رغم النفوذ العسكري والتفوق الصناعي لدى للولايات المتحدة وحلفائها في العديد من المجالات٬ فإن هناك عنصراً أساسياً في البنية التحتية الدفاعية الحيوية معرّض للخطر بشكل مقلق في مناطق عدة٬ وقد يهاجم في أي لحظة من دول مثل روسيا أو الصين٬ أو جماعات مسلحة في مكان مثل البحر الأحمر٬ وهذا العنصر النفيس هو الكابلات البحرية المستقرة في أعماق البحار والمحيطات.. فما قصة هذه الكابلات٬ وما مركزية وخطورة الكابلات البحرية في البحر الأحمر على وجه التحديد؟
ما هي الكابلات البحرية؟
الكابلات البحرية هي كابلات اتصالات تقع في قاع البحار والمحيطات، وهي جزء من شبكة عالمية تحمل الاتصالات عن بُعد بين الدول٬ حيث يوجد اليوم أكثر من 550 كابلاً تحت الماء تعبر ما يقرب من (1.4 مليون كيلو متر) من قاع المحيط.
وكان أول كابل اتصالات بحري صُمم لنقل حركة التلغراف في منتصف القرن التاسع عشر، ثم تبعته أجيال من الكابلات لنقل حركة التليفون ثم لنقل حركة المعلومات. وحالياً، كل الكابلات الحديثة تستخدم تقنية الألياف البصرية لتحمل البيانات الرقمية ونقل الاتصالات والإنترنت والمعلومات الخاصة للدول والجيوش.
وبدءاً من عام 2003 ربطت الكابلات البحرية كل العالم ببعضه البعض ما عدا القطب الجنوبي. وتعتبر الكوابل البحرية أحد أهم الإنجازات التي تحققت في مجال نقل وتبادل البيانات والمعطيات الرقمية حول العالم، حيث يتم نقل 99٪ من حركة البيانات التي تعبر المحيطات عن طريق الكابلات البحرية.
وذلك نظراً لسرعة تدفق البيانات فيها، وتمتعها بدرجة عالية من الأمن والسرية والموثوقية، والدقة العالية في نقل الإشارات، وقلة تكاليفها بالمقارنة مع الأقمار الصناعية وغيرها من الوسائل، خاصة أنه يتوفر فيها مسارات متعددة في حالة انقطاع الكابل.
لماذا تعتبر الكابلات البحرية جزءاً أساسياً في البنية التحتية للدول؟
تبلغ القدرة الاستيعابية الإجمالية للكابلات البحرية تيرابت في الثانية، بينما تقدم الأقمار الصناعية عادة 1000 ميغابت في الثانية وتعرض زمن انتقال أعلى. ومع ذلك، فإن نظام الكابلات البحرية النموذجية متعدد تيرابايت وعبر المحيطات، يكلف مئات ملايين الدولارات.
نتيجة لتكلفة هذه الكابلات وفائدتها، فإنها تحظى بتقدير كبير ليس فقط من قبل الشركات التي تبنيها وتشغلها من أجل الربح، ولكن أيضاً من قِبل الدول والجيوش والاستخبارات، وتعتبر جزءاً أساسياً في البنية التحتية للدول، وجزءاً حيوياً لاقتصاداتها.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر الكابلات البحرية مهمة بشكل كبير للجيش الأمريكي، حيث يستخدم شبكة كابل بحري لنقل البيانات من مناطق النزاع إلى هيئة القيادة في الولايات المتحدة، وقد يكون لانقطاع شبكة الكابلات أثناء العمليات المكثفة عواقب مباشرة على الجيش على الأرض.
وتتمثل إحدى المزايا الكبيرة التي تحتفظ بها الولايات المتحدة هو الدور الرئيسي الذي لعبه العلماء والمهندسون والشركات الأمريكية في اختراع وبناء أجزاء كبيرة من الكابلات البحرية؛ حيث تميل خطوط البيانات الرئيسية إلى المرور عبر الحدود الأمريكية والمياه الإقليمية لها، مما يجعل التجسس على الاتصالات سهلاً نسبياً.
