كشفت مصادر سياسية عراقية داخل الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست"، عن وجود الكثير من الانقسامات داخله، إثر نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، التي نتجت عنها خسارة الإطار التنسيقي الذي يجمع قوى شيعية مختلفة في العراق، لمنصب المحافظ في محافظات ثلاث مهمة، هي: البصرة وواسط وكربلاء.
كان العراقيون قد صوتوا في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، لأول مرة منذ حوالي عقد من الزمن، لانتخاب المجالس المحلية للمحافظات، بعد أن تم إيقاف عملها في أكتوبر/تشرين الأول 2019، إثر الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة.
أسفرت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة عن تحولات كبيرة تجري داخل الإطار التنسيقي الشيعي، المظلة السياسية التي تنطوي تحتها أغلب الأحزاب الشيعية الكبرى في العراق، تمثلت بخلافات بين قادته، إلى جانب محاولة رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني الاستقلال عنه.
خسارة الإطار التنسيقي في البصرة
أظهرت نتائج انتخابات المجالس المحلية في محافظة البصرة الجنوبية، ذات الأغلبية الشيعية، والغنية بالنفط، التي يُشار إليها بأنها العاصمة الاقتصادية للعراق، فوز قائمة "تصميم" التي يترأسها المحافظ أسعد العيداني، بـ12 مقعداً من أصل 23 مقعداً في مجلس المحافظة.
بينما حصلت القوائم الانتخابية التابعة للإطار التنسيقي الشيعي في محافظة البصرة على 11 مقعداً فقط، وسط صراع بين قادته للظفر بمنصب محافظ المدينة.
ينص القانون العراقي على أنه يتم انتخاب المحافظ بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس المحافظة المنتخب حديثاً، خلال 30 يوماً من انعقاد الجلسة الأولى لمجلس المحافظة.
بما أن قائمة المحافظ أسعد العيداني تمتلك أكثر من 50% من مجلس المحافظة، فهو الأكثر حظاً لاستلام المنصب مجدداً.
علق سياسي من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، قائلاً: "العيداني خرج عن طوع الإطار التنسيقي، ويميل للتيار الصدري، لذلك يحاولون إزاحته بأي شكل، من أجل السيطرة على أموال ونفط البصرة، لكنهم خسروا كل معاركهم ضده، فالرجل حقق نجاحات في الإدارة المحلية للمحافظة، والناس انتخبته بكامل إرادتها".
مسؤول محلي في محافظة البصرة، مقرب من المحافظ العيداني، قال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، إن "الإطار لا يريد العيداني محافظاً للبصرة مجدداً، لأنهم يقولون إنه يفضل التعامل مع التيار الصدري".
سبب آخر، بحسب المصدر، يتمثل بأن "عصائب أهل الحق داخل الإطار التنسيقي تريد السيطرة على البصرة، لذلك لعب قادة الإطار جميع أوراقهم لإزاحة العيداني، ولم ينجحوا".
جدير بالذكر أنه منذ أشهر طويلة، والصراع يتزايد بين عصائب أهل الحق الفصيل المسلح المقرب من إيران، وبين التيار الصدري، حول السيطرة على محافظة البصرة.
رغم أن العصائب خاضت الانتخابات ضمن قوائم الإطار التنسيقي الشيعي (قائمة نبني)، لم تحصل إلا على 5 مقاعد فقط في مجلس محافظة البصرة.
في السياق ذاته، يقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست": "الخزعلي كان يريد أن تكون حصته الأكبر في هذه الانتخابات، بمنصب محافظ البصرة، والمالكي أيضاً كان يريد المنصب، لكنهما لم ينجحا في هذا الأمر، بل انقلبا على بعضهما البعض بسبب البصرة".
وأضاف أنه "بعد فشل المالكي والعامري في الانقلاب على نتائج الانتخابات في محافظة البصرة، انقلبا على الخزعلي، وعقدا صفقة سياسية في البصرة بدونه".
وكان قادة الإطار التنسيقي الشيعي، أثاروا تهديدات بكشف قضايا فساد قالوا إن العيداني وزوجته متورطان فيها، لكن الأمر لم يتم.
