجرمين بعد ارتكابه 8 جرائم قتل، وقد تم القبض عليه قبل أن يرتكب جريمة القتل التاسعة في عام 1996.
وُلد "مصطفى خضر" في محافظة سوهاج، وانتقل للعيش في حي روض الفرج بالقاهرة وبدأ يعمل في تجارة الفاكهة، وكانت حياته مع زوجته وأولاده الثمانية تحت خط الفقر، ما جعله يقرر اللجوء إلى الجريمة كوسيلة للنجاة.
كان "خضر" مجرماً محترفاً يتقن فنون الاقتراب من ضحاياه والاعتداء عليهم جنسياً قبل قتلهم وحرق جثثهم لتمويه جرائمه وقد بدأت جرائمه بقتل صديقه المقرب من الباعة المتجولين والاستيلاء على ماله.
لم يكتف "سفاح روض الفرج" بذلك، بل قتل جارته واستغل خداعاً لقتلها بعدما قاومته جنسياً ثم قتل ابنة عمه بنفس الطريقة وكانت طريقته الشائعة للقتل هي وضع مبيد حشري في الطعام.
لمدة أكثر من 15 عاماً، نجح "خضر" في تفادي العدالة وارتكاب 8 جرائم قتل لكن في عام 1996، تمكنت الشرطة من القبض عليه قبل أن يرتكب جريمة جديدة، وتم إعدامه شنقاً بعد كشف تفاصيل جرائمه.
التوربيني سفاح الأطفال
من بين القتلة المتسلسلين الأكثر شهرة في العالم العربي كان "التوربيني"، الذي يُعتقد أن عدد ضحاياه وصل إلى 32، وتشير بعض التقارير إلى أن العدد الحقيقي قد يصل إلى 38 ويظل العدد الدقيق لضحاياه غامضاً حتى بالنسبة له، إذ يذكر أنه لا يتذكر الأرقام بالتحديد، لكنه يتذكر بوضوح طريقة جرائمه حيث يقوم بجذبهم إلى سطح أحد القطارات حيث يُعتقد أنه يغتصبهم ثم يلقي بهم من فوق القطار المتحرك ليلقوا حتفهم.
وقد بدأت قصة التوربيني كسفاح مصري في 27 نوفمبر 2006 عندما عُثر على أشلاء طفل داخل سرداب تحت محطة شبرا بالقاهرة، ثم عُثر على أشلاء طفل آخر في الإسكندرية، وثالث في طنطا بدلتا مصر وكانت الجثث متفرقة بين أماكن مختلفة، لكن السمة المشتركة بينها كانت أن الضحايا كانوا جميعاً أطفالاً، وقد توفوا على قضبان السكة الحديد.
وبعد اكتشاف 12 جثة أخرى في أنفاق القطارات، أدركت الشرطة أنها تواجه سفاحاً متسلسلاً، لذا بدأت حملة مكثفة للقبض عليه. تبين أن السفاح كان يُعذب ويغتصب ضحاياه قبل أن يلقي بهم من أعلى القطارات، ولم يكن الأمر مجرد جرائم، بل كانت مأساة أطفال وسط حالة من الذعر والرعب بين المواطنين.
تم إعدام "التوربيني" وحناطة شنقاً في 16 ديسمبر 2010، وعدد من أفراد عصابته الآخرين تمت إحالتهم إلى محكمة الأحداث بسبب عدم بلوغهم السن القانونية.