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية إنه عندما ظهرت الوثائق التي سربها المحلل السابق لـ"وكالة الأمن القومي" إدوارد سنودن، كان العديد من الدول غاضبة لمعرفة مدى اعتراض وكالات التجسس الأمريكية على البيانات الأجنبية.
نتيجة لذلك، قررت بعض البلدان النظر في البنية التحتية للإنترنت نفسها. على سبيل المثال، أطلقت البرازيل مشروعاً لإنشاء كابل اتصالات بحري إلى البرتغال لا يمر عبر الولايات المتحدة بالكامل فحسب، بل يستبعد أيضاً الشركات الأمريكية على وجه التحديد من المشاركة في تنفيذه.
وفي كتابه "أسلاك الحرب" الذي يلقي نظرة على معركة التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين، يقول الباحث الأمريكي جاكوب هيلبيرغ، المستشار الأول في مركز جامعة ستانفورد للجغرافيا السياسية والتكنولوجيا، إن الكابلات البحرية تشكل العمود الفقري للإنترنت، وهي ضرورية لاقتصاد الولايات المتحدة وأمنها القومي.
ويصف هيلبيرغ كابلات الألياف الضوئية البحرية بأنها "نفط القرن الحادي والعشرين"، فهي تدخل في كل شيء بدءاً من إرسال رسائل البريد الإلكتروني حتى دعم أنظمة الدفاع للجيوش، لكن من المدهش أن هذه البنية التحتية غير محمية بشكل جيد وقد تكون فريسة سهلة جداً لأعداء أمريكا وخصومها التقليديين مثل روسيا والصين وغيرهما.
ويرى هيلبيرغ أنه من السهل إتلاف الكابلات البحرية من الاعتداءات المتعمدة، على الرغم من أنها قد تكون مصممة للحماية من الزلازل تحت الماء أو هجمات سمك القرش، إذ يتم لف الألياف الضوئية بطبقات متعددة من البلاستيك وأحياناً من الفولاذ، ثم تتم تغطيتها بشبكة معدنية وخراطيم مطاطية سميكة وتوضع في خنادق مصنوعة بواسطة سفن مد الكابلات.
وبحسب هيلبيرغ، فإن الكابلات البحرية للولايات المتحدة الأمريكية مهددة بشكل كبير، وهي حقيقة أثارت قلقاً متزايداً من قِبل بعض المحللين وصناع القرار. قائلاً إن "واشنطن لديها مجرد نظام مراقبة متكامل يمكنه إرسال التنبيهات فقط في حالة وجود تهديد للكابلات البحرية في مكان قريب".
ومع تصاعد تحذيرات الصدام مع روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن في 21 مارس/آذار 2022 من أن روسيا "تدرس شن هجمات على البنية التحتية الحيوية الأمريكية. وأن أحد السيناريوهات التي تم طرحها منذ بداية الحرب في أوكرانيا هو أن موسكو ستهاجم الكابلات البحرية لقطع الإنترنت في العالم الغربي".
وحث بايدن في مؤتمر صحفي الشركات الأمريكية على "إغلاق أبوابها الرقمية" بأسرع ما يمكن لحماية نفسها. وقال بايدن حينها إن الخوف هو أن "التكلفة غير المسبوقة التي تكبدتها روسيا بسبب العقوبات الدولية الأخيرة قد تدفع الرئيس الروسي بوتين إلى الانتقام من خلال مهاجمة دول الناتو مباشرة باستخدام أسلحة إلكترونية".
ما مركزية البحر الأحمر والشرق الأوسط بالنسبة للكابلات البحرية؟
تنقل الكابلات البحرية التي تعبر بين البحر الأحمر والبحر المتوسط ما بين 17 إلى 30% من إجمالي حركة الإنترنت في العالم، أو بيانات 1.3 إلى 2.3 مليار شخص٬ حيث تنقل حركة الإنترنت من أوروبا إلى الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا والعكس.
ويوجد حوالي 16 نظام كابل في البحر الأحمر تربط أوروبا بآسيا٬ بحسب تقرير لموقع "wired"، وتظهر خارطة موقع "سبمارين كيبل ماب" وجود 17 كابلاً رئيسياً.
