أعيش ببلد لا أحظى فيه بأبسط حقوقي، وهو الأمان. أنا لست من بلد به حرب مثل سوريا، والعراق، وبورما، واليمن، لست من بلد تحت الاحتلال مثل فلسطين، ولا من بلد غير مستقر مثل ليبيا ومصر.
أنا من المغرب، من أرض لا نسمع بها صوت صواريخ أو صفارات إنذار، لكن نسمع فقط صوت فتاة قاصر تستنجد وتقول لمغتصبها: "واش معندكش ختك" أليست لك أخت؟! تقولها بصوت عالٍ مليء بالبكاء، ترددها بتوسّل لعل قلب هذا الوحش يحنّ ويبتعد عنها، لكن لا حياة لمن تُنادي، وحشيته كانت أكبر من كل شيء، كأن صراخها أصبح معزوفة تشعره بالسعادة والنشوة حينها، وهو يضع ركبته على عنقها وبيد واحدة يمسك بيديها ليشل حركتها ويشرع بنزع سروالها.
لم يكن هذا المشهد في غرفة مغلقة كما هو العادة، ولا في وسيلة نقل كما حدث في آخر مرة مع فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة التي تم اغتصابها من طرف أكثر من مراهق.. هذه المرة كان تصوير المشهد في مكان مفتوح قريب من الطريق، كأن الفاعل وصديقه المصوّر كانا على يقين أن لا أحد سيستطيع إيقافهما على فعلتهما، وكأن الشارع أصبح في ملكهما.
المؤسف في الأمر أن هذه الفتاة لم تفصح عما حدث لها لأهلها، وفضَّلت الصمت عن الكلام ربما خوفاً من ذاك الوحش أو خوفاً من ردة فعل أهلها، ومن توجّب عليه الخوف بقي حراً طليقاً يستعرض وحشيته بكل أريحية لولا تسرب الفيديو المعلوم.
ارتفاع نسبة الاغتصاب في بلدي والانتشار الكبير للتحرش، بسبب هذه الحوادث، يستوجب على القضاء المغربي أن يتخذ موقفاً مهماً، أقله إعادة تفعيل حكم الإعدام للفاعلين، وأن لا يشملهم العفو.. فليس من العدل أن تتعرض فتاة لحادثة شنيعة مثل هذه، تتأذى نفسياً وجسدياً، فخدوش هذه الحادثة لن تنساها مدى الحياة.
ليحكم على مغتصبها ببضع سنوات ثم بعد سنتين نجده من بين أسماء الذين شملهم العفو.
لن أمرّر هذه الحادثة الشنيعة دون أن أخاطب الجمعيات النسوية: منذ لحظة انتشار فيديو الحادثة، وأنا أنتظر من إحدى الجمعيات الدعوة إلى وقفات على أرض الواقع للدفاع على هذه الفتاة، لكني لم أسمع لكُنّ صوتاً، لطالما احتويتُنّ الأمهات العازبات، وناضلتُنّ من أجل حرية المرأة والمساواة مع الرجل، دائماً ما كُنتنَّ تدافعن عن حق المرأة في أن تلبس ما ترغب فيه، هذه الفتاة كانت محتجبة بلباس مدرسي عادي وتعرضت للتعدي فما أدراكن لو تبرجت؟!
قبل أن تطالبن بحق المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، وتخالفن شرع الله، حققن لهذه الأنثى أولاً حق الأمان، أم أنّكنّ تطالبن بالكماليات وتنسَين الأساسيات.
ما يعانيه المجتمع المغربي من انحلال خُلقي راجع إلى خلل في العقيدة، فلم تعد الأسرة تلعب الدور الأساسي في ترسيخ الأسس الدينية، والفساد الإعلامي الذي جعل أغلبية برامجه عن مجرمين خلق منهم أبطالاً، والمسلسلات المدبلجة المليئة بالرسائل الجنسية المشفرة؛ إذ جعلوا من العلاقة خارج نطاق الزواج حلالاً تحت مسمى الحب.
أما الفساد السياسي فكان له دور في إهمال دور الشباب التي كانت تحتوي الطفل وتستهلك كل طاقته في الإجازة الأسبوعية والعطل.. حتى الكتاب القرآني الذي كان يلعب دور المدرسة الصيفية أصبح شبه مهجور، أما المدرسة فأصبحت وكراً للتحرش وبيع المخدرات.
ويبقى السبب الرئيسي وراء تفشّي كل هذه الجرائم في وطني، هو الابتعاد عن الدين، وفهم الحرية بمنظور خاطئ.
وأخيراً العقاب الوحيد الذي يستحقه المغتصب هو الإعدام وليس أي إعدام، بل الإعدام حرقاً؛ ليكون عِبرةً لكل مَن سوَّلت له نفسه ذلك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.