تجدر الإشارة إلى أن التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي والسياسي، مقتدى الصدر، قد قاطع الانتخابات المحلية الأخيرة، لكنَّ مقربين من التيار خاضوا الانتخابات، واستفادوا من أصوات القاعدة الجماهيرية للتيار الصدري.
من جانبهما، قرر نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، ورئيس الوزراء السابق للعراق، وهادي العامري رئيس منظمة بدر، وهما من أهم القوى السياسية في الإطار التنسيقي، عقد صفقة سياسية مع أسعد العيداني.
قال مصدر سياسي مقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست"، إنه "بعد الكثير من المحاولات الفاشلة، قرر المالكي والعامري عقد صفقة سياسية دون عصائب أهل الحق، تنص على أن يتولى أسعد العيداني منصب المحافظ، مقابل أن يكون رئيس مجلس المحافظة من ائتلاف دولة القانون، ونائب المحافظ من منظمة بدر".
وأضاف: "خرجت العصائب خالية الوفاض من محافظة البصرة، ما أثار غضب قيس الخزعلي، رغم أن المالكي والعامري قد أقنعا الخزعلي بمنحه مناصب عليا في محافظات أخرى، لكنه إلى الآن لم يقتنع بسبب أنه الخاسر الأكبر في محافظة البصرة".
تراجع سيطرة الإطار التنسيقي
السيناريو ذاته في محافظة البصرة، حدث في محافظات أخرى ذات أغلبية شيعية، مثل واسط وكربلاء.
استطاعت القوائم الانتخابية المقربة من التيار الصدري السيطرة على مجالس المحافظتين، وشهدتا صراعاً مشابهاً لما شهدته محافظة البصرة، الذي انتهى بفشل سيطرة الإطار التنسيقي الشيعي في استبدال المحافظين المنتصرين بآخرين موالين له.
فقد حصل نصيف الخطابي، في كربلاء، على 57 ألف صوت أي 28% من إجمالي الأصوات، بينما حصل جميل المياحي في واسط، على 37 ألف صوت، أي 15% من إجمالي الأصوات في المحافظة.
تعليقاً على ذلك، قال سياسي شيعي ثانٍ من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، إن "الانتخابات المحلية الأخيرة أثبتت أن سيطرة الإطار التنسيقي على السلطة في العراق ضعيفة، وأن القوى السياسية الجديدة المتمثلة في المحافظين مثل أسعد العيداني وجميل المياحي وغيرهما، استطاعوا الخروج عن سيطرة الإطار التنسيقي، منفردين معتمدين على ما قدموه للناس من خدمات في محافظاتهم".
تزايد شعبية السوداني
عامل آخر مهم في قضية نجاح محافظي واسط وكربلاء والبصرة، في السيطرة على الانتخابات المحلية الأخيرة، وإبعاد قوى الإطار التنسيقي الشيعي، يتمثل بدعم رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني لهؤلاء المحافظين.
قالت 3 مصادر سياسية شيعية من داخل الإطار التنسيقي وخارجه، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن "السوداني ساعد وقدم الكثير من الدعم للمحافظين الثلاثة، وهذا الأمر ساعد في نجاحهم في الانتخابات الأخيرة، وساعد في تحديهم لقوى الإطار التنسيقي".
أضافت المصادر الثلاثة أن "السوداني يريد بناء حزب سياسي قوي، ومستقل عن الإطار التنسيقي، لذلك عقد الكثير من الاجتماعات مع المحافظين الثلاثة، وقدم لهم الدعم، ليكونوا حلفاء له فيما بعد".
أكدت المصادر السابقة أن "شعبية رئيس الوزراء العراقي الحالي في تزايد، وهذا ما أثار قلق قوى الإطار التنسيقي الشيعي".
بهذا الصدد، يقول مصدر سياسي مقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست": "الجميع في الإطار التنسيقي لمس تزايد شعبية السوداني في الفترة الأخيرة، وهذا الأمر مقلق وخطير للكثيرين داخل الإطار التنسيقي".