وأدَّت الجغرافيا والسياسة إلى هذا التكوين الخاص. فيقول غاي زيبي، مؤسس شركة أبحاث السوق الجنوب أفريقية Xalam Analytics لموقع MEE: "لا يمكنك إنشاء رابط أرضي عبر أوروبا إلى سوريا ثم إلى إيران على سبيل المثال٬ بسبب الصراع والوضع السياسي المعقد في المنطقة لعقود. لذا تسلك الكابلات مساراً آخر٬ وهو المسار البحري.. لا يوجد سوى مناطق قليلة عالمياً ذات أهمية استراتيجية عالية، البحر الأحمر أبرزها٬ وفي سياق أفريقيا، هناك جيبوتي".
تمر معظم الكابلات تحت سطح البحر، ما يجعل العبور الأرضي في مصر استثناءً أكثر منه قاعدة. وتُفضَّل الكابلات البحرية لأنَّها كانت تُعتَبَر أكثر أماناً. لكن تواجه الكابلات التي تعبر مصر وعبر قناة السويس مخاطر لوجستية، مثل إتلافها بفعل المراسي في مياه السويس الضحلة أو نتيجة تدخل عامل بشري. ففي عام 2013 قطع ثلاثة غواصين الكابل الرئيسي الرابط بين مصر وأوروبا بأدوات يدوية، ما قلَّص حيز النطاق الترددي لمصر بمقدار 60%.
وتمر الكابلات التي تربط أوروبا وأفريقيا وآسيا عبر مصر، ثم تعبر البحر الأحمر إلى مضيق باب المندب بين اليمن وجيبوتي. ثُمَّ تتجه الكابلات شرقاً لتنحرف نحو عُمان. ويقع موقع المراقبة التابع لمكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية إلى الغرب من العاصمة مسقط، ويحمل الاسم الكودي "Circuit" (الدائرة أو الدائرة الكهربائية).
كيف تستغل الاستخبارات الأمريكية والبريطانية كابلات البحر الأحمر للتجسس على دول الشرق الأوسط؟
يقول دانكان كامبل، وهو صحفي استقصائي متخصص في عمليات المراقبة منذ 1975، لموقع Middle East Eye البريطاني: "لا شك أنَّ المنطقة من بورسعيد إلى عُمان واحدة من أكبر مناطق حركة الاتصالات وبالتالي المراقبة. كل شيء يتعلق بالشرق الأوسط يمر عبر هذه المنطقة، باستثناء الرابط الوحيد الذي يمر بتركيا".
ويقول الموقع البريطاني MEE إن "العيون الخمس"، وهي تحالف لاستخبارات الإشارة لدول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، تراقب الشرق الأوسط منذ تشكيل التحالف خلال الحرب العالمية الثانية. ويُعَد اللاعبان البارزان هما وكالة الأمن القومي الأمريكي، ومقر مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية، اللذان يستخدمان منشآت معروفة وسرية في المنطقة لجمع البيانات.
ويُعَد الشرق الأوسط بؤرة للمراقبة لأسباب واضحة: أهميته السياسية-الاقتصادية الاستراتيجية، والصراع العربي الإسرائيلي، والانقسامات السياسية بين حلفاء "العيون الخمس" وخصومهم من المجموعات المسلحة وصولاً إلى بلدان مثل سوريا وإيران.
وفي حين تُجرى كافة أشكال المراقبة التقليدية، من مراقبة المجال الجوي إلى التنصت على خطوط الهاتف، تُعَد المنطقة مجالاً استراتيجياً للمراقبة الجماعية بسبب المسارات الحالية لكابلات الألياف الضوئية. يقول آلان ماولدين، مدير البحث بشركة أبحاث الاتصالات TeleGeography في واشنطن: "لا تزال أهمية الكابلات غائبة إلى حدٍّ كبير عن الفرد العادي. فهو يظن أنَّ الهواتف الذكية بلا أسلاك وتنتقل إشاراتها عبر الهواء، لكنَّه لا يدرك أنَّ ذلك يتم عبر الكابلات".
استغلت وكالات الاستخبارات كابلات الألياف الضوئية لاعتراض كميات هائلة من البيانات، بدءاً من المكالمات الهاتفية إلى محتوى رسائل البريد الإلكتروني، وصولاً إلى تاريخ التصفح والبيانات الوصفية. وتمر البيانات المالية والعسكرية والحكومية أيضاً عبر الكابلات.
