لا تزال حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو في حالة من التخبط والتيه المتواصل فيما يتعلق بخطتها لما صار يعرف بـ"اليوم التالي للحرب على قطاع غزة"، فبعد 5 أشهر على الحرب لم يحقق نتنياهو أهدافه بشأن تدمير حماس وتقويض قوتها أو تحرير أسراه، ولم تنجح أي فكرة أو مشروع حاول نتنياهو أو رفاقه ترويجه حول إدارة القطاع، ولا تزال خطته لمستقبل هذه الحرب الكارثية غير واضحة، وهو ما يرفضه خصومه والأمريكيون.
العشائر الفلسطينية.. آخر مخططات نتنياهو لإدارة غزة
آخر خطة حاولت حكومة الاحتلال ترويجها هي التواصل مع عشائر في قطاع غزة لإدارة القطاع بعد تقويض حكم حركة حماس وخلق كيان بديل، لكن تجمع عائلات وعشائر غزة رفض أن تكون بديلاً عن أي نظام سياسي في القطاع غزة، فيما أكدت حماس أن محاولات الاحتلال لخلق كيان موازٍ في غزة لن تنجح.
وأكد تجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية يوم الأحد 10 مارس/آذار 2024 أن "القبائل الفلسطينية ليست بديلاً عن أي نظام سياسي فلسطيني، بل إنها مكوّن من المكوّنات الوطنية وداعمة للمقاومة ولحماية الجبهة الداخلية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي".
وتجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية هو تجمع شعبي غير حكومي يضم ممثلين عن غالبية القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والشتات. ورأى تجمع القبائل أن الوحدة الوطنية هي الطريق الوحيد للحفاظ على كينونة الشعب الفلسطيني والوطن وصمود أهله وبسالة مقاومته.
في السياق ذاته، قال مسؤول أمني بحركة حماس إن سعي الاحتلال لاستحداث هيئات تدير غزة مؤامرة فاشلة لن تتحقق، مؤكداً أن قبول التواصل مع الاحتلال من مخاتير وعشائر للعمل بقطاع غزة خيانة وطنية، وأن الحركة لن تسمح بها.
وأوضح المسؤول الأمني أن حماس لن تسمح "للعدو بأن يعوض ما خسره في الميدان من خلال الألاعيب السياسية داخل قطاع غزة". وأشار إلى أن الحركة "ستضرب بيد من حديد مَن يعبث بالجبهة الداخلية في قطاع غزة، ولن نسمح بفرض قواعد جديدة". وتابع المسؤول الأمني أن "كل محاولات زعزعة أمننا واستقرارنا في قطاع غزة ستبوء بالفشل ولن نسمح بذلك"، مؤكداً في الوقت ذاته أن المقاومة هي الضمانة الوحيدة لنا كشعب وبيئة حاضنة.
الإسرائيليون يفكرون بشخصية من السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع
بعد فشل خطة العشائر الفلسطينية التي رفضت بشكل واضح خطة الاحتلال تجاهها، يبدو أن حكومة نتنياهو عادت لتفكر في السلطة الفلسطينية برام الله بعدما كان نتنياهو يرفض مشاركة السلطة في مستقبل غزة بشكل قاطع.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان) يوم الثلاثاء 12 مارس/آذار أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت اقترح تولي رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج إدارة قطاع غزة مؤقتاً، بعد انتهاء الحرب.
وقالت الهيئة إن إسرائيل تدرس استخدام رئيس المخابرات الفلسطينية لبناء بديل لحكم حركة حماس في اليوم التالي للحرب. وينص المقترح على أن يتولى ماجد فرج إدارة غزة بمساعدة شخصيات (لم يحددها) ليس بينها عضو في حركة حماس.
وقالت مصادر مطلعة على المناقشات لقناة (كان) إن ماجد فرج لم يكن الاسم الوحيد الذي تدرس إسرائيل إمكانية تسميته مسؤولاً عن إدارة غزة في اليوم التالي للحرب. لكن زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لبيد قال إنه "من الطبيعي أن نذكر اسم ماجد فرج، فهو في السلطة الفلسطينية من أكثر الشخصيات التي عملت معنا ضد حماس"، حسب تعبيره.
وأضاف في مقابلة تلفزيونية أن "الجهاز المدني ليس لديه عائق أمام العمل مع السلطة الفلسطينية؛ لأنه حتى اليوم يعمل معهم. يجب على الحكومة أن تقرر ما إذا كانت ستتعامل مع السياسة أو أمن إسرائيل. إذا كان الأمر يتعلق بأمن إسرائيل، فسنعمل مع السلطة الفلسطينية.. نحن فقط سنضمن أمننا، وليس اقتراح الاعتماد على السلطة الفلسطينية في الحرب على الإرهاب".
وسبق أن طرح اسم ماجد فرج كبديل محتمل للرئيس الفلسطيني محمود عباس. ووفق تقارير الصحافة الإسرائيلية، فإن ماجد فرج (61 عاماً) هو أقوى وأكبر شخصية أمنية في السلطة الفلسطينية، ويعتبر مقرباً من عباس، وله علاقات ممتازة مع كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين. وبحسب هذه التقارير، ينسق ماجد فرج نيابة عن السلطة مع كل من الشاباك ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) ووكالات الاستخبارات العربية والغربية.
خطط الاحتلال لمستقبل غزة "ما بعد الحرب" بين التيه والفشل
- في نهاية فبراير/شباط الماضي، كشف نتنياهو عن خطته لما سماه "اليوم التالي في غزة"، حيث عكست وثيقته التي قدمها إلى المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) حالة من عدم الوضوح وتردد بشأن مستقبل الحرب والقطاع.
- حاول نتنياهو من خلال تقديم خطته تفادي ضغوط الأمريكيين والحلفاء الغربيين والحفاظ على تماسك الائتلاف الحكومي الهشّ الذي يدير الحرب، وتقديم محفزات في الوقت نفسه لقادة اليمين المتطرف المشاركين معه بالحكومة.
- تضمنت الوثيقة قضية إعادة إعمار قطاع غزة، وأشارت إلى أن حكومة نتنياهو لن تسمح بإعادة الإعمار إلا بعد نزع كامل للسلاح في القطاع (باستثناء الأسلحة الضرورية للحفاظ على النظام العام)، وبعد بدء عملية "اجتثاث التطرف من القطاع".
- لم تحدد الوثيقة رؤية نتنياهو لإدارة القطاع بعد الحرب، لكنها أشارت إلى أن "عناصر محلية ذات خبرة إدارية" ستكون مسؤولة عن الإدارة المدنية والنظام العام في غزة، دون توضيح ماهيتها.
- بشكل عام، الوثيقة اعتُبرت توجيهات عامة تعبر عن الوضع المثالي المنشود من وجهة نظر إسرائيلية حول غزة، وتفتقر إلى التفاصيل المطلوبة لترجمة المخطط عملياً وواقعياً. وأكدت هيئة البث الإسرائيلية أن وزراء المجلس الوزاري الأمني المصغر لم يصوتوا بالموافقة على وثيقة نتنياهو تلك.
- رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، ميخائيل ميلشتاين، أعرب عن شكوكه في جدية مخططات "اليوم التالي" المطروحة، مشيراً في مقال نشرته في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى أن مخططات نتنياهو تواجه صعوبة في تشكيل أساس لخطة عمل قابلة للتطبيق والتنفيذ في الواقع. وأشار ميلشتاين إلى أن "اليوم التالي" لا يبدو وكأنه قريب، مع استمرار القتال في غزة وبقاء القيادي في حماس، يحيى السنوار، على قيد الحياة وإدارة الحرب.
ما السيناريوهات الإسرائيلية التي طرحت حول غزة حتى الآن؟
- في مطلع يناير الماضي، نشر مستشار نتنياهو للأمن القومي، تساحي هنغبي، مقال رأي في موقع "إيلاف" العربي ومقره لندن، يقول فيه إنه ستكون هنالك حاجة لهيئة فلسطينية معتدلة حاكمة لغزة تتمتع بدعم وشعبية واسعين. وأضاف: "في شكلها الحالي، تجد السلطة (الفلسطينية) صعوبة في القيام بذلك، وسيتطلب الأمر جهداً ومساعدة كبيرين من المجتمع الدولي وكذلك من دول المنطقة، ونحن مستعدون لهذا الجهد". وما كان هنغبي ليكتب هذا دون موافقة رئيسه.
- ويبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي عالقاً: فأحزاب اليمين المتطرف التي تُبقيه في السلطة تهدد بإسقاط الحكومة إذا ما تقلَّص نطاق الحرب وسُمِحَ للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة. وقال نتنياهو، في منتصف ديسمبر الماضي إنه "لن يسمح لحركة فتح أو حماس بحكم قطاع غزة". وقال في حسابه على موقع "X": "لن أسمح باستبدال حماسستان بـ فتحستان"، على حد تعبيره.
- وأضاف نتنياهو في حديثه حول "حكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب": "لن نعيد خطأ أوسلو، ولن نسمح مرة أخرى ببيئة يربى فيها أبناء الفلسطينيين على ثقافة القضاء على إسرائيل، ولن نعيد إلى غزة الجهات المتطرفة، الجدال بين فتح وحماس هو حول كيفية القضاء على إسرائيل"، على حد وصفه.
- في الوقت نفسه، قالت القناة 12 العبرية إن "هناك عدة سيناريوهات إسرائيلية مقترحة لحكم غزة ما بعد الحرب، وجميعها دون وجود حماس. وتتلخص السيناريوهات التي قالت القناة إنها وضعت على طاولة صانع القرار الإسرائيلي، ولا يزال يدور الكثير من النقاشات والجدالات حولها مع الإدارة الأمريكية، هو وضع غزة في عهدة السلطة الفلسطينية، أو إيجاد حكومة مختلفة عن طرفي السلطة في رام الله أو غزة.
- حول السيناريو الأول، هو أن يؤول حكم القطاع إلى السلطة الفلسطينية، حيث قالت القناة 12 إن نتنياهو استبعد عودة السلطة، وأكد أنه لن يسمح بأن تعود إسرائيل إلى ما وصفه بـ "خطأ أوسلو"، قائلاً إن "غزة لن تصبح حماستان أو فتحستان".
- فيما صرح جو بايدن بأن السلطة الفلسطينية "المتجددة" يجب أن تسيطر في نهاية المطاف على قطاع غزة والضفة. وقال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان: "السلطة الفلسطينية بحاجة إلى التجديد. وهذا سيتطلب قدراً كبيراً من العمل الذي سيبدأ مع أبو مازن، ويعتمد على الشعب الفلسطيني".
- السيناريو الثاني الذي كانت تتحدث عن القناة 12 يبتعد عن طرفي الحكم سواء السلطة الفلسطينية أو حماس، وتقول القناة إنه يتضمن "إقامة سلطة فلسطينية بديلة لحكم غزة، تعتمد على مصادر محلية قبلية لا تنتمي لحماس، وتكون مثلاً من الشخصيات العامة أو رجال الأعمال أو شيوخ العشائر ورؤساء البلديات"، وهو ما تمت المحاولة به بالفعل وفشل بسبب رفض القبائل لذلك.
- القناة طرحت سيناريو ثالثاً بديلاً، هو إقامة نظام إقليمي مؤقت بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة دول المنطقة: مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حتى تسليمها إلى السلطة الفلسطينية بعد سنوات قليلة. وبالنظر إلى مثل هذا السيناريو، فمن المتوقع أن تسيطر مصر على المنطقة بغطاء من الدول الأخرى، حيث ستقدم الإمارات العربية المتحدة المساعدة سياسياً، وسيقوم الأردن بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، ومن الممكن أن تحل المملكة العربية السعودية محل قطر وتساعد في "عملية السلام".
- لكن القناة العبرية أضافت حينها أنه من المتوقع أن يواجه مثل هذا الاحتمال عوائق كثيرة وصعوبة في تنسيق الحركة دون خلق ثغرات. وتصر إسرائيل حتى على أن السيطرة الأمنية للجيش الإسرائيلي على غزة ستستمر بعد الحرب. وأشارت القناة إلى أن السيناريوهات المقترحة ما زالت بعيدة عن الحسم، إذ نقلت عن مِيلشتاين أنه "لا حلول سحرية لتسوية سريعة، وأن هناك حاجة لاستراتيجية واضحة".