- ليس هذا أول اتصال بين الصين وحماس
- بكين تؤكد حرصها على العلاقة مع الحركة الفلسطينية
- هل تصبح الصين وسيطاً في القضية الفلسطيمية؟
- بكين أغضبت إسرائيل بعدم إدانتها لطوفان الأقصى
- علاقة الصين بالقضية الفلسطينية قديمة ووثيقة، ولكنها تراجعت بسبب الفيتو الأمريكي
- تطور العلاقة بين الصين وحماس مؤشر لتغيرات في سياسة بكين
- هكذا يمثل اللقاء بين ممثلي الصين وحماس وسيلة للثأر من أمريكا وتل أبيب
في تحرك مستفز لأمريكا وإسرائيل، عقد مسؤول صيني اجتماعاً مع قيادة حركة حماس لأول مرة منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الأمر الذي أعاد للواجهة التساؤلات بشأن أسباب اقتراب بكين مؤخراً أكثر للجانب الفلسطيني، بما في ذلك تعزيز الصلات القائمة أصلاً بين الصين وحماس في هذا التوقيت شديد الحساسية لتل أبيب.
ففي تطور لافت في الاتصالات بين الصين وحماس، التقى وانغ كيجيان، السفير الصيني السابق في لبنان، مؤخراً بإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في قطر، في إشارة إلى أن الصين تبتعد أكثر عن الموقفين الإسرائيلي والغربي بشأن الأزمة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
ليس هذا أول اتصال بين الصين وحماس
وليست هذه أول مرة يكون هناك اتصال بين الصين وحماس، حيث سبق أن التقى مسؤولون صينيون مع قادة حماس ولكن قبل عملية طوفان الأقصى.
وصدر عن بكين بيان مقتضب عن الاجتماع بين ممثلي الصين وحماس مفاده أن الرجلين "تبادلا وجهات النظر حول الصراع في غزة وقضايا أخرى".
ومع ذلك، دعا بيان صدر بعد اجتماع بين المسؤول الصيني ذاته، ووزير الدولة القطري للخارجية محمد الخليفي، إلى وقف شامل لإطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية و"تسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية".
بكين تؤكد حرصها على العلاقة مع الحركة الفلسطينية
وقال بيان لحماس إن وانغ أعرب عن رغبته في الحفاظ على العلاقات مع الحركة واعتبرها "جزءاً من النسيج الوطني الفلسطيني". وأضاف البيان أن وانغ دعا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وانسحاب إسرائيلي من غزة، وكلاهما يعارضهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وشدَّد هنية خلال اللقاء على "ضرورة الوقف السريع للاعتداءات والمجازر" وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، و"تحقيق الأهداف والتطلعات السياسية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة"، بحسب بيان صحفي صادر عن المكتب الاعلامي الحكومي لحماس. وذكر البيان أن السفير الصيني لدى قطر، تساو شياو لين، حضر الاجتماع أيضاً.
وبحسب شبكة CNN الأمريكية، جاء في بيان حماس أن هنية "أشاد بالدور الذي لعبته الصين في مجلس الأمن والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية"، في إشارة إلى دبلوماسية بكين الأخيرة بشأن الحرب.
وكان وفد الصين أمام محكمة العدل الدولية قد أكد خلال الشهر الماضي أن لجوء الفلسطينيين إلى المقاومة المسلحة للحصول على استقلالهم من حكم استعماري أجنبي، أمر "مشروع وحق غير قابل للتصرف"، بموجب القانون الدولي.
هل تصبح الصين وسيطاً في القضية الفلسطيمية؟
وقد رُوِّجَ للصين بشكل كبير كوسيطٍ بديل في أزمات الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل علاقاتها الجيدة نسبياً مع جميع أطراف الصراعات المختلفة في المنطقة. وقبل عام، عملت كوسيط في اتفاق خفض التصعيد بين الرياض وطهران، وُقِّعَ في بكين. فهي مشترٍ رئيسي للنفط السعودي والإيراني، لكن رغم كونها داعماً تاريخياً للقضية الفلسطينية، فقد طورت أيضاً علاقة تجارية مع إسرائيل.