يُمحِّص محللون تلك البيانات التي يجري اعتراضها، في حين تستخرج المرشحات (الفلاتر) المواد بناءً على 40 ألف كلمة بحث -موضوعات وأرقام هواتف وعناوين بريد إلكتروني- لدى وكالة الأمن القومي الأمريكي ومقر مكاتب الاتصالات الحكومية البريطاني لفحصها عن كثب.
تقول أثينا كاراتزوغياني، وهي أكاديمية تبحث في أهمية وقواعد تنظيم الكابلات البحرية: "يرتبط هذا النظام المادي من كابلات الألياف الضوئية بالدول الكبرى في العالم وينقل أكثر من 95% من حركة البيانات والأصوات في العالم. وبالنظر لأهمية الكابلات البحرية، فهي غير محمية جيداً بموجب القانون الدولي". وأضافت: "إنَّها تمثل ربما المثال الأكثر تطرفاً لخصخصة الدول للبنية التحتية الحيوية مع الإخفاق في توفير الحماية".
لكنَّ مصر لا تملك مطلق الحرية لاعتراض بيانات الكابلات التي تمر عبر الدولة المصرية نيابةً عن العيون الخمس، على الرغم من الأهمية التي يوليها الرئيس عبد الفتاح السيسي للمراقبة الجماعية للمواطنين المصريين. قال كامبل: "المصريون في وضعٍ ممتاز يُخوِّلهم الوصول إلى البيانات التي تمر عبر الكابلات، لكنَّهم لا يُعتَبَرون شريكاً جديراً بالثقة أو مستقراً. إنَّه ليس المكان الذي ترغب في وضع معدات الرقابة المتطورة الباهظة فيه".
ولا تُعَد مصر، رغم أهميتها الاستراتيجية، طرفاً في أي شبكة استخبارات إشارة أوسع. إذ يملك تحالف العيون الخمس اتفاقات قائمة لتشارك المعلومات مع بعض البلدان الأوروبية واليابان وكوريا الجنوبية، لاعتراض البيانات من روسيا والصين.
على العكس من ذلك، للولايات المتحدة علاقات أقل رسمية لتشارك المعلومات مع عدد من البلدان في الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر وإسرائيل والأردن والسعودية وتركيا والإمارات.
قال هيو مايلز، مؤسس منصة Arab Digest، في القاهرة٬ للموقع البريطاني: "لدى المصريين اتفاق لتشارك المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، لكنَّهم على الأرجح سلبيون جداً في العلاقة، لأنَّهم يسعون وراء المال من مشغلي الكابلات وبعض التشارك للمعلومات الاستخباراتية، غالباً يكون من الجانب الأمريكي".
مع ذلك، ربما تتنصت العيون الخمس على الكابلات في مصر أو مياهها الإقليمية. إذ تشير وثائق سرَّبها إدوارد سنودن في 2013 إلى وجود قاعدة سرية لوكالة الأمن القومي في الشرق الأوسط تُدعى "Dancing Oasis" (واحة الرقص).
قال كامبل: "إنَّها سرية للغاية. وأُسِّسَت إلى حد كبير دون علم الحكومة المضيفة. ومكان وجودها هو مجرد عملية تخمينية بحتة. والأماكن المرشحة هي أولاً الأردن، ثم السعودية، وثالثاً مصر. ومن الناحية الجغرافية، قد يكون المكان الآخر هو عُمان، حيث تغطي بريطانيا الخليج من هناك".
وللتنصت على حركة الإنترنت المتجهة من عُمان إلى أوروبا، قال كامبل إنَّ "الخيار الأمثل سيكون استخدام أجهزة تنصت بالغة السرية في البحر". وكشفت تسريبات سنودن أنَّ عمليات التنصت تحت سطح البحر تتم عبر غواصة جُهِّزَت خصيصاً لذلك، هي غواصة USS Jimmy Carter يو إس إس جيمي كارتر.