حزب جديد للسوداني
لكن قلق قوى الإطار التنسيقي الشيعي لم يكن سببه الوحيد تزايد شعبية محمد شياع السوداني، بل الطموحات السياسية له، فقد شجعته نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة على خوض الانتخابات البرلمانية القادمة 2025، بعد تأسيس حزب سياسي مستقل عن الإطار التنسيقي.
يقول سياسي شيعي مقرب من رئيس الوزراء العراقي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "فوز المحافظين الثلاثة في واسط وكربلاء والبصرة كان دافعاً كبيراً للسوادني، لتأسيس حزبه الجديد، فسجل المحافظين الثلاثة في إدارته يتوافق بشكل كبير جداً مع رؤية السوداني فيما يخص إعادة الإعمار، وتقديم الخدمات".
لدى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حزب سياسي صغير باسم "حركة الفراتين"، يمتلك مقعدين فقط في البرلمان الحالي، لكن المصدر المقرب من السوداني، قال لـ"عربي بوست"، إن "السوداني يفكر في مسارين، إما تقوية حركة الفراتين، أو تأسيس حزب سياسي جديد يكون قادراً على خوض الانتخابات البرلمانية القادمة".
وكان "عربي بوست" كشف في تقرير سابق عن نية السوداني تأسيس حزب جديد.
أكد المصدر كذلك أن"السوداني يريد الانفصال عن الإطار التنسيقي الشيعي، وبناء كيان مستقل يدعم أجندته، لأنه خلال فترة ولايته الحالية تبين له أنه لن يستطيع تحقيق أي شيء من رؤيته في ظل تدخل الإطار التنسيقي".
تحالف السوداني ومقتدى الصدر
جدير بالذكر أن الإطار التنسيقي الشيعي من دعم محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، بعد أكثر من عام من الجمود السياسي الذي جاء على إثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2021، وفوز التيار الصدري بالأغلبية البرلمانية، وعرقلة الإطار التنسيقي لتشكيل التيار الصدري لحكومة أغلبية.
بهذا الخصوص، أشار المصدر السياسي المقرب من رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني إلى إمكانية تحالف الأخير مع التيار الصدري، إذا وافق مقتدى الصدر على خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقال لـ"عربي بوست" إن "السوداني منفتح على التحالف مع التيار الصدري في حال مشاركة التيار في الانتخابات المقبلة، فالإصلاح هو رؤية مشتركة بين الطرفين، وبالطبع هذا التحالف سوف يثير غضب الإطار التنسيقي الذي سيحاول عرقلته بشتى الطرق"، وفق قوله.
محاولة المالكي للإطاحة بالسوداني
على ضوء ما سبق، يحاول نوري المالكي الآن التحرك في محاولة لقطع الطريق أمام السوداني، بحسب ما أفاد به سياسي شيعي مقرب من الإطار التنسيقي الشيعي.
وأوضح لـ"عربي بوست" أن "المالكي يحاول الانقلاب على السوداني، من خلال الدعوة لإقامة انتخابات برلمانية مبكرة، وعدم التجديد له".
تجدر الإشارة هنا إلى أن نوري المالكي كان من أشد المعارضين لفكرة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، عندما دعا مقتدى الصدر إلى هذا الأمر بعد فشله في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2021.
أوضح المصدر ذاته أن "المالكي يعتقد أن إجراء انتخابات مبكرة من الممكن أن يؤدي إلى عدم التجديد للسوداني لولاية ثانية، وإنهاء حلمه في تشكيل كيان سياسي مستقل".
بحسب المصدر، فإن دعوة المالكي لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، تهدف أيضاً إلى مصالحة التيار الصدري، لمنع التحالف بينه وبين السوداني.
وقال: "يخشى المالكي من شعبية السوداني، لأنه يعلم جيداً أنه إذا نجح السوداني في تشكيل حزب سياسي مستقل عن الإطار، وخاض الانتخابات البرلمانية في 2025 سينجح بالتأكيد، وسيحصل على الكثير من المقاعد في البرلمان"، بحسب تقديره.
