سلمت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة في المغرب مقترحاتها لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، السبت 30 مارس/آذار 2024، لرفعها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتزامن ذلك مع احتدام النقاش بشأن التعديلات وسط مخاوف من مساسها بالدين.
خلال شهر سبتمبر/أيلول 2023، وجه الملك محمد السادس رسالة إلى رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة في المغرب. وجاءت الرسالة تفعيلاً للقرار الذي أعلن عنه الملك في خطاب العرش لسنة 2022، بهدف تعديل مدونة الأسرة في المغرب.
رئيس الحكومة المغربية قال عقب تسلمه مقترحات اللجنة في العاصمة الرباط السبت "استقبلت أعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة بعد انتهائها من مهامها، داخل الأجل المحدد لها في الرسالة الملكية، وتسلمت من منسقها الدوري تقريراً عن مقترحات التعديل بشأن مدونة الأسرة، قصد رفعها إلى الملك".
كما أضاف أخنوش أن الهيئة عملت "وفق مقاربة تشاركية واسعة، عبر تنظيم جلسات للاستماع والإنصات إلى مختلف الفاعلين من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المرأة والطفولة وحقوق الإنسان، وأحزاب سياسية، ومركزيات نقابية، وقضاة وممارسين وباحثين أكاديميين ومؤسسات وقطاعات وزارية".
وفق ما نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية قال أخنوش أيضاً: "كما توصلت هيئة مراجعة مدونة الأسرة في المغرب، بمذكرات عبر البريد الإلكتروني. ثم انكبت على دراسة المقترحات التي انبثقت عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة".
نقاش حاد حول مدونة الأسرة في المغرب
حتى قبل الاطلاع على مضامين التعديلات التي جاءت بها مدونة الأسرة في المغرب، بدأ نقاش محتدم على مواقع التواصل الاجتماعي بين فاعلين سياسيين ونشطاء، وحتى من رواد مواقع التواصل، وتباينت الآراء بشأن ما يجب أن تحمله من جديد.
في هذا السياق، هاجم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران وزير العدل عبد اللطيف الوهبي، متهماً إياه بتسريب إصلاحات مدونة الأسرة للجمعيات النسائية قبل رفعها للعاهل المغربي محمد السادس.
حيث اعتبر بنكيران في مقطع فيديو تم تداوله أن توجه الوزير لحشد التيارات الحداثية إلى دعمه ومساندته من أجل الإسراع بإخراج مدونة الأسرة بأقرب الآجال، مخافة عودة الإسلاميين والتيارات المحافظة إلى قيادة الحكومة وتدبير الشأن العام، "مفاجأة وفاجعة".
كما اتهم الوزير بعدم التحفظ قائلاً "أن وهبي عضو في لجنة تعديل المدونة، والمفترض أنه يعرف ما يقع داخلها وأعمالها سرية".
فيما حاول بنكيران الاستشهاد بموقف محمد عبد النباوي، منسق الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بأن اللجنة سترفع تقاريرها للملك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية.
كما اتهم وهبي بأنه عمد في وقت سابق لاستدعاء الجمعيات النسوية ولومها على عدم مساعدته في فرض تعديلات حداثية بالمدونة، مشيراً لما وصفه بخلط الوزير بين عمله الحكومي والحزبي.
بينما قال بنكيران إن استعانة وهبي بالبرلمانيين جاءت بعد هزيمته ومن معه، موضحاً أنه "سبق ووجه لهم دعوة للنقاش والمشاركة في مناظرة أو الاحتكام لاستفتاء ليعرف كل حجمه الحقيقي".
فيما هاجم رئيس الحكومة الأسبق رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش، والبرلمانية نبيلة منيب، بسبب مطالبتهما بإلغاء المهر "الصداق"، قائلاً إن الله أمر بذلك، في خطاب لا يخلو من اتهام المسؤولتين بتحدي أوامر الله.
كما دافع بنكيران عن تعدد الزوجات قائلاً إنه ممنوع بالمغرب لأن الظروف لا تسمح به، وأنا متفق مع ذلك، لكن الشرع ترك باباً، موضحاً "أن 0.6% من الأزواج المغاربة يلجأون له لأسباب معينة، ويكونون ملزمين بشرحها للقاضي قبل أخذ الموافقة على التعدد".
ما الذي يريده دعاة التغيير في المدونة؟
من جهتها، قالت سميرة موحيا، عضو التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة في المغرب: "ننتظر من الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أن تكون قد رفعت إلى جلالة الملك تقريراً أو مشروعاً يستجيب لانتظارات المغربيات والحركة النسائية والمجتمع المغربي".
تابعت موحيا في تصريح لموقع "هسبريس" المغربي: "نرغب في مدونة فيها تقدم، تتجاوز الاختلالات والعراقيل التي تواجهها النساء في مختلف مناحي الحياة، وتحسن وضع المرأة داخل الأسرة المغربية، ليس فقط تعديلات جزئية منفصلة، بل مدونة تترجم مكانة وتقدم المغربيات، وتترجم المساواة المنصوص عليها في الدستور والاتفاقيات الدولية".
كما تحدثت عضو التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق في مدونة الأسرة في المغرب، عن ضرورة "إحداث تغيير حقيقي والتمتع بجرأة حقيقية لإنصاف النساء المغربيات، بعيداً عن السجال الحاصل الذي يناهض التغيير والتقدم ويعود بالنقاش لما قبل 2004".
بينما شددت المتحدثة ذاتها على أنه "لا ينبغي العودة بالنقاش إلى ما قبل عشر سنوات، وعوض استعمال خطاب الوعيد وتجييش المجتمع، حبذا لو تم تقديم أفكار يمكن مناقشتها"، ولفتت إلى أن هذا السجال "دائماً ما كان حاضراً في أي تغيير يهم النساء، فأي إصلاح أو تغيير يمس مكانة النساء تكون مثل هذه الخرجات".
فيما اعتبرت موحيا أن المفروض هو اتباع "نقاش استعمال العقل، ولما لا إيجاد حل من داخل النص الديني والخروج من التفسير الضيق والتفسيرات الذكورية"، على حد تعبيرها.