أعلنت الحكومة المصرية أن الاستثمار الإماراتي، الذي يعد الأكبر في تاريخ مصر، والذي مهد الطريق لتعويم الجنيه المصري وتأمين اتفاقية قرض جديدة مع صندوق النقد الدولي، أنقذ اقتصادها. ولكن بعيداً عن الرواية الرسمية، يرى كثيرون في القاهرة أن خطة الإنقاذ الدولية في الأسابيع الأخيرة والتي تجاوزت قيمتها أكثر من 50 مليار دولار، لا تكشف إلا عن عمق الأزمة التي وصلت إليها أكبر دولة عربية.
تأمين اتفاقية قرض جديدة مع صندوق النقد الدولي
اذ يعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذه الحزمة من الأموال التي تلقتها بلاده مؤخراً، لجذب المستثمرين الأجانب إلى الدولة التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، والتي شهدت هجرة رأس المال الذي تحتاجه لتمويل ديونها الضخمة، وذلك حسبما قالت وكالة Bloomberg الأمريكية في تقريرها يوم الإثنين 25 مارس/آذار 2024.
إذ تعتزم الإمارات استثمار 35 مليار دولار في القطاع العقاري بعد حصولها على حقوق تطوير منطقة على ساحل البحر المتوسط، فيما سيقدم صندوق النقد الدولي قرضاً بقيمة 8 مليارات دولار. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات بقيمة 8.1 مليار دولار، ثم قدم البنك الدولي أكثر من 6 مليارات دولار.
على أنه في القاهرة، يسود شعور بأن البلاد عادت إلى ما كانت عليه قبل ثورة الربيع العربي عام 2011، عدا أن الصعوبات ازدادت عمقاً واتساعاً، ويقول المصريون إن قيادة السيسي فعلت ما لم تجرؤ الحكومات السابقة على فعله، فخفضت الدعم لأشياء مثل الخبز والكهرباء. وأعلنت وزارة النفط زيادة في أسعار الوقود قبل أيام، متعللة بإجراءات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي مثل تخفيض قيمة العملة.
نظام الدعم في مصر
يبلغ الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة 6000 جنيه مصري (128 دولاراً) شهرياً، ويعتمد غالبية السكان على نظام الدعم الذي يغطي بعض السلع الأساسية. لكن هذه التغييرات في عادات الإنفاق طالت أيضاً المصريين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أثرياء نسبياً.
وبات الناس أكثر اعتماداً على الدفع بالتقسيط، لا فقط لشراء سلع باهظة الثمن مثل الأثاث والأجهزة، إنما لمواد البقالة والملابس وحتى في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام بعد قلق الناشرين على المبيعات.
فاضطرت منى علي (27 عاماً)، وهي مهندسة في شركة متعددة الجنسيات، إلى تقليص زياراتها إلى المقاهي والمطاعم والرحلات الخارجية، والاقتصاد في الإنفاق؛ حتى تتمكن من سداد فواتيرها. وقالت: "ليس عندي أطفال، وكنت أقتل نفسي في العمل؛ لأتمكن من الاستمتاع بإجازة في الخارج مرة واحدة في السنة أو شراء شيء لنفسي. الآن كل ما أفكر فيه هو الطعام الذي سأتناوله. فهل ما زلت من الطبقة المتوسطة؟".
وفيما كانت مروة أحمد تسحب عربة التسوق الفارغة أمام الذبائح المتدلية من الخطافات في المتجر، توقفت وهي تشير إلى لافتة تشير إلى سعر اللحم البقري الذي بلغ 379 جنيهاً للكيلو. وقالت الأم لطفلين والبالغة من العمر 42 عاماً: "بالكاد نستطيع شراء العدس والخضراوات، اللحوم خيار غير وارد".
وبدأ محمد قدري، وهو جزار من محافظة سوهاج جنوب مصر، العام الماضي، ببيع اللحوم بالغرام وبكميات صغيرة. وأصغر قطعة لحم يبيعها قدري تزن 50 غراماً بـ37 جنيهاً الآن.
مستوى قياسي من التضخم
في حين وصل التضخم بالفعل إلى مستوى قياسي يزيد على 35% عام 2023. وتضاعفت أسعار السلع الأساسية مثل السكر، ما دفع السلطات إلى اتخاذ تدابير لتجنب ما تقول إنه تلاعب في الأسعار من التجار أو الموزعين. وارتفع سعر البصل، الذي كانت وفرته التقليدية في المطابخ رمزاً لثقافة الطهي المصرية ومكوناً أساسياً في طعام الشوارع مثل الكشري، بأكثر من 400% خلال عام.
لكن المزيد من الانخفاض في قيمة العملة يعني ارتفاع الأسعار على المدى القصير على الأقل. والواقع أن المصريين يعرفون ما ينتظرهم. إذ خفضت البلاد قيمة عملتها بنسبة 48%، وقلصت الدعم نهاية عام 2016 للتوصل إلى اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، ما ساعد في إصلاح الوضع المالي العام للبلاد لكنه حفز التضخم.
وبعد أخبار هذا الشهر، هرع رجب محمد إلى متجر البقالة لشراء احتياجاته قبل أن ترتفع الأسعار مرة أخرى. وقال المحاسب البالغ من العمر 45 عاماً: "تلك هي القشة الأخيرة. لا أعرف كيف سنتجاوز هذا".