كذلك قال إن "المالكي يريد أن يحصل على منصب رئاسة الوزراء مرة أخرى، وهو يريد هذا الأمر بشدة الآن".
لكن لا تتوافق القوى الأخرى في الإطار التنسيقي مع رغبة نوري المالكي، فبحسب المصادر السياسية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن كلاً من هادي العامري رئيس منظمة بدر، وحيدر العبادي رئيس الوزراء السابق، ورئيس ائتلاف النصر، يرفضان إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
ويقول السياسي الشيعي المقرب من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، إن "محاولة المالكي للإطاحة بالسوداني ستضعف قوة الإطار التنسيقي، ولن تقربه من المقتدى الصدر كما يعتقد، حتى لو قرر الأخير خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة".
تعديل قانون الانتخابات لمواجهة السوداني
تتشارك بعض قوى الإطار التنسيقي بالإضافة إلى نوري المالكي، في المخاوف من طموحات السوداني السياسية، وخروج رئيس الوزراء عن سيطرتهم، بحسب المصادر ذاتها.
لذلك يحاولون منعه من الترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة من خلال تعديل قانون الانتخابات، بحسب ما أكدته المصادر السياسية التي تحدثت لـ"عربي بوست".
أوضح قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، أن "هناك قوى كثيرة داخل الإطار التنسيقي تسعى لتعديل قانون الانتخابات، بحيث ينص على وجوب استقالة أي مسؤول بدرجة مدير عام فما فوق، قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات البرلمانية، إذا أراد الترشح للانتخابات".
أكد أن ذلك "يعيق السوداني عن الترشح للانتخابات المقبلة، لأنه إذا تم سن هذا القانون، فسيتعين عليه الاستقالة من منصبه".
لكن في الوقت ذاته، لن يكون هذا التعديل نهاية المطاف بالنسبة للسوداني، بحسب المصدر السياسي المقرب من رئيس الوزراء العراقي الحالي، الذي قال إن السوداني "يستطيع مواجهة القانون إذا ما تم اعتماده، إذ سيقوم حينها بالتحالف مع التيار الصدري إذا خاض الانتخابات، أو التحالف مع القوى القريبة من نهجه داخل الإطار التنسيقي، مثل حيدر العبادي وعمار الحكيم".
أضاف أيضاً أن "السوداني يستبعد أن يقوم الإطار التنسيقي بمثل هذه الخطوة، لكن هذا لا يمنع أنه على علم بمخاوف قوى الإطار من خوضه الانتخابات المقبلة، وحتى إذا قرروا إجراء انتخابات مبكرة، فيمكن للسوداني الفوز"، وفق قوله.
اعتبر كذلك أن "نتائج الانتخابات المحلية أظهرت أن سيطرة الإطار التنسيقي على السلطة لن تدوم طويلاً".
يتفق مع ذلك مسؤول بارز في الحكومة الحالية، إذ قال لـ"عربي بوست": "لابد أن تعترف قوى الإطار التنسيقي أن الانتخابات المحلية الأخيرة أظهرت تحدياً سياسياً جديداً لها، وأن السيطرة على الأصوات بالسلاح والترويع لها نهاية، لذا عليها التعلم من فشلها في محافظات واسط وكربلاء والبصرة".
يشار إلى أن السوداني لعب دوراً وسيطاً بين الفصائل التابعة للحشد الشعبي والإطار التنسيقي من جهة، وإيران من جهة أخرى، على خلفية خلافات مع طهران متعلقة بتصاعد التوتر بين القوى الشيعية المسلحة في العراق والولايات المتحدة، مرتبطة بهجمات الفصائل على المصالح الأمريكية بسبب دعم الأخيرة لاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة.
بحسب مصادر "عربي بوست" في تقرير سابق، تمكن السوداني من لعب دور الوسيط بين طهران والفصائل العراقية، بعد رفض الأخيرة لمطلب إيران بالالتزام عدم التصعيد مع واشنطن في المنطقة.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.