ولكن منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، اتخذت بكين خطوة ملحوظة إلى الوراء. واقتصرت مشاركتها مع الجانبين على الاجتماعات الرسمية التي يعقدها تشاي جون، المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط، مع الجامعة العربية، المؤسسة الجامعة للدول العربية التي تلعب دوراً ضئيلاً في المفاوضات مع إسرائيل، ومع بعض الدول العربية.
وتحظى الصين بعلاقات إيجابية مع الفلسطينيين والعرب والأتراك والإيرانيين، كما تقول داون ميرفي، الباحثة الأمريكية المتخصصة في السياسة الخارجية الصينية التي ترى أنه "في ظل جودة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يمكن لبكين وواشنطن معاً أن تُقنعا كل الأطراف المعنيّة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات".
غير أن هناك مراقبين آخرين يرون أن الصين لا تزال لاعباً ثانوياً على ساحة سياسات الشرق الأوسط. ومن هؤلاء جوناثان فولتون، الباحث المتخصص في علاقات الصين والشرق الأوسط، حسبما ورد في تقرير لـ"بي بي سي".
بكين أغضبت إسرائيل بعدم إدانتها لطوفان الأقصى
اللافت أن الصين لم تدن عملية طوفان الأقصى، الأمر الذي جعل وزارة خارجية إسرائيل تعرب عن خيبة أملها العميقة لعدم إدانة بكين الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقالت إن إسرائيل بالغت في رد الفعل على طوفان الأقصى.
كما استخدمت الصين وروسيا حق الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن لإدانة حركة حماس في مجلس الأمن، على خلفية هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كما أصدر وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، أصدر رسالة دعم قوية للجانب الفلسطيني أثناء الجلسة الأخيرة للمجلس الوطني لنواب الشعب (البرلمان الصيني)، منتقداً ضمناً دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.
وفي مؤشر على أن العلاقة بين الصين وحماس تتطور دون أن تأبه بكين بالاعتراضات الإسرائيلية، سبق أن ذكرت تقارير أن الصين أرجأت زيارة وفد من حماس لبكين ولكن ليس لتجنب غضب تل أبيب ولكن بسبب ضغوط رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يتعامل مع الحركة كفصيل منافس.
وهناك خليط من مشاعر الدهشة والغضب في إسرائيل إزاء نهج الصين الأخير الذي يتناقش تناقض مع موقف بكين السابق، الذي كان عنوانه "التحفظ". فعلى الرغم من تاريخها خلال حقبة الحرب الباردة في دعم منظمة التحرير الفلسطينية، تمسكت الصين في العقود الأخيرة بنبرة محايدة إلى حد كبير بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بهدف الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة.
علاقة الصين بالقضية الفلسطينية قديمة ووثيقة، ولكنها تراجعت بسبب الفيتو الأمريكي
وتعود علاقة الصين بالقضية الفلسطينية إلى زمن مؤسس الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ، الذي أرسل أسلحة إلى الفلسطينيين في إطار دعم ما يسمّى بحركات "التحرر الوطني" حول العالم. بل إن ماو تسي تونغ قارن إسرائيل بتايوان -وكلتاهما تحظيان بدعم الولايات المتحدة- كقاعدتين للإمبريالية الغربية، على حد وصفه.
ولكن في العقود اللاحقة، طبّعت الصين مع إسرائيل وأقامت معها شراكة اقتصادية تناهز قيمتها الآن المليار دولار، ويعتقد أن إسرائيل لعبت دوراً في تسريب بعض تقنيات وتصميمات الأسلحة قبل سنوات لبكين.
وكان واضحاً أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين في طريقها للتطور بشكل كبير، وهو ما جعل الصين تحرص على تأكيد التزامها بالثوابت الدولية تجاه القضية الفلسطينية دون إغضاب إسرائيل الشريك الاقتصاد والتكنولوجي المهم.
ولكن الولايات المتحدة فرضت فيتو على هذه العلاقة سواء فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا الإسرائيلية للصين أو الاستثمارات الصينية في مجال النقل البحري بإسرائيل، وحاولت تقديم الهند غريم بكين لإسرائيل كبديل عن التنين الصيني في مشروعات النقل البحري تحديداً.
تطور العلاقة بين الصين وحماس مؤشر لتغيرات في سياسة بكين
وقد يشير التطبيع بين الصين وحماس، ودفاع بكين عن حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة إلى سعى بكين لاسترداد إرثها التاريخي الداعم للشعب الفلسطيني، ولكن يؤشر أيضاً إلى تخلي بكين تدريجياً عن الدبلوماسية والمحايدة، والسعي للتقرب للعالم الإسلامي ولاسيما الدول الشرق الأوسطية، في ظل مساعٍ غربية للتركيز على مسألة اضطهاد بكين للأيغور، كما يؤشر ذلك إلى أن أحد أهداف اللقاء بين الصين وحماس هو الرد على التصعيد الأمريكي ضد بكين، عبر نكز إسرائيل حليفتها خاصة بعدما أستجابت تل أبيب للضغوط الأمريكية للابتعاد ولو قليلاً عن الصين.
ويمكن اعتبار هذا التطور في علاقة الصين وحماس إلى أنه يأتي في إطار نظر بكين إلى الدعم الأمريكي لحرب إسرائيل على غزة على أنه فرصة للرد على خطاب واشنطن الانتقادي تجاه الصين، مثل قرار وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2021 بأن الصين مذنبة بارتكاب "إبادة جماعية" في شينغيانغ، حسبما تقول كثير من المصادر الغربية والإسرائيلية.
ومن الأمثلة على ذلك تغريدة أصدرتها السفارة الصينية في باريس، تضمنت صورة للمناظر الطبيعية الحضرية المزروعة في شينغيانغ، جنباً إلى جنب مع صورة للدمار الذي أحدثته إسرائيل في غزة.
هكذا يمثل اللقاء بين ممثلي الصين وحماس وسيلة للثأر من أمريكا وتل أبيب
فمن الواضح لدى الصين أسباب كثيرة لأن تستفيد من أزمة غزة للاتنقام من الولايات المتحدة سواء بسبب الإيغور أو تايوان أو الحرب التكنولوجية وفي الوقت ذاته لم تعد إسرائيل الشريك الحيوي لبكين في ظل سعي واشنطن لكبح العلاقة المتنامية التي قد نشأت بين بكين وتل أبيب.
كل ذلك دفع بكين للتخلي عن خطوط الحمر الإسرائيلية وعقد أول اجتماع بين مسؤولين من الصين وحماس، في وقت يتعهد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقضاء على الحركة.
ولكن في الوقت ذاته يشير قرار عدم إرسال وزير الخارجية أو المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط في اللقاء الذي عقد بين ممثلي الصين وحماس إلى أن الجانب الصيني قد يرغب في الاتصال مع حماس، ولكن دون أن يبدو ذلك على أنه ارتباط وثيق بها بالنظر إلى أنها جماعة تحظرها الولايات المتحدة والدول الغربية، حسب الصحيفة الغربية.
وفي الضفة الغربية، التقى وانغ رياض المالكي وزير خارجية السلطة الفلسطينية. والجدير بالذكر أن المسؤولين اللذين التقى بهما في إسرائيل لم يكونا من المسؤولين رفيعي المستوى نسبياً.
وتشير حقيقة أن وانغ زار كلاً من إسرائيل والأراضي الفلسطينية خلال جولته في الشرق الأوسط -وهو أول مسؤول صيني كبير يقوم بذلك منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول- إضافة للقاء المشار إليه بين الصين وحماس، إلى أن بكين تريد أن يُسمَع صوتها في أي اتفاقٍ لوقف إطلاق النار أو تسويةٍ طويلة الأجل، وأن يُنظَر إليها على أنها ثقلٌ موازن للولايات المتحدة.