- القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق تطور لصراع ممتد منذ عقود
- الصراع بين إيران وإسرائيل معركةٌ متعددة الجبهات بدأت بلبنان
- إيران حولت سوريا لمنطقة نفوذ ومعبر للأسلحة
- في عام 2019 بدأت حرب السفن الخفية بين القوتين
- الهجمات وصلت إلى داخل البلدين
- هل ستهاجم طهران إسرائيل رداً على القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق؟
- طهران قد تفضل إبقاء المسار الحالي
- قد تلجأ للرد بعد إبلاغ خصومها كما فعلت مع أمريكا إثر مقتل سليماني
- هل ترد باستهداف البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج؟
يشكل القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق تطوراً خطيراً في الحرب الخفية الدائرة بين الدولتين منذ عقود، ويثير تساؤلات حول كيف سيكون الرد الإيراني ومخاطر أن يتسبب عنف الرد في اندلاع حرب إقليمية بالشرق الأوسط.
وأدى القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق إلى مقتل سبعة أفراد عسكريين إيرانيين من بينهم شخصيتان رئيسيتان في فيلق القدس.
ولم يتضح سبب التصعيد الصادم في يوم الإثنين بشكلٍ فوري، لكنه جاء بعد ساعات من تبنّي ميليشيا عراقية مدعومة من إيران المسؤولية عن هجوم طائرة مسيّرة استهدف قاعدةً عسكرية إسرائيلية في إيلات.
ومن المستبعد أن تكون إسرائيل قد هجمت بهذا الاندفاع رداً على هجوم الطائرة المسيّرة؛ إذ تُشير الضربة الدقيقة، التي لم تؤثر على البنايات المجاورة للقنصلية، إلى أن العملية حظيت بشيءٍ من التفكير والإعداد والمعلومات الاستخباراتية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وقال المرشد الأعلى الإيراني، علي آية الله علي خامنئي، الثلاثاء 2 أبريل/نيسان 2024، إن إسرائيل "ستندم" على استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، فيما أعلن وزير الخارجية الإيراني، أن بلاده أرسلت رسالة مهمة إلى أمريكا.
القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق تطور لصراع ممتد منذ عقود
لعقود رسمت الحرب الخفية بين إسرائيل وإيران ملامح الشرق الأوسط.
فمن بين الصراعات العديدة التي عصفت بالمنطقة، كان الصراع بين هاتين الدولتين من أكثر صراعات المنطقة صدامية، وسرية في الوقت ذاته، حيث هاجم كلا البلدين بعضهما البعض -بهدوءٍ في الأغلب وبواسطة الوكلاء عادةً في حالة إيران-، مع تفادي تصعيد الصراع إلى حربٍ مباشرة، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
لكن الحرب الخفية دخلت مرحلةً جديدة خطيرة عبر القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق، وذلك بالتزامن مع استمرار القتال بين إسرائيل وبين حركة حماس الفلسطينية المدعومة من إيران، ومع دخول الجماعات المسلحة الأخرى التي تدعمها إيران على الخط.
الصراع بين إيران وإسرائيل معركةٌ متعددة الجبهات بدأت بلبنان
يُمثل لبنان أقدم جبهةٍ في المعركة بين إسرائيل وإيران؛ إذ خاضت إسرائيل عدة حروب ضد حزب الله الموالي لإيران كان آخرها في عام 2006.
وقد أعرب حزب الله عن تضامنه مع حماس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول بإطلاق الصواريخ، وقذائف الهاون، والقذائف الصاروخية على إسرائيل بصورةٍ شبه يومية.
ودفع ذلك التصعيد بإسرائيل إلى الرد بإطلاق صواريخها الخاصة، وحتى قبل القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق كانت هناك مخاوف من تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل.
إيران حولت سوريا لمنطقة نفوذ ومعبر للأسلحة
بنت طهران وجودها العسكري داخل سوريا طوال فترة الحرب الأهلية من أجل دعم حليفها بشار الأسد، ولتسهيل نقل الأسلحة براً من إيران إلى حزب الله مروراً بالعراق وسوريا.
وأفادت وسائل الإعلام المحلية بأن إسرائيل شنّت مئات الغارات ضد شحنات الأسلحة وغيرها من الأهداف، التي يقولون إنها مرتبطة بإيران داخل سوريا، في محاولةٍ لوقف تدفق الأسلحة والتصدي لهذا الوجود العسكري على حدودها.
وزادت إسرائيل غاراتها ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بعد اقترابها من الحدود الإسرائيلية أكثر.
فيما قالت إيران إنها هاجمت في الـ15 من يناير/كانون الثاني ما وصفته بـ"مقر التجسس" الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق، وذلك رداً على ما قالت إنها غارة إسرائيلية قتلت قائداً كبيراً في الحرس الثوري بدمشق يوم الـ25 من ديسمبر/كانون الأول.
في عام 2019 بدأت حرب السفن الخفية بين القوتين
وشهد عام 2019 بداية الجانب الآخر من حرب العين بالعين الخفية، والذي تمثّل في مهاجمة السفن التجارية في البحر. ولم تُعلن أي من إسرائيل أو إيران مسؤوليتها عن مهاجمة السفن المرتبطة بالأخرى، لكن الاعتقاد الشائع هو أنهما تقفان وراء تلك الهجمات. وكانت خسائر الأرواح نادرةً في السابق.
