صار “رمزاً للمجاعة في غزة”! “نيويورك تايمز” تروي القصة الكاملة لمحنة الطفل “يزن” الذي تحول لهيكل عظمي

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/10 الساعة 22:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/10 الساعة 22:07 بتوقيت غرينتش
أم تحتضن طفلها الذي استشهد نتيجة القصف الإسرائيلي على غزة/ shutterstock

سلط تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، الأحد 10 مارس/آذار 2024، عن مأساة الطفل الفلسطيني الغزاوي يزن كفارنة، الذي تحول إلى هيكل عظمي بعد أن نخر الجوع جسمه جراء أزمة الغذاء الخانقة التي يعيشها شمال قطاع غزة، وجاءت صورته كل العالم، وتقول الصحيفة إن الطفل يزن أصبح رمزاً للجوع في القطاع.

وفق الصحيفة نفسها فإنه من السهل جداً تتبع عظام الجمجمة أسفل وجه الصبي الغزاوي يزن كفارنة، حيث يتمدد الجلد الشاحب بقوة فوق كل منحنى عظمي ويترهل مع كل تجويف. وتبرز ذقنه بحدة مزعجة. وتقلَّص لحمه وذبُل، وتلاشت مظاهر الحياة عليه، بحيث لم يعُد سوى قناع رقيق يقف على مشارف الموت.

مأساة يزن كفارنة

في واحدة من سلسلة الصور الإخبارية عن الصبي، يزن كفارنة، التي التُقِطَت بإذن عائلته وهو يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، تحدق عيناه ذواتا الرموش الطويلة، دون تركيز. وفي تلك الصورة التي انتشرت على نطاق واسع عبر الإنترنت، تنقبض يده اليمنى على نفسها بزاوية غريبة، وهي علامة واضحة على إصابته بالشلل الدماغي.

كان عمره 10 سنوات، لكن في الصور الفوتوغرافية التي التُقِطَت في أيامه الأخيرة في عيادة في جنوب غزة، بدا صغيراً بالنسبة لعمره وفي نفس الوقت كبير السن. وبحلول يوم الإثنين 4 مارس/آذار، لفظ يزن أنفاسه الأخيرة.

جثة الطفل الفلسطيني يزن الكفارنة/مواقع التواصل
جثة الطفل الفلسطيني يزن الكفارنة/مواقع التواصل

وسرعان ما صارت صور يزن المتداولة على الشبكات الاجتماعية وجهاً للجوع في غزة.

وحذرت جماعات الإغاثة من بدء حدوث وفيات ناجمة عن أسباب مرتبطة بسوء التغذية بين سكان غزة الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة. ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إنه مع مرور خمسة أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة وحصار القطاع، صار مئات الآلاف من الفلسطينيين على شفا المجاعة. ولم تصل أية مساعدات تقريباً إلى شمال غزة منذ أسابيع، بعدما علَّقت وكالات الأمم المتحدة الكبرى غالبية عملياتها، مستشهدة بالنهب الجماعي لشحناتها من سكان غزة اليائسين، والقيود الإسرائيلية على القوافل وسوء حالة الطرق التي تضررت خلال الحرب.

الحصيلة مرشحة للارتفاع

ووفقاً لمسؤولي الصحة في غزة، لقي ما لا يقل عن 20 طفلاً فلسطينياً حتفهم بسبب سوء التغذية والجفاف. وقال مسؤولو الصحة إنَّ العديد من الذين ماتوا عانوا أيضاً من ظروف صحية عرّضت حياتهم للخطر، مثل يزن الذي كان يحتاج إلى أدوية تعاني من نقص حاد في غزة.

في السياق، قالت هيذر ستوبو، خبيرة سوء التغذية في منظمة العمل ضد الجوع، وهي مجموعة إغاثة: "في كثير من الأحيان يعاني الطفل من سوء التغذية الشديد، ثم يمرض، وهذا الفيروس هو في النهاية سبب الوفاة. لكنهم لم يكونوا ليموتوا لو لم يعانوا من سوء التغذية".

فيما قال مسؤولو الصحة في غزة إنَّ اثنين من الأطفال الذين ماتوا بسبب سوء التغذية كان عمرهما أقل من يومين. وقالت الدكتورة ستوبو إنَّ سوء التغذية لدى الأمهات الحوامل ونقص الحليب الصناعي يمكن أن يؤديا بسهولة إلى وفاة الرُضع، وهم الأكثر عرضة لسوء التغذية الشديد.

