أفاد تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية بأنَّ الأقلية الصغيرة داخل إسرائيل التي تتحدث بصوت عالٍ عن الضحايا المدنيين في غزة، وتثير المخاوف بشأن سير الحرب، أو تدعم الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، تخاطر بأن تجد نفسها في مرمى نيران الجماعات اليمينية والسياسيين – وحتى جيرانهم.
وأشار التقرير إلى يسرائيل فراي، عضو المجتمع الأرثوذكسي المتشدد، الذي تعرض لتهديدات وملاحقات، بعدما ألقى صلاة يهودية، قال فيها: "لن تشعروا بالارتياح بشأن ما سأفعله، لكنني أهدي أيضاً كاديش لآلاف المدنيين الأبرياء، والنساء والأطفال، الذين نذبحهم في غزة".
حيث اندلع رد فعل "عنيف" في غضون أيام، وأعادت الجماعات اليمينية المتطرفة نشر الفيديو مع عنوان منزل فراي الذي يبلغ 37 عاماً من عمره، لتتدفق عليه رسائل الكراهية، في حين حاصرت حشود معادية المبنى السكني الذي يعيش فيه مع زوجته وطفليه، وأطلقوا عليه الألعاب النارية والمشاعل؛ مما دفع فراي للفرار من منزله.
وصارت التجارب المماثلة لتجربة فراي شائعة أكثر فأكثر بين أعضاء المجموعة المتضائلة من اليساريين الإسرائيليين ونشطاء السلام منذ عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما اجتاحت الكراهية الإسرائيليين تجاه الشعب الفلسطيني رغم الضحايا كل يوم.
وبرغم مرور ما يقرب من ستة أشهر على اندلاع الحرب، لا يزال معظم الإسرائيليين يدعمون الهجوم الانتقامي الشرس الذي يشنه الاحتلال على غزة، ما أودى بحياة أكثر من 32 ألف فلسطيني، حتى مع تكثيف الضغوط العالمية لإنهاء الحرب.
المؤسسة السياسية تمارس الترهيب والتحريض
من جانبه، قال مايكل سيفراد، محامي حقوق الإنسان، إن "النشطاء الإسرائيليين مهددون من المؤسسة السياسية التي تمارس الترهيب والتحريض. وهذا يفسر الجو السائد في الشارع".
وقد واجه البعض إجراءات تأديبية في العمل، فيما فرّ آخرون، مثل فراي، من منازلهم ووُصِفوا بالخونة، كما واجهت الجماعات الحقوقية التي تعمل مع الفلسطينيين ضغوطاً، وفق تقرير فايننشيال تايمز.
في السياق، جمَّد بنك لئومي، أكبر بنك في إسرائيل، حساب منظمة Gisha الحقوقية، لأنها تمول برنامجاً يقدم المشورة القانونية لسكان غزة الذين يسعون للحصول على تصاريح لدخول إسرائيل.
وقالت المنظمة غير الحكومية إنَّ البنك اعترض أيضاً على "الرسائل العامة" التي تحذر من جرائم الحرب في قطاع غزة، مدعياً أنها "معادية لإسرائيل".
وقالت تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة Gisha، إنَّ تصرفات البنك تعكس "المناخ العام بأنَّ أي شيء يتعلق بحقوق الإنسان للفلسطينيين يرتبط بالإرهاب".
"الناس خائفون"
كانت الجماعات الحقوقية تعمل بالفعل في أجواء معادية، حيث انحرف المجتمع نحو اليمين خلال السنوات الخمس عشرة التي سيطر فيها نتنياهو على المشهد السياسي.
ويشكو الناشطون من حملات التشهير والتشريعات والبيروقراطية التي تهدف جميعها إلى نزع الشرعية عن عملهم وعرقلته، وقال نشطاء إنَّ الضغوط زادت بعدما شكَّل نتنياهو حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل في عام 2022.
ويعتبر الناشطون إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي القومي المتطرف، أحد أكبر مُعذبِيهم، بعد أن أمرت محكمة بالإفراج عن ناشط يهودي مؤيد للفلسطينيين اعتُقِل في أكتوبر/تشرين الأول للاشتباه في "سلوك قد ينتهك السلام العام"، انتقد بن غفير القاضي، قائلاً: "هكذا يبدو الأعداء الداخليون.. يا للعار!".
وقال رامي الحنان، الابن البالغ من العمر 74 عاماً لأحد الناجين من الهولوكوست: "إنَّ حملة المطاردة تستهدف كل من يخالف الرواية السائدة".
أضاف الحنان: "الفكرة هنا أنَّ الناس خائفون، من فقدان وظائفهم أو التعرض للتوبيخ. فهؤلاء الأشخاص [اليمينيون المتطرفون] لديهم الكثير من الأسلحة… ونحن العدو".
وقال رامي الحنان: "نحن نسبح ضد التيار"، مضيفاً: "الإسرائيليون لا يرون ما يحدث في غزة.. الإسرائيليون لا يستمعون إلى أشخاص مثلنا".
"قُضي على عائلات بأكملها"
في حين أن "صراحة" مئير باروتشين أوصلته إلى السجن. وهو مدرس مخضرم للتاريخ والتربية المدنية، وقد استخدم فيسبوك منذ فترة طويلة لرفع مستوى الوعي حول محنة الفلسطينيين المحتلين، وفق ما رصد التقرير ذاته.
ونشر باروتشين عن سكان غزة الذين قُتِلوا في الحرب الإسرائيلية على غزة، بما في ذلك صورة لأطفال موتى، مضيفاً: "قُضي على عائلات بأكملها". وفي مجموعة واتساب للمعلمين، قال إنَّ القوات الإسرائيلية اغتصبت فلسطينيين في الماضي.
وفي غضون أسابيع، طردته البلدية المحلية وقدمت شكوى إلى الشرطة، فيما علَّقت وزارة التعليم رخصة التدريس الخاصة به.
وأفادت صحيفة فايننشيال تايمز أنَّ السلطات الإسرائيلية ألقت القبض عليه في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، ووجهت إليه تهمة نية ارتكاب الخيانة واحتُجِز لمدة أربعة أيام في جناح الحبس الانفرادي بسجن "المجمع الروسي" سيئ السمعة في القدس المحتلة. وأُطلِق سراحه، لكن على ذمة القضية.