لكن الحوثيين المدعومين من إيران يحاولون ضرب إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كما صعّدوا الهجمات البحرية بضرب السفن في البحر الأحمر بشكلٍ متكرر. ويقول الحوثيون إنهم يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
الهجمات وصلت إلى داخل البلدين
تحمّلت إيران القصف الإسرائيلي لمصالحها داخل سوريا في أغلب الحالات، لكن قواتها أطلقت وابلاً من الصواريخ صوب المواقع الإسرائيلية في الجولان في عام 2018. ثم ردّت إسرائيل باستعراض قوة أكبر.
وفي أبريل/نيسان عام 2021، حمّلت إيران المسؤولية لإسرائيل وتعهّدت بالانتقام بعد انفجارٍ وقع في أكبر منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية بمدينة نطنز. وكانت تلك هي المرة الثانية التي يتعرض فيها الموقع نفسه للانفجار في غضون أقل من عام. بينما لم تؤكد إسرائيل أو تنفي مسؤوليتها عن أي من الهجومين.
وفي منتصف فبراير/شباط، قالت إيران إن إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم على شبكة نقل الغاز الإيرانية؛ ما تسبب في تعطيل الإمدادات. وقبلها بعامٍ واحد، تعرض مستودع ذخيرة إيراني بالقرب من وسط مدينة أصفهان للهجوم بطائرات مسيّرة، وذكرت صحيفتان أمريكيتان أن إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم.
ويخوض الخَصمان في الشرق الأوسط منذ سنوات حرباً سيبرانية متبادلة، وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، استهدفت الأنظمة الإلكترونية لمحطات الوقود في الجمهورية الإسلامية، وقال جنرالٌ إيراني إن إسرائيل هي المسؤولة على الأرجح عن الهجوم السيبراني الذي ضرب محطات الوقود بطول إيران.
ورداً على ذلك، شنّت طهران حرباً سيبرانية مكثفة على إسرائيل، شملت اختراق شركات هندسية إسرائيلية تُدير مشاريع البنية التحتية.
كما نشرت مجموعة هاكر تُعرف بقربها من إيران في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أسماء مئات آلاف المثليين الإسرائيليين، بعدما نجحت باختراق مواقع تحمل هذه الأسماء، حيث كانت المجموعة قد هددت الأحد بتسريب البيانات والأسماء إذا لم تحصل على مبلغ مليون دولار خلال 48 ساعة، بحسب إعلام عبري، حيث وصفت "يديعوت أحرونوت" العبرية، العملية بأنها "أكبر عملية تسريب معلومات شخصية عرفتها إسرائيل".
هل ستهاجم طهران إسرائيل رداً على القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق؟
تقول صحيفة The Times البريطانية إنه عندما دكّت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، يوم الإثنين، الأول من أبريل/نيسان، دمّر ذلك القصف الافتراض القائل بوجود أي احتمالات مستبعدة في صراعها إسرائيل المتنامي مع طهران.
إذ أصبحت طهران مضطرةً للرد الآن؛ حيث اغتالت إسرائيل عدداً من جنرالاتها وكبار قادتها في دمشق خلال الأشهر الأخيرة، لكن القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران هو أول هجوم يشهد استهداف بعثة دبلوماسية إيرانية. وقد وعد السفير الإيراني في سوريا، الذي لم يُصب خلال الهجوم، بأن يكون الرد "بنفس الحجم ودرجة القسوة".
ويبدو أن هذه هي اللحظة التي كان يخشاها الجميع منذ اندلاع حرب غزة في شهر أكتوبر/تشرين الأول، التي أطلقت بدورها عنان الصراع بين إسرائيل وبين شبكة الميليشيات المتحالفة مع إيران وجعلت الوضع مهدداً بالتصاعد إلى حرب إقليمية.
طهران قد تفضل إبقاء المسار الحالي
وسبّبت الضربة الجوية إحراجاً لطهران، التي من المؤكد أنها ستراجع افتراضاتها القائمة حول قواعد سياسة حافة الهاوية التي تتعامل بها مع إسرائيل.
لكن إيران قد تخسر الكثير إذا رفعت الرهانات بالدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
ومن المرجح أن تجد أن البقاء على مسارها الحالي سيكون الخيار الأكثر حكمة، بغض النظر عن آلامه المتزايدة.
قد تلجأ للرد بعد إبلاغ خصومها كما فعلت مع أمريكا إثر مقتل سليماني
وسيتعيّن عليها استعراض قدرات الردع الخاصة بها الآن، كما فعلت بعد اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني عام 2020، حين قصفت قاعدةً أمريكية في العراق.
كما قصفت في العام الجاري ما قالت إنها منشأة استخباراتية إسرائيلية في كردستان العراق، وذلك رداً على اغتيال أحد كبار جنرالاتها في سوريا.
وفي كلتا الواقعتين، كان الرد الإيراني مُنسّقاً بهدف حفظ ماء الوجه مع تفادي المواجهة الشاملة؛ حيث أرسلت طهران تحذيراً إلى الولايات المتحدة من الهجوم الوشيك على القاعدة الأمريكية في العراق عام 2020، وذلك حتى تتجنب سقوط الضحايا.
هل ترد باستهداف البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج؟
وقد تشعر إيران الآن بإغراء استهداف واحدة من البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج، لكن إسرائيل لن تتغاضى عن هجوم كهذا دون شن هجوم مباشر على التراب الإيراني.
وربما ترى إيران في النهاية أن إسرائيل هاجمتها لأنها تريد من طهران كبح جماح ميليشياتها، خاصةً حزب الله، ولهذا سيتمثّل انتقامها الأفضل في التمسُّك بمسارها الحالي.