منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يقود الاحتلال حرباً همجية مدمرة، مستهدفاً بها المدنيين العزل ومدمراً البنية التحتية والمنشآت المدنية، مع تشديد الحصار. يأتي هذا بدعم أمريكي متواصل للاحتلال، من خلال تزويده بمختلف أنواع الأسلحة لإبادة الفلسطينيين وتوفير حماية شاملة للاحتلال، وذلك بالوقوف في وجه وعرقلة أي مساءلة قانونية أو قرار دولي من خلال استخدام حق الفيتو.
وبالتزامن مع اليوم الـ 170 للحرب، قالت الوزارة في تقرير إحصائي يومي عبر منصة تليغرام إن "الاحتلال الاسرائيلي ارتكب 8 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة وصل إثرها للمستشفيات 84 شهيداً و 106 إصابات خلال الـ24 ساعة الماضية".
تثير المواقف التي اتخذتها إدارة الرئيس بايدن تجاه العدوان الهمجي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الكثير من الاستغراب والدهشة؛ إذ تُظهر الإدارة الأمريكية تناقضاً واضحاً بين دعمها العسكري والسياسي للاحتلال وبين تصريحاتها التي تبدو وهمية وادعاءاتها الفارغة حول تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة وجهودها من أجل إحلال السلام. على الرغم من أن الولايات المتحدة قد أعلنت مراراً وتكراراً التزامها بتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، إلا أن الواقع يُظهر خلاف ذلك، موضحاً تناقضاً صارخاً حيث تكون معظم هذه المساعدات لا تفيد ولا تغني وغير كافية لمواجهة الاحتياجات العاجلة لسكان القطاع الذين يتعرضون للتجويع من قبل الاحتلال.
إدارة بايدن ملطخة بدماء غزة
في المقابل، شهدت كميات الدعم العسكري المقدمة للاحتلال زيادة ملحوظة منذ بدء عملية "طوفان الأقصى". عملت الإدارة الأمريكية بجدية على توفير كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر. في هذا السياق، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن تنفيذ الولايات المتحدة لأكثر من 100 صفقة بيع أسلحة للاحتلال منذ بداية حربه المدمرة على قطاع غزة. تضمنت هذه الصفقات آلاف الذخائر الموجهة والقذائف الخارقة للتحصينات، بالإضافة إلى مساعدات أخرى ذات طابع استخباراتي.
لا شك أن السياسة والرؤية الأمريكية أصبحت جزءاً من المعضلة في مسألة الحل بقطاع غزة، نظراً لدعمها المطلق للعمليات العسكرية للاحتلال ومستمرة في مشاركتها وإدارتها للحرب، محاولةً فرض واقع جديد يتماشى إلى حد ما مع مصالح الاحتلال. من الواضح أن الزيارات المتكررة لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، لم تثمر عن نتائج ملموسة على أرض الواقع؛ ما يؤكد أنها تُعد جزءاً من استراتيجية أمريكية تسعى لإيجاد حلول تخدم مصالح الاحتلال بدلاً من معالجة مأساة أهالي غزة. يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تظهر رغبة حقيقية في إيقاف الحرب، بل تسعى لإظهار ورسم صورة أنها مهتمة بالسلام وإيصال المساعدات الإنسانية، رغم أن هذه المساعدات لا تشكل أي حل من الحلول، فهي فقط تؤجل القضاء على الفلسطينيين أو قتلهم إلى وقت لاحق.
يتفق العديد من الخبراء والمحللين على أن المحاولات الأمريكية، من خلال جولاتها المكوكية في الشرق الأوسط، لا تهدف إلى إيجاد حل دائم بقدر ما تسعى إلى تحقيق تهدئة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة. إن هذه الجهود الأمريكية تبدو كمحاولة لكسب الوقت، بهدف تهدئة الرأي العام داخل الولايات المتحدة وكذلك في العالم العربي.
ما يدعم هذا الطرح والتحليلات أن الادارة الأمريكية لا تبدي حسماً واضحاً في رفضها مقترح اجتياح قوات الاحتلال الأخير لمدينة رفح، بل تطلب فقط ضمانات بخصوص تجنب الضرر الواسع للمدنيين أثناء تنفيذ ذلك الاجتياح.
بعد أكثر من 170 يوماً من الحرب في قطاع غزة، تعتبر الإدارة الأمريكية شريكاً في العدوان على القطاع ومعاناة الفلسطينيين، من خلال تزويدها الاحتلال بأسلحة فتاكة يستخدمها في قصف المدنيين بغزة. الإدارة الأمريكية، التي تعتبر دعم الاحتلال استثماراً ذكياً وفق تعبير الرئيس بايدن، ترى في هذا الدعم قاعدة متقدمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط تخدم المصالح الأمريكية. على أسس أمنية وسياسية، يؤكد هذا الدعم على الدور الوظيفي للاحتلال الإسرائيلي كحامٍ لمصالح واشنطن في المنطقة؛ وهو ما يدفع الإدارة الأمريكية للحفاظ بأقصى قدراتها على الاحتلال ودوره الإقليمي.
أيدي إدارة بايدن ملطخة بدماء غزة، فالسلاح الأمريكي والدعم السياسي ليسا إلا أدوات في مسار الإبادة الجماعية التي تشهدها غزة، وهما يشكلان صورة قاتمة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الامبريالية في تبشيع الحرب بدلاً من حلها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.