منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ظل يردد الرئيس الأمريكي أنه يريد "منع نشوب حرب شاملة في الشرق الأوسط". لكنه يوم السبت 13 أبريل/نيسان واجه التصعيد الذي حاول تفاديه بسبب تهور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك بعد أن أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ، وهي المرة الأولى التي تهاجم فيها طهران إسرائيل هجوماً مباشراً، رداً على اغتيال إسرائيل عدداً من قادة الحرس الثوري في مبنى تابع للسفارة الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل/نيسان 2024 دون مشاورة الأمريكيين.
وبإطلاقها هذا الوابل من الصواريخ والمسيرات، أزاحت إيران غطاء حرب الظل بينها وبين إسرائيل التي استمرت لسنوات طويلة. وهذا الهجوم المباشر يضع إسرائيل في مواجهة تحدي الرد العسكري، ويدفع إدارة بايدن إلى البحث عن طريقة لتجنب التصعيد الذي كانت تخشاه في المنطقة، كما تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
هل تتسع الحرب في المنطقة أم تنحسر.. ما الخطوة التالية؟
تقول الصحيفة الأمريكية إن إدارة بايدن تأمل حالياً أن يؤدي "الضغط السياسي الدولي" على إيران و"الإقناع الهادئ" لإسرائيل، التي يزداد اعتمادها في حفظ أمنها على الحماية الدفاعية الجوية والصاروخية الأمريكية، إلى تخفيف التوترات بينهما.
ولكن حتى لو كان من الممكن تجنب التصعيد في الساعات والأيام المقبلة، فسيتعين على الولايات المتحدة وحليفتها الأولى في الشرق الأوسط التعامل مع منطقة مضطربة تزداد حاجتها لتدخل سياسي وعسكري أمريكي رغم آمال البيت الأبيض في تحويل انتباهه إلى آسيا، حيث يتعاظم نفوذ الصين وأخطارها.
وقال نورمان رول، الذي كان يرأس شؤون إيران في الاستخبارات الأمريكية: "الشرق الأوسط يتغير، الخط الأحمر بألا تهاجم إسرائيل وإيران بعضهما بصورة مباشرة انمحى الآن. وكل دولة ستدّعي الآن أنها تستطيع اللجوء إلى هذا الخيار رداً على التهديدات الأمنية، رغم أن أي هجمات مستقبلية قد لا تكون بهذا النطاق".
مع ذلك، كانت تلك الهجمات الصاروخية بشكل عام استثناءً لاستراتيجية إيران المتمثلة في تعزيز القدرات العسكرية لحلفائها في المنطقة مثل حزب الله وحماس والحوثيين وغيرهم -الذين يهاجمون إسرائيل منذ بداية الحرب- وتفادي الضربات التي قد ترتبط مباشرة بها.
إيران تضع الكرة في ملعب إسرائيل
وفي بيان مساء يوم السبت، أوضحت إيران أن هجومها ليس المرحلة الأولى لحرب تقليدية جديدة، بل كان عقاباً على الغارة الجوية الإسرائيلية في الأول من أبريل/نيسان، التي قُتل فيها قادة من الحرس الثوري الإيراني في دمشق.
وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في بيان إنه "يمكن اعتبار الأمر منتهياً. ولكن إذا ارتكب النظام الإسرائيلي خطأً آخر، فرد إيران سيكون أعنف بكثير. إنه صراع بين إيران والنظام الإسرائيلي المارق، وعلى الولايات المتحدة أن تبتعد عنه!".
وإيران، بهذه الرسالة، تعرض إنهاء هذه الجولة من المناوشات بين إسرائيل وطهران بشروطها، وتضع الكرة في ملعب إسرائيل، كما تقول وول ستريت جورنال.
وكانت نصيحة بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية مساء السبت أن هذا هو الوقت المناسب للتفكير بحرص. وقال بايدن إن إسرائيل انتصرت، فقد قتلت قادة في الحرس الثوري الإسلامي في غارتها على دمشق، بينما تم صد معظم الهجمات الصاروخية والمسيرات الإيرانية، على حد تعبيره.
وقال أحد كبار المسؤولين في إدارة بايدن، يوم الأحد 14 أبريل/نيسان، للصحفيين: "أعلن الرئيس بوضوح شديد أننا سنساعد في حماية إسرائيل، وقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي مساء أمس إنه من الضروري أن نفكر بعناية وبشكل استراتيجي في خطر التصعيد".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الأسبوع الماضي، إن أي هجوم إيراني مباشر على إسرائيل "سيتطلب رداً إسرائيلياً مناسباً على إيران"، وفقاً لبيان صادر عن مكتب غالانت.
الأمريكيون يعتقدون أن إيران تعاني "انتكاسة عسكرية"
ولكن في حين أن إسرائيل لم تتشاور مع الولايات المتحدة بشأن ضربة دمشق، فالدور الأمريكي والأوروبي في مساعدة إسرائيل على صد هجمات المسيرات والصواريخ الإيرانية ربما أعطى واشنطن نفوذاً إضافياً في التأثير على تقديرات الإسرائيليين. ومهما كان الرد العسكري الذي قد تختاره إسرائيل ضد إيران، قال مسؤولو إدارة بايدن بوضوح إن الولايات المتحدة لن تشارك فيه.
يقول فرانك ماكنزي، الجنرال المتقاعد الذي كان مسؤولاً عن إدارة القيادة المركزية الأمريكية حين نُفذت الغارة التي قتلت سليماني، إن "إيران تعاني انتكاسة عسكرية بفشلها في الإضرار بإسرائيل بهجومها بالمسيرات والصواريخ، وإن على إسرائيل أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند دراستها الإتيان برد عسكري".
وقال ماكنزي: "الإيرانيون اليوم أضعف مما كانوا بالأمس. ومهما قالوا، فالجميع يعلم أن هذا الهجوم فشل. وهذا خبر سار لإسرائيل". وأضاف أنه إذا قررت إسرائيل الرد، فعليها أن تفعل بسرعة، وباستراتيجية واضحة، على حد وصفه.
في النهاية، فإن الرد الإيراني، رغم هامشية أثره الميداني، يجعل إيران الدولة الثانية بعد نظام صدام حسين في اتخاذ قرار ضرب العمق الإسرائيلي من أراضيه مباشرة، خاصة أنه يأتي بعد انتقادات لتفاعل إيران العسكري مع معركة طوفان الأقصى، والذي اقتصر على تحريك أدواتها في اليمن ولبنان للرد ضمن انضباط لمواجهة محدودة، دون أن يشمل أبداً تدخلاً إيرانياً مباشراً.
إن مشاركة قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية، فضلاً عن أنظمة دفاع صاروخي في دول إقليمية في التصدي للهجوم الإيراني، يشدد على أن أية مواجهة إيرانية-إسرائيلية لن تقتصر عليهما فقط، إنما ستقود نحو مواجهة بين إيران من جهة وتحالف غربي داعم للاحتلال في الجهة الأخرى.
كما يظهر اعتماد إسرائيل بشكل كبير على حلفائها في صد هجوم إيران حدود قدرات دولة الاحتلال الذاتية في الدفاع الصاروخي دون إسناد من القواعد الأمريكية والغربية في دول الطوق المحيطة، خاصة في ظل الثغرات التي كشفتها المقاومة الفلسطينية في منظومات القبة الحديدية والدفاعات الجوية الإسرائيلية.