هل يمكن التعرض لكابلات البحر الأحمر وإلحاق ضرر بها؟
في الوقت الذي أصبح فيه المرور بمنطقة البحر الأحمر محفوفاً بالمخاطر بسبب التصعيد بين جماعة الحوثيين والولايات المتحدة على إثر الحرب في غزة، إلا أن الأخطار لا تتوقف عند سطح المياه، حيث تعرضت كابلات بحرية قبالة سواحل اليمن لأضرار غير معروفة المصدر حتى اللحظة، فيما تدرس شركات الاتصالات خياراتها لمعرفة كيفية إصلاحه في منطقة حرب، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.
وفي 4 مارس/آذار 2024، أكدت شركة اتصالات هونغ كونغ "HGC" في بيان، انقطاع 4 كابلات إنترنت في البحر الأحمر تحت البحر، وأضافت: "قدّرنا أن هذا سيؤثر على 25% من حركة الإنترنت بين آسيا وأوروبا وكذلك الشرق الأوسط".
وأضافت الشركة: "نحو 15% من حركة الإنترنت في آسيا تتجه غرباً، في حين أن 80% من تلك الحركة سوف تمر عبر هذه الكابلات البحرية في البحر الأحمر"، ولم تقل الشركة من المسؤول وكيف تم قطع هذه الكابلات، وفق ما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وتابعت: "في ضوء هذا الوضع، اتخذت شركة (إتش جي سي) بالفعل الإجراءات اللازمة للتخفيف من حدة الضرر على عملائنا. لقد نجحنا في وضع خطة شاملة لتنويع ولإعادة توجيه حركة الإنترنت المتضررة"، مضيفة أنه تمت إعادة توجيه حركة الإنترنت عبر البر الرئيسي للصين والولايات المتحدة، إضافة إلى "تنويعها" داخل بقية نظام الكابلات البحرية البالغ عددها 11 نظاماً في البحر الأحمر.
وقالت الشركة، الأسبوع الماضي، إنها علمت بأضرار لحقت مؤخراً بالأسلاك، ووصفتها بأنها "حدث نادر للغاية، وكان لها تأثير كبير على شبكات الاتصالات في الشرق الأوسط، وإن كان تأثيرها محدوداً على هونغ كونغ".
قبل هذا الإعلان بأسبوع أيضاً٬ أعلنت شركة الاتصالات الدولية "سيكوم" عن خلل في بنيتها التحتية بالبحر الأحمر، ما أثّر على نظام الكابلات في أفريقيا. وقالت شركة الاتصالات الدولية، في بيان، إن الجزء الخاص بشرق أفريقيا من نظام الكابلات الذي يعبر البحر الأحمر، تعطَّل في 24 فبراير/شباط الماضي، ما أثَّر على تدفق حركة مرور (البيانات) بين أفريقيا وأوروبا.
هذه الكابلات تتبع لشركات AAE-1 وSeacom وEIG وTGN. وتتسبب هذا في انقطاع خطير لاتصالات الإنترنت بين أوروبا وآسيا، مع الشعور بالضرر الرئيسي في دول الخليج والهند، حسب موقع globes الإسرائيلي.
حول الأسباب٬ وجهت تقارير إسرائيلية وغيرها أصابع الاتهام في هذه الحوادث لجماعة أنصار الله الحوثيين الذين يهاجمون السفن الإسرائيلية وأي سفن أخرى متجهة لإسرائيل بسبب استمرار الحرب على غزة.
وقال مؤسس شركة فلاج تيليكوم الهندية رجل الأعمال سونيل تاجاري إن السلطات تبحث عن صلة إرهابية محتملة، ثم أردف على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أنه "تم التأكد" من أن قطع كابلات الإنترنت بالبحر الأحمر تم من قبل الحوثيين دون أن يذكر مصدر التأكيد.
كما نشر أيضاً أنه لم يكن هناك أي مزوّد لسفن الكابلات على استعداد لتقديم إصلاحات في المنطقة، وأن شركات التأمين قد تلغي تغطية سفن الكابلات التي تحاول العمل في المياه اليمنية. فيما نقلت "سكاي نيوز" عن مصادر قولها إن جماعة الحوثيين وراء تفجير خطوط الاتصالات الممتدة تحت البحر الأحمر قبالة سواحل اليمن.
لكن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بحكومة الحوثيين (غير معترف بها دولياً)، قالت في بيان: "لا صحة لما تروج له وسائل إعلام تابعة للعدو الصهيوني، حول أسباب ما تعرض له عدد من الكابلات البحرية الدولية في البحر الأحمر"، وفقاً لما ورد في وكالة أنباء (سبأ) التابعة للجماعة.
واتهمت جماعة "الحوثي" الولايات المتحدة وبريطانيا، بالتسبب في خلل بكابلات الاتصالات الدولية في البحر الأحمر. وقالت الجماعة في بيان صادر عن وزارة النقل بحكومة الحوثيين (غير معترف بها دولياً) إن "الأعمال العدائية على اليمن من قِبَل القطع العسكرية البحرية التابعة لبريطانيا والولايات المتحدة تسببت في إحداث خلل في الكابلات البحرية بالبحر الأحمر، ما عرّض أمن وسلامة الاتصالات الدولية والتدفق الطبيعي للمعلومات للخطر". ولم يصدر تعليق فوري من واشنطن أو لندن بخصوص تلك الاتهامات.
الكابلات البحرية في البحر الأحمر تمثل المكان الأكثر ضعفاً للإنترنت على وجه الأرض
في النهاية٬ تسلط هذه الحوادث الضوء على مدى ضعف البنية التحتية تحت سطح البحر، خاصة فيما يرتبط بكابلات الاتصالات الرئيسية، والتي تربط دولاً وقارات بعضها ببعض. وبحسب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً٬ فإن جماعة الحوثي تسيطر على البنية التحتية السيادية للاتصالات السلكية واللاسلكية وأنظمة الاتصالات السيادية وتشمل الكابلات البحرية التي تمر في المياه اليمنية.
وحددت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات اليمنية أن جماعة الحوثي تسيطر على مناطق كوابل: "آسيا – أفريقيا – أوروبا 1 (AAE – 1)"، وكابل "جنوب شرقي آسيا – الشرق الأوسط – أوروبا الغربية 5 (SEA – ME – WE 5)"، و"كابل أفريقيا 1 (Africa – 1)"، وكابل "فلاغ شبكة ألكاتيل – لوسنت الضوئية (FALCON)".
وجدَّدت الوزارة مطالبتها شركات ومؤسسات الاتصالات الدولية بالوقف الفوري لأي تعامل لها مع الحوثيين٬ مشيرة إلى أن "هذه الميليشيات تحصل على نحو ملياري دولار سنويا من قطاع الاتصالات". ومن أهم هذه الكوابل "آسيا – أفريقيا – أوروبا 1 (AAE – 1)" والذي يقطع مسافة تقارب الـ 16 ألف ميل (حوالي 26 ألف كلم) على طول قاع البحر، ويربط هونغ كونغ بمرسيليا في فرنسا، ويمر عبر بحر الصين الجنوبي وباتجاه أوروبا، ويساعد في توفير الإنترنت لأكثر من 12 دولة من الهند إلى اليونان وحتى دول أفريقية، بحسب "وايرد".
وهذه الكوابل البحرية تعتبر جزءاً هاماً من شبكة تضم 550 كابلاً حول العالم تحت سطح البحر، وبحسب موقع "wired" فإن كابلات الاتصالات التي تمر عبر البحر الأحمر تعتبر من أكبر نقاط عبور الإنترنت في العالم وهي "المكان الأكثر ضعفاً للإنترنت على وجه الأرض"، فهي كابلات لا يتجاوز سمكها خراطيم المياه الكبيرة، ولكنها عرضة للأضرار بسبب حركة الشحن، خاصة أنها تضم نقطة اختناق عالمية للشحن بقناة السويس.
ووصف تقرير للبرلمان الأوروبي نشر في منتصف 2022، خطوط الإنترنت في هذه المنطقة بأن "عنق الزجاجة الأكثر أهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، يتعلق بالمرور بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر، لأن الاتصال الأساسي بآسيا يمر عبر هذه الطريق". وحذر التقرير حينها من "أن التطرف والإرهاب يمثلان مخاطر في هذه المنطقة"٬ على حد وصف التقرير الأوروبي.