يتوافق ذلك مع رواية قدمتها مجموعة إغاثية تدعى ActionAid، التي أفادت بأنَّ طبيباً في مستشفى العودة للولادة في شمال غزة أخبر المجموعة أنَّ الأمهات اللاتي يعانين من سوء التغذية يلدن أطفالاً ميتين.

قصة الطفل يزن الكاملة

ناضل والدا يزن لعدة أشهر لرعاية ابنهما، الذي يقول الخبراء إنَّ حالته الصحية جعلته يعاني من صعوبة في البلع ويحتاج إلى نظام غذائي من الأطعمة اللينة وعالية التغذية. وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة، فرّ والداه من منزلهما، بصحبة يزن وأبنائهما الثلاثة الآخرين بحثاً عن مكان آمن.

واستمرت رحلة الهروب من مكان لآخر، كما قال والده، بحثاً عن مكان أفضل ليزن، الذي كانت حالته تعني أنه لا يستطيع تحمل الملاجئ الفوضوية وغير الصحية. وكانت كل خطوة معقدة بسبب حقيقة أنَّ يزن لم يكن قادراً على المشي.

ولم يكن بوسع والديه فعل الكثير سوى مشاهدة تدهور صحته باستمرار.

وقال والده شريف كفارنة، وهو سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 31 عاماً من بيت حانون في شمال غزة: "يوماً بعد يوم، رأيت ابني يضعف".

في نهاية المطاف، انتهى بهم الأمر في مستشفى العودة، في مدينة رفح الجنوبية، حيث توفي يزن صباح الإثنين 4 مارس/آذار. وكان يعاني من سوء التغذية والتهاب في الجهاز التنفسي، بحسب الدكتور جبر الشاعر، طبيب الأطفال الذي عالجه. وألقى الدكتور الشاعر باللوم على نقص الغذاء في إضعاف جهاز المناعة الضعيف بالفعل لدى يزن.

الموت يحوم حول الأطفال في غزة

يُشكِّل الحصول على ما يكفي من الطعام صراعاً للكثيرين في قطاع غزة المحاصر من قبل الحرب. وقالت منظمة الصحة العالمية إنَّ ما يقدر بنحو 1.2 مليون من سكان غزة يحتاجون إلى مساعدات غذائية، وإنَّ نحو 0.8% من الأطفال دون سن الخامسة في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد.

بعد مرور خمسة أشهر على الحرب، يبدو أنَّ هذه النسبة قد ارتفعت: حيث يعاني نحو 15% من أطفال غزة تحت سن الثانية في شمال القطاع من سوء التغذية الحاد، بالإضافة إلى نحو 5% في الجنوب، حسبما ذكرت منظمة الصحة العالمية في فبراير/شباط. وقالت الدكتورة ستوبو إنه مع اعتماد نصف الأطفال الرضع في غزة على الحليب الصناعي، فإنَّ نقص المياه النظيفة في غزة لصنع الحليب الصناعي يؤدي إلى تفاقم الأزمة.

أطفال غزة يعانون من الجوع وسوء التغذية بسبب الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة/الأناضول
أطفال غزة يعانون من الجوع وسوء التغذية بسبب الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة/الأناضول

فيا تقول أديل خضر، مديرة الشرق الأوسط في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، هذا الأسبوع: "إن هذه الوفيات المأساوية والمروعة هي من صنع الإنسان، ويمكن التنبؤ بها وبالتالي تجنبها بالكامل". وقد ترك هذا الوضع الآباء في حالة ذعر.

وقد حاول برنامج الغذاء العالمي الوصول إلى الشمال دون نجاح يُذكر. وأعاد الجيش الإسرائيلي قافلة مكونة من 14 شاحنة الأسبوع الماضي، بعد انتظار دام ثلاث ساعات عند حاجز وادي غزة. وقال برنامج الأغذية العالمي إنَّ الشاحنات التي غير الجيش الإسرائيلي مسارها، توقفت في وقت لاحق أمام "حشد كبير من الأشخاص اليائسين الذين أخذوا حوالي 200 طن من الطعام".

ومع تفاقم أزمة الغذاء، لجأت الولايات المتحدة ومصر والأردن ودول أخرى إلى عمليات الإسقاط الجوي، التي لا تلبي سوى جزء صغير من الاحتياجات.

وحذر كارل سكاو، نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي: "إنَّ عمليات الإنزال الجوي هي الملاذ الأخير ولن تمنع المجاعة. نحن بحاجة إلى نقاط دخول إلى شمال غزة تسمح لنا بتوصيل ما يكفي من الغذاء لنصف مليون شخص في حاجة ماسة إليه".