للمرة الثانية في السنوات العشر الأخيرة، تستعد الحكومة المغربية لرفع سن التقاعد من 62 سنة إلى 65 سنة، وذلك بسبب وضعية العجز الذي تُعاني منه صناديق التقاعد في المغرب في القطاعين الخاص والعام.
وتُريد الحكومة المغربية أيضاً الزيادة في نسبة الاقتطاع من الأجور للمساهمة في إصلاح صناديق التقاعد الأربعة في المغرب، وطلبت ذلك فعلياً من ممثلي النقابات، على أن يتم العمل بسن التقاعد الجديد ابتداءً من بداية 2025.
رغبة الحكومة التي أعلنت عنها في مارس/آذار 2024 اصطدمت برفض النقابات التي ترى أن إصلاح صناديق التقاعد لا يمكن أن يكون على حساب الطبقة العاملة، التي كانت ضحية رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 سنة 2016.
واليوم الإثنين 29 أبريل/نيسان 2024 أعلنت الحكومة تأجيل النقاش في ملف التقاعد إلى دورة أكتوبر/تشرين الأول 2024 من الحوار الاجتماعي، على أن يستمر النقاش حوله بمنهجية تشاورية وتوافقية قبل عرضه على مسطرة التشريع.
علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل قال لـ"عربي بوست" إن "الفعاليات النقابية بالمنظمة ترفض المقاربة المقياسية التي لجأت إليها الحكومة المغربية من أجل التخفيف من العجز الذي تعرفه صناديق التقاعد، خاصة الصندوق المغربي للتقاعد".
وهي مقاربة سبق للحكومة المغربية السابقة أن لجأت إليها، حيث رفعت سن التقاعد إلى 62 مع احتساب متوسط أجرة ثماني سنوات الأخيرة كقاعدة لاحتساب أجرة المعاش، بدل احتساب الأجرة المعمول بها سابقاً.
بالإضافة إلى تخفيض المعامل من 2.5 إلى 2%، وهي العوامل التي أدت إلى تخفيض معاش التقاعد بنسبة تتراوح ما بين 18 و35%، غير أن العجز في صناديق التقاعد ظل قائماً.
ويتوفر المغرب على 4 صناديق للتقاعد وهي: الصندوق المغربي للتقاعد الخاص بالموظفين العموميين، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الخاص بمنتسبي القطاع الخاص، الصندوق المهني المغربي للتقاعد.
صناديق التقاعد في المغرب.. عجز بمليارات الدراهم
في العرض الذي قدمته زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات (المحكمة المالية) سنة 2023 بالبرلمان، نبهت إلى أن العجز التقني للنظام المدني لمعاشات الصندوق المغربي للتقاعد ناهز 5.12 مليار درهم سنة 2022، وتراجعت احتياطاته إلى 65.84 مليار درهم بانخفاض قدره 10.07 مليار درهم بالمقارنة مع سنة 2019.
فيما بلغ حجم العجز التقني للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد ما يناهز 3.95 مليار درهم نهاية سنة 2022، وذلك على الرغم من الإصلاحات المقياسية التي همت النظامين على التوالي سنتي 2016 و2021، تضيف العدوي.
ولم يخرج صندوق الضمان الاجتماعي عن دائرة العجز، وإن بحدة أقل، حيث كشفت العدوي أن عجز هذا الصندوق بلغ حوالي 400 مليون درهم سنة 2021.
وخلصت العدوي إلى أن الصناديق الثلاثة تعاني من تراجع في احتياطاتها على المدى القريب، وأن مؤشرات العجز المشار إليها تشكل مخاطر كبرى على ضمان ديمومة المنظومة على المدى المدى الطويل وعلى توازن المالية العامة.
رفض نقابي
أوضح لطفي أن الحكومة "أخلفت الوعد الذي التزمت به أمام البرلمان، بإصلاح شمولي لمنظومة التقاعد في المغرب، ولجأت إلى إصلاحات مقياسية ذات تأثير محدود، لربح بعض السنوات قبل العودة مجدداً لنقطة الصفر ورفع سن التقاعد لـ65 سنة".
مشيراً إلى أن هذه الحلول "غير مجدية في ظل أربع صناديق للتقاعد مشتتة، بأنظمة ومعاشات مختلفة، إلى درجة أن هناك بعض المعاشات لفئات واسعة من العاملات والعمال في القطاع الخاص لا تتجاوز ألف درهم".
وهذا "يتنافى كلية مع المشروع المجتمعي الضخم الذي يسهر عليه الملك محمد السادس، من أجل تعميم الحماية الاجتماعية والتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، والتعويض عن فقدان الشغل والتقاعد" يضيف محدثنا.
وأبرز القيادي النقابي أن الإجراءات التي كشفت عنها الحكومة لإصلاح نظام التقاعد "تظهر على أن الحكومة تنتهج مخططاً ترقيعياً وارتجالياً، ليس بإمكانه معالجة إشكالية منظومة التقاعد بالمغرب".
وعليه فقد عبرت المنظمة عن "رفضها جملة وتفصيلاً هذه الأساليب في إصلاح منظومة التقاعد"، داعية الحكومة إلى "إعادة قراءة التزاماتها أمام برلمانيي الأمة بإصلاح شمولي في ملف التقاعد".
إصلاح شمولي
ومن أجل إصلاح شمولي على الحكومة إقرار نظام تقاعد بثنائية قطبية، تشمل جميع المتقاعدين على أساس توحيد الأنظمة في قطبين عام وخاص، في أفق توحيدهما مستقبلاً في صندوق واحد.
وكذلك على الحكومة المغربية، يضيف لطفي "أن ترفع من المعاش بدلاً من أن ترفع من سن التقاعد، إذ إن هناك من المتقاعدين الذين تقاعدوا منذ سنوات، لا يتجاوز معاشهم ألف درهم".
علماً أن المستفيدات والمستفيدين من المعاش في المغرب "لا تتجاوز نسبتهم 42%، أي أن 58% لا تستفيد من أجرة شهرية بعد سن التقاعد" يختم الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل.
من جهته، أكد الاتحاد المغربي للشغل أن أي مدخل لإصلاح شامل لملف التقاعد "يقتضي اعتماد مقاربة اجتماعية محضة، تتحمل فيها الدولة مسؤوليتها في تغطية عجز الصناديق إذا كان هناك عجز وإعادة النظر في أنظمة التقاعد.
وأوضح الاتحاد أن الحكومة "يجب أن تتحمل مسؤولياتها الكاملة من أجل الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للطبقة العاملة في إطار مقاربة اجتماعية تراعي التوازنات الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي".
فيما طالب الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الحكومة المغربية باللجوء إلى حلول مبتكرة لإعادة التفكير في مصادر التمويل البديلة لسد العجز الهيكلي في تمويل أنظمة التقاعد، والرفع من مردودية الاستثمارات الخاصة باحتياطاتها.
داعياً الحكومة المغربية إلى اعتماد منهجية صارمة للتقييم والتتبع لضمان استدامة حقوق ومكتسبات المتقاعد، بدلاً من الاعتماد على الحلول الميكانيكية السهلة، والتي يمكن أن تمس بالاستقرار الاجتماعي.