لجأت الحكومة المصرية إلى قطع الكهرباء والمياه وإنهاء العقود من أجل إخلاء ضاحية الجميل الواقعة غرب محافظة بورسعيد (شمال شرقي مصر) من قاطنيها بالقوة، لتمهيد الطريق أمام الاستثمارات في تلك الأرض المميزة على شاطئ البحر، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 22 مارس/آذار 2024.
الموقع أشار في تقريره، إلى أن محافظ بورسعيد "المدينة الساحلية المقصودة"، دافع عن هدم حي الجميل، معتبراً أنه ضمن خطط التنمية، لكن السكان والخبراء القانونيين كانت لديهم قصة أخرى يروونها.
ونقل الموقع البريطاني عن المواطنة المصرية رجاء محرم علي، أخصائية الأشعة، التي وقفت في الطابق العلوي من منزلها وهي تشاهد الجرافة تهدمه شرفةً تلو الأخرى، قولها: "لا أصدق أنني ما زلت على قيد الحياة. كان من الممكن أن ينهار البيت وكنت سأموت".
و"رجاء" واحدةٌ من مئات السكان في ضاحية الجميل بمدينة بورسعيد، الذين تعرضت منازلهم للتدمير أو ينتظرون إزالتها الوشيكة لتمهيد الطريق أمام الاستثمارات في تلك الأرض المميزة على شاطئ البحر.
الموقع أوضح أن أعمال الهدم بدأت في مطلع فبراير/شباط الماضي، وما تزال مستمرةً. وأفاد السكان للموقع البريطاني بهدم 290 منزلاً حتى الآن، في حين تبقى نحو 25 منزلاً ينتظر ملاكها المصير نفسه.
بُنِيَت ضاحية الجميل في غرب بورسعيد عام 1978 عندما خصصت الحكومة لسكانها 317 قطعة أرض على شاطئ المتوسط مباشرة، بحسب جمعية ضاحية الجميل لحماية البيئة والتنمية.
وشيَّد سكان الضاحية البيوت على تلك الأراضي من أموالهم الخاصة، بتصريح من الحكومة، وبموجب عقد حق انتفاع. كما تعاونوا في ما بينهم لإدخال المرافق على حسابهم الشخصي دون دعمٍ حكومي، بحسب تصريح ثلاثة من السكان للموقع البريطاني.
وظل الوضع مستقراً لنحو أربعة عقود حتى عام 2019، حين أعلنت محافظة بورسعيد إنهاء عقود إيجار الأراضي من جانبها، ورفضت استلام المدفوعات السنوية الثابتة من السكان.
"إخلاءات قسرية غير قانونية"
من جهتها قالت منظمات حقوقية والسكان، إن قرار إنهاء التعاقد تم اتخاذه من طرفٍ واحد ودون مشاورة السكان. كما جرى تنفيذ عمليات الهدم، على الرغم من مطالبات أعضاء في البرلمان باستكشاف الحلول البديلة.
في حين حصل الموقع البريطاني على نسخ من ثلاثة بيانات قدمها نواب برلمانيون إلى الحكومة، وطالبوا فيها بالوقف الفوري لأنشطة الهدم. كما دعا النواب إلى النظر في البدائل المقترحة من السكان، وضمن ذلك تعبيرهم عن الاستعداد لشراء الأرض بسعرها السوقي العادل.
وقالت مها أحمد، المحامية الحقوقية في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن سكان ضاحية الجميل تعرضوا لـ"إخلاءات قسرية غير قانونية".
حيث تحظر المادة 63 في الدستور أي شكل من أشكال التهجير القسري للمواطنين، وتعتبره جريمةً جنائية لا تسقط بالتقادم. كما أردفت أن عمليات الهدم تُعد انتهاكاً لالتزامات مصر بموجب القوانين الدولية.
في ديسمبر/كانون الأول عام 2020، وافق المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية على إعلان ضاحية الجميل في بورسعيد منطقة "إعادة تخطيط". وبموجب المادة 47 من قانون التخطيط العمراني الثالث لعام 1982، يعني هذا أن عقارات المنطقة ستُهدم لأغراض التنمية والمنفعة العامة، مع تقديم التعويضات لمالكي العقارات وأصحاب الحقوق. لكن هذا لم يحدث، ولم يحصل أحد على تعويضات.
علاوةً على ذلك، تنص شروط عقود حق الانتفاع على ضرورة أن تدفع الحكومة تعويضات في حال إنهاء التعاقد. لكن المسؤولين لم يعرضوا عليهم أي تعويضات مقابل فقدان منازلهم.
ولجأت "رجاء" مع عدد من سكان الضاحية إلى القضاء المصري كملاذٍ أخير، من أجل الحصول على حقوقهم المنصوص عليها في عقود حق الانتفاع.
وأكّد محامٍ يمثل عدداً من السكان، تحدث شرط عدم كشف هويته، أن بدء أعمال الهدم دون تعويض، انتهاك للقانون المدني وللمادة 925 تحديداً. وشدّد على أن الدولة ملزمةٌ بتعويض الملاك طالما سمحت بالبناء وأصدرت تراخيصه.
في حين ذكر عدد من السكان الذين تم تهجيرهم، أنهم تقدموا بدعوى للقضاء الإداري، لكنهم لم يحصلوا على ردٍّ من المحكمة بعد. وقد رفعوا القضية الآن إلى المحكمة الإدارية العليا.
تكتيكات الإخلاء
قال السكان إن الحكومة استخدمت عدة تكتيكات لهدم المنازل في أثناء وجود السكان داخلها من أجل إخلاء البيوت بالقوة، وتضمنت تلك التكتيكات القطع المتعمد للكهرباء والمياه.
إذ قالت أم لطفل يبلغ ثلاثة أعوام، اختارت عدم كشف هويتها، إن زوجها تعرض للاحتجاز لمدة 24 ساعة؛ من أجل إجبارهم على ترك المنزل. وأضافت: "حمل احتجازه رسالة واضحة، مفادها أننا سنُطرد بالقوة لو لم نترك المنزل طواعية".
ولم يُخطرهم أحد بأي تعويضات، على حد قولها. لكن أحد المقاولين تحدث معهم عن الحصول على تعويض يتراوح بين 40.000 و80.000 جنيه (850 إلى 1.700 دولار تقريباً). وأوضحت أن هذا المبلغ "ليس عادلاً على الإطلاق".
بينما قالت ساكنة أخرى تبلغ من العمر 42 عاماً: "لقد طلبوا منا الخروج من المنزل لفترةٍ وجيزة من أجل إجراء محادثة، لكن وفي أثناء حوارنا وطلبنا لأوراق تُثبت قرار الهدم وأمر الإخلاء، صُدمنا ونحن نشاهد الحفارات تهدم جزءاً من الفيلا الخاصة بنا".