آلام لا تطاق ومستشفيات عاجزة عن علاجهم.. شهادات مروعة لفلسطينيين فقدوا أطرافهم في غزة

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/19 الساعة 00:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/19 الساعة 00:09 بتوقيت غرينتش
من داخل إحدى المستشفيات في غزة/الأناضول

كشف تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الإثنين 18 مارس/آذار 2024، جانباً من المأساة التي يعيشها عدد من الفلسطينيين من سكان قطاع غزة الذين نجوا من قصف وغارات الاحتلال لكنهم لم ينجوا من عاهات مستديمة وإعاقات تطاردهم طوال حياتهم، بعد أن فقدوا أطرافهم في غزة، كما زاد من تعقيد وضعيتهم عجزُهم عن الحصول على العلاج.

 فعندما ضرب صاروخٌ فناء إحدى مدارس وسط غزة، قال إبراهيم الراعي إنه كان يساعد في حزم أمتعة جيرانه الذين كانوا يحتمون هناك. مزق الانفجار ساقه اليمنى أسفل ركبته، أُنقذت حياة الراعي في ذلك اليوم من شهر يناير/كانون الثاني، لكنها لم تكن سوى بداية ملحمة شهدت اصطحابه من مستشفى إلى آخر؛ بحثاً عن الرعاية.

واحد من بين آلاف من فقدوا أطرافهم في غزة

تقول صحيفة The Wall Street Journal إن الشاب البالغ من العمر 16 عاماً، واحد من آلاف الفلسطينيين الذين فقدوا أطرافهم بسبب الحرب، وهي محنة مؤلمة تزيد من الآلام وإرهاق الأعصاب بسبب الحرب؛ لأن الرعاية الطبية الطارئة فُرغت من المستشفيات في غزة. ولا يزال كثير من المصابين مبتوري الأطراف يكافحون لينجوا بحياتهم، ويواجهون صعوبات من أجل الحصول على العلاج من المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل.

كان المستشفى الأول الذي اصطُحب الراعي إليه في شمال غزة يُخلى عندما وصل. ولم يفعل الأطباء أي شيء هناك سوى أنهم وضعوا رباطاً مشدوداً حول ساقه المصابة بدلاً من القميص الذي كانت ساقه ملفوفة به لمنع النزيف، وأعطوه جرعة مورفين. وانتقل بعد ذلك بين ثلاثة مستشفيات لإجراء العملية الجراحية التي احتاج إليها.

مستشفيات قطاع غزة في حالة كارثية وسط قصف متواصل للاحتلال/رويترز
مستشفيات قطاع غزة في حالة كارثية وسط قصف متواصل للاحتلال/رويترز

لم يستطع المراهق أن ينام لعدة أيام، بعد أن زال أثر التخدير من عمليته الجراحية الأولى التي استغرقت ساعة في مستشفى شهداء الأقصى. قال الراعي: "كنت أصرخ. الألم كان يشبه الكهرباء".

وأوضحت الصحيفة أن المصابين مبتوري الأطراف الذين ينجون بإصاباتهم ومن ويلات الحرب، لا تنتهي التحديات التي يواجهونها عند ذلك الحد. كثير من هؤلاء سوف يجدون صعوبات كبيرة في العثور على وظائف لدعم عائلاتهم. كذلك يواجه الأطفال الذين بُترت أطرافهم مخاطر أكبر في تخليهم عن فكرة الحصول على الأطراف الصناعية، التي قد تكون أكثر تكلفة من أطراف البالغين، ومؤلمة أيضاً إذا رُكبت بطريقة غير ملائمة. وإذا تسبب فقدان الأطراف في منع الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، فإن النتيجة قد تكون مثل تأثير الدومينو وتتبعهم بقية حياتهم.

المستشفيات تفتقر إلى الطواقم والمستلزمات الطبية

تشير تقديرات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إلى أنه بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، فقد نحو 12 شخصاً، من بينهم 5 آلاف طفل، طرفاً أو أكثر بسبب الحرب في غزة. وقالت المنظمة، التي تتخذ من الضفة الغربية مقراً لها، إنها لم تكن قادرة على تحديث الإحصاءات هذا العام، لأن الاتصالات في غزة تكون مقطوعة في معظم الأحيان، ولأن غالبية المستشفيات لا تعمل.

شهداء غزة جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي/رويترز
شهداء غزة جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي/رويترز

تتفاقم شدة الإصابات، بسبب عدم وجود العلاج الطبي. ففي غياب المضادات الحيوية، قد تصير العدوى فتاكة. ويعني غياب أطقم الجراحة أن الأطراف لا يُعاد بناؤها بصورة صحيحة.

في المستشفيات التي لا تزال تعمل، يُنهَك للغاية الأطباء ومقدمو الرعاية الصحية الآخرون في الخطوط الأمامية. ويقول الجراحون إن المرضى المصابين إصابات شديدة يخضعون لعمليات بتر أوسع من الضروري لإنقاذ حياتهم.

روايات مروعة لأطفال فقدوا أحد أطرافهم

قال محمد عبيد، الجراح المتخصص في إعادة بناء الأطراف بمستشفى العودة شمال غزة، إنه أجرى 35 عملية بتر خلال الحرب. وأوضح أن غالبية حالات البتر كانت الأطراف مفجرة فعلياً. لكن ست عمليات بتر لم يكن من الممكن إنقاذها بسبب الافتقار إلى المستلزمات الطبية، والمضادات الحيوية، والأطقم المتخصصة. فليس هناك جراحو أوعية دموية باقين في شمال غزة لتولي إجراء العمليات المعقدة التي تتضمن تضرر الأوعية الدموية.

من بين الحالات التي عالجها عبيد، حالة لطفلتين شقيقتين تبلغان من العمر 6 أعوام و9 أعوام. وصلت الطفلتان إلى جناحه بعد معاناتهما من كسور تسببت في كشف عظام الساق. أُصيبت كلتاهما في انفجار بمنزل العائلة، لكنهما لم تتمكنا من القدوم إلى مستشفى العودة إلا بعد أسبوع، لأن المستشفى كان محاصراً بإطلاق النار، حسبما قال الجراح. وعندما وصلتا، كانت الجروح تعرضت لعدوى.

حاول عبيد تطهير الجروح وظل ينظفها يومياً لمدة أسبوع، لكنه لاحظ أن درجة حرارة الطفلتين ترتفع. انتاب الجراحَ القلقُ من حدوث صدمة إنتانية، وهي حالة تهدد الحياة، حيث يبالغ الجسم في رد فعله على العدوى ويؤثر انخفاض ضغط الدم على أعضاء الجسم الرئيسية. قال عبيد إنه لم يملك حينها المضادات الحيوية الملائمة، ولم تكن لديه قدرة على الوصول إلى مختبر خزعة العظام لتحديد السبب الرئيسي للعدوى.

ونتيجة لذلك كانت الطفلتان ستفقد كل منهما إحدى ساقيها. قال الجراح: "أبلغنا الأب أننا إن لم نبتر السيقان، فسوف تتسبب في وفاة ابنتيك. ومن أجل ذلك، وافق الأب على عملية البتر".

تحميل المزيد