كشفت مصادر عراقية خاصة لـ"عربي بوست"، أن رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي يضغط على الكتل السياسية، من أجل تعديل مادة من النظام الداخلي للمجلس، متعلقة بمنصب رئيس البرلمان، "يفرّط فيه بالمنصب الأول للسنة" في العراق، بحسب تعبير نواب عبّروا عن معارضتهم له.
مقترح الحلبوسي لرئاسة البرلمان، رأى نواب سنة معارضون له، أنه يأتي "من أجل تمرير ترشيح شخصية من حزبه بديلة عن التي تصر قوى الإطار التنسيقي الشيعي على رفضها".
كتلة حزب "تقدم" التي يرأسها الحلبوسي كانت قد قدمت طلباً إلى رئاسة البرلمان، في 10 مارس/آذار 2024، لإضافة بند في المادة 12 من النظام الداخلي، تنص على أنه "إذا لم يحصل أحد المرشحين للمنصب الشاغر على الأغلبية المطلقة، لأي سبب كان، فيتم فتح باب الترشيح مرة أخرى".
مقترح الحلبوسي لرئاسة البرلمان
مصادر نيابية من تحالف "الحسم الوطني" السني أكدت أن الحلبوسي يسعى إلى تغيير مرشحه النائب شعلان الكريم، الذي يواجه معارضة شيعية لترشحه، كونه امتدح في مقطع فيديو يعود إلى عام 2006، بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ويطالبون بترشيح شخصية أخرى، وذلك من خلال القبول بجعل رئاسة البرلمان "هيئة رئاسة"، إلا أن القانون الداخلي للمجلس يمنع ذلك.
بتحويل رئاسة البرلمان من رئيس ونائبيه إلى هيئة رئاسة، يصبح منصب الرئيس حاله حال نائبيه (الكردي، والشيعي)، أي تتوزع صلاحياته بينه وبين نائبيه، بهدف ترشيح شخصية من "تقدم"، وليس من كتلة سنية أخرى، وفق المصادر.
يتم تعيين نائبين لرئيس البرلمان في العراق بالانتخاب، وجرى العرف السياسي المتبع منذ عام 2005، أن يكون رئيس البرلمان من العرب السُّنة، وله نائب أول شيعي وآخر كردي، بينما رئيس الحكومة من الشيعة، ورئيس البلاد من الأكراد.
كان شعلان الكريم، المرشح عن حزب الحلبوسي، قد حصل على 152 صوتاً خلال جولة أولى لانتخاب رئيس البرلمان العراقي، في جلسة عقدت بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2024، مقابل 97 صوتاً لأقرب منافسيه النائب سالم العيساوي من حزب "السيادة" بقيادة رجل الأعمال خميس الخنجر، ضمن تحالف "الحسم الوطني"، لكن الجولة الثانية عُرقلت لاعتراض كتل شيعية على مرشح الحلبوسي بسبب تصريحاته عن صدام حسين.
إصرار القوى الشيعية على رفض الكريم، يعزّز من حظوظ منافسه سالم العيساوي في كتلة "السيادة" بزعامة خميس الخنجر، الأمر الذي دفع الحلبوسي للدفع بإجراء التعديل، فالنظام الداخلي الحالي يمنع ترشيح أي مرشح جديد بعد الجولة الأولى في حال لم يحصل أحد المتنافسين على الأغلبية، وإنما يحسم الأمر بجولة ثانية بين اثنين حصلا على أعلى الأصوات، ما يعني في هذه الحالة خسارة مرشح الحلبوسي بعد اعتراض الكتل الشيعية عليه.
تحركات الحلبوسي لاستبدال مرشحه بشخصية أخرى ذات قبول لدى حلفائه، جاءت بعد أن استطاع إحداث انشقاق في القوى السنية المناوئة له (السيادة، العزم، الحسم) التي اتفقت على ترشيح سالم العيساوي، وذلك بعد لقائه بأربعة نواب منهم، أعلنوا بعدها تشكيل تحالف "الصدارة"، في 13 مارس/آذار 2024، بحسب المصادر ذاتها.
تأتي انتخابات رئيس البرلمان في العراق، إثر قرار في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، من المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق)، بإقالة الحلبوسي الذي كان يشغل هذا المنصب، بعد إصدارها حكماً يقضي بإسقاط عضويته في البرلمان، على خلفية إدانته بـ"تزوير" وثيقة رسمية تخص أحد النواب.
الحلبوسي يهاجم الإخوان في العراق
معارضة قوى سنية لمقترح الحلبوسي لرئاسة البرلمان، بتعديل القانون الداخلي، واجهها بتوجيه اتهامات لـ"الإخوان المسلمين في العراق"، قائلاً إنهم يسعون إلى "الاستحواذ على استحقاقات المكوّن السني".
الحلبوسي هاجم خلال مقابلة تلفزيونية، في 10 مارس/آذار 2024، الإخوان المسلمين في العراق، واتهمهم بالوقوف وراء تلفيق اتهامات له بمحاولة إنشاء إقليم سني جديد، ودخوله في مشروع إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، وفق قوله.
وقال الحلبوسي إن "الإخوان يريدون العودة لإدارة محافظة الأنبار، لكننا لن نسمح بذلك، فهم كانوا سبباً في تردي الأوضاع في المدينة، لذلك بعدما فشلوا في العودة إلى السلطة بالمحافظة عبر الانتخابات، بدأوا يثيرون مثل هذه الأخبار عن الإقليم السني، وقضية فلسطين وغيرها"، وفق قوله.
خلال المقابلة ذاتها، أكد الحلبوسي أنه يتمتع بعلاقة جيدة مع الإمارات، وأنه "يعتز" بهذه العلاقة.
المصادر أكدت لـ"عربي بوست"، رفض قوى سنية بينها تحالف "السيادة" الأوسع للأحزاب السنية، وكذلك الأحزاب الأخرى مثل الحزب الإسلامي العراقي وحركة "العدل والإحسان" لمقترح الحلبوسي لرئاسة البرلمان.
تعليقاً على ذلك، اعتبر مصدر من الإخوان في العراق، لـ"عربي بوست" أن "الحلبوسي، يقصد في حديثه الحزب الإسلامي العراقي، الذي ليس له أي علاقة بالإخوان في الوقت الحالي، وأن يروّج إلى أن من يعارض مقترحه هم الإخوان فقط".
وقال إن "مديح الحلبوسي للإمارات، ومهاجمته للإخوان المسلمين في العراق في الوقت ذاته، وإظهارهم بأنهم بعبع قد يستحوذ على استحقاقات المكوّن السني في البلاد، هدفه استمرار الدعم الذي يحظى به منها"، بحسب قوله.
لفت المصدر ذاته إلى أن "الإخوان في العراق لا يمتلكون سوى مقعد واحد في البرلمان، وهذا جاء عن طريق دخولهم ضمن تحالف تقدم الذي ترأسه الحلبوسي بنفسه في الانتخابات البرلمانية عام 2021".
أشار كذلك إلى أن "الحلبوسي يخشى فقدان الدعم له بعد إخراجه من منصبه، لأن الدول التي توفر الدعم للقوى السنية، عادةً ما تركز على الشخصيات التي تتولى مناصب بالدولة، ذلك لأن المجتمع السني في العراق يلتف حولهم، وليس حول المراجع الدينية"، وفق تعبيره.
أعاد هجوم الحلبوسي على الإخوان الحديث عن اتهامات له بتلقي أموال من الإمارات، الأمر الذي علقت عليه مصادر عراقية من تحالف "الأنبار المتحد"، لـ"عربي بوست" بأن "هذه الأموال أسهمت بشكل كبير في حصول حزب تقدم على نتائج متقدمة في محافظة الأنبار -مسقط رأس الحلبوسي- والعاصمة بغداد"، وفق قولها.
حقَّق الحلبوسي حينها 11 مقعداً من أصل 16 في مجلس محافظة الأنبار، فيما جاء حزبه بالمرتبة الثالثة في العاصمة بغداد، بعدما حقق 9 مقاعد بعد قائمتي "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"نبني" بقيادة هادي العامري، اللتين حصلتا على 9 مقاعد لكل منهما، من مجموع 52 مقعداً.
وكان كل من السياسي العراقي السني، مشعان الجبوري من تحالف "السيادة"، ورئيس البرلمان العراقي الأسبق سليم الجبوري عن "الحزب الإسلامي (سابقاً)"، اتهما الحلبوسي بـ"تلقي دعم إماراتي" أسهم في فوزه في انتخابات البرلمان 2018 و2023.
حزب الحلبوسي يرد على الاتهامات
بالمقابل، ردّ مصدر من حزب "تقدم"، طالباً عدم ذكر اسمه، بأن "الاتهامات التي يطلقها البعض على أن الحلبوسي يتلقى أموالاً من دولة الإمارات، هو كلام غير دقيق، فهو يتمتع بشعبية في الداخل العراقي، بالتالي غير مجبر على الرد على كل ما يُطلق عليه مثل هذه الأحاديث".
اعتبر أن سبب إطلاق هذه الاتهامات للحلبوسي، أن "المرحلة الحالية تشهد تنافساً سياسياً في الساحة السنة، وهناك انشقاقات بسبب الاختلاف على منصب رئيس البرلمان، لذلك فإن تبادل الاتهامات مسألة واردة".
وقال إن "جهات سنية تسعى جاهدة لإخراج هذا المنصب من حزب تقدم، الذي لا يزال يمتلك الأغلبية البرلمانية السنية، بـ43 مقعداً، بعد تقاسم الوزارات والمناصب بين الكتل السياسية للمكوّن، لكن اليوم هناك تنصّل من بعض الأطراف"، دون أن يسميها.
عن تصريحات الحلبوسي ضد الإخوان قال إنها "مستنبطة من رأي الشارع في الأنبار والمحافظات السنية، بسبب ما عانوه في عهد إدارة الحزب الإسلامي لها، بالتالي سخط الجمهور عليها"، وفق تعبيره.
عن الجهة التي قصدها بالإخوان في العراق، قال إن "الحلبوسي في حديثه تطرق لفشل الحزب الإسلامي والإخوان بشكل عام، بالتالي هو يوجه كلامه للمجتمع السني في الداخل، وليس معنياً بالخارج، لأن حزب تقدم يعبّر عن تطلعات أبناء شعبه من العراقيين"، على حد قوله.
الحزب الإسلامي العراقي يرد
تحدث "عربي بوست"، مع أحمد السلماني، عضو المكتب السياسي للحزب الإسلامي العراقي، الذي قال إن "الحلبوسي يستغل الجو العام العالمي في عدائه للتيار الإسلامي، بالتالي يحاول الضرب على هذا الوتر، باستعداء الداخل عليهم، وبالتأكيد هو يقصد الحزب الإسلامي العراقي"، بحسب تقديره.
وقال: "نحن نعترض على منهج الحلبوسي في إدارة محافظة الأنبار، ومواردها ومؤسساتها، لكن الأخير يحاول من خلال الضرب على وتر الإخوان المسلمين الاقتراب من المحيط الإقليمي والعربي، بعدائه لهم".
أشار كذلك إلى أن "من يوجه إليهم الحلبوسي الاتهامات، هم من مؤسسي العملية السياسية في العراق بعد عام 2003، في وقت كانت البيئة التي تحيط به ترفضها بشكل مطلق، فهو اليوم يحاول تعطيل عودة هذه الشخصيات للعمل السياسي بشتى السبل".
يشار إلى أن حركة "العدل والإحسان" تقدّم نفسها الممثل الجديد لجماعة الإخوان المسلمين بالعراق، بعد انشقاقها عن الحزب الإسلامي العراقي، الذي مثّل الجماعة عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003- 2014.
تأسس الحزب الإسلامي في العراق عام 1960، ولا يزال فاعلاً دون تمثيل له في البرلمان، في حين لا يوجد ما يشير إلى تاريخ تأسيس حركة "العدل والإحسان"، إلا أنها تقول عن نفسها إنها "نتاج سنوات تراكمية منذ عام 2014″، ويرأسها إسماعيل النجم، أحد أبرز المنظرين الفكريين والثقافيين للإخوان المسلمين، ولدى الحركة مقعد وحيد في البرلمان.
حاول "عربي بوست" التواصل مع قيادات من "العدل والإحسان" للتعليق على مقترح الحلبوسي لرئاسة البرلمان وتصريحاته ضد الإخوان، إلا أنه لم يلقَ رداً منهم حتى الآن.
وكان العراق رفض في أكتوبر/تشرين الأول 2020، طلباً مصرياً بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب، مؤكداً أن الجماعة من المؤسسين للعملية السياسية